النهج الطائفي في سورية لن يبني دولة
تقوم هذه السياسة على إشعال فتيل الصراع الطائفي والعرقي لكي لايبقى أي مكون قوي بحد ذاته، بحيث لن يقوى على خوض اي صراع سياسي أو حتى مدني في وجه سلطة الأمر الواقع المفروضة على سورية

على مر العصور والأزمنة تعاقبت حكومات مختلفة في أقاليم ودول تحتوي على شعوب متنوعة من الناحية الديموغرافية والعرقية والمذهبية، وبالتأكيد في ظل هذه الظروف اختلفت أساليب الحكم من بلد لآخر. فمن المفترض أن تكون سياسة الحكم تتناسب مع تنوع هذا الشعب، وأن يتساوى الجميع فيه بالحقوق والواجبات والحريات، التي تمكنه من التعايش بمختلف مكوناته لتمارس حياتها وطقوس عبادتها بكل حرية بالشكل الذي يضمن حقوقها وحقوق جميع فئات الشعب في مختلف شرائهحم وتنوعهم، والتعايش بين الطوائف والمذاهب والقوميات الأخرى هو أحد أهم الأسباب التي أدت إلى استمرار الحياة على الأرض في مختلف الدول ذات التنوع السكاني.
وإذا كنا نتحدث عن التنوع السكاني الكبير؛ فسورية هي أحد أهم الدول التي لها تاريخ قديم جداً وغني بتنوعه عبر الحضارات التي تعاقبت على أرضها. ولهذا فهي بلد ممزوج بالحضارات والتاريخ العريق ذو الإرث النوعي والثقافي المميز، والذي مازالت آثاره القديمة شاهدة على تلك الثقافات المتنوعة حتى اللحظة. وفي الوقت الحالي نستطيع أن ندرس ونحلل تاريخياً وسياسياً الوضع في سورية ومدى تأثير النهج الطائفي على هذا التنوع بين الماضي والحاضر في ظل الحكومة الجديدة التي وصلت للحكم بطابع ديني متشدد ومتطرف بقيادة الجولاني زعيم جبهة النصرة سابقاً وقائد هيئة تحرير الشام المصنفتين على قوائم الإرهاب حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
سورية وتنوع المذاهب والقوميات
سورية تعد واحدة من الدول الغنية بالتنوع الإثني والمذهبي، حيث تضم مجموعة متنوعة من القوميات والأديان ويمكننا تقسيم هذا التنوع إلى بعض النقاط الرئيسية:
القوميات
1- العرب: يشكل العرب غالبية السكان في سورية ويعيشون في جميع أنحاء البلاد.
2- الأكراد : يتواجد الأكراد بشكل رئيسي في الشمال والشمال الشرقي ولهم ثقافة ولغة خاصة بهم.
3- التركمان : يعيش التركمان في مناطق محددة متعددة في شمال البلاد وغربها.
4- السريان والآشوريون : لهم تاريخ طويل في المنطقة ويتواجدون في الشمال الشرقي للبلاد.
5- المكونات الأخرى : مثل الشركس واليهود ويتوزعون في الجنوب وفي دمشق ومحيطها وريف حمص.
المذاهب والطوائف
1-الإسلام السنة : يمثلون الغالبية العظمى بين المسلمين في البلاد ويتوزعون في أغلب المحافظات السورية.
2- الإسلام الشيعة : يوجد من المسلمين الشيعة أعداد موزعة بين ريف حلب وحمص ودمشق والجنوب وأيضاً منهم العلويين الذين يعتبرون جزءًا من المذهب الشيعي بالإضافة إلى الطائفة الإسماعيلية ويتواجدون بأغلبيتهم في الساحل السوري وحمص ودمشق.
3- الإسلام الموحدون (الدروز): ويتواجدون في دمشق والسويداء ومناطق متفرقة.
4- المسيحية: تضم عدة مذاهب منها الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية ولها تاريخ طويل في البلاد ويتوزعون في معظم المحافظات.
وعلى الرغم من كل هذا التنوع الثقافي والعرقي والديني في سورية، فقد تميزت عبر التاريخ بالعيش المشترك بين معظم مكونات المجتمع. ولاعجب أن ترى في نفس الحي أو القرية مجتمعاً سكانياً مصغراً يضم جميع المكونات، وهذا ما تميز به شعب سورية المحب للحياة والذي ينبذ الطائفية ويعزيز الهوية الثقافية والوطنية، حيث يعتبر هذا التنوع مصدر غنى ثقافي واجتماعي تسهم فيه كل مجموعة في تشكيل حزء من الهوية السورية.
الأسلوب الطائفي وخلفية المجموعات الإرهابية المرتبطة بالجولاني
تعتبر الطائفية واحدة من أبرز المظاهر التي لطالما أرست بظلالها السوداء على استقرار البلدان والشعوب التي نشبت فيها صراعات طائفية. ومن المؤسف أنه بعد مجيء حكومة الجولاني الإرهابية التي باتت تعمل على تفكيك المجتمع السوري بطرق مختلفة لتخلق شرخاً كبيراً بين مكوناته وتعزز بذلك فكرة "فرق تسد"، والتي انتهجتها الحكومات العثمانية خلال احتلالها للبلاد في الماضي، وهذا النهج الذي يتبعه الجولاني وعصاباته المتطرفة هي امتداد لتلك السياسة الممنهجة التي تدعمها تركيا من أجل إبقاء سورية ضعيفة منهكة بالصراعات الطائفية والمذهبية. وتعتبر طائفية الجولاني التي تبرز من خلال جماعة "هيئة تحرير الشام" التي يقودها من أكثر الأمثلة وضوحًا على كيفية استغلال الصراع الطائفي في سورية، حيث يروج الجولاني لفكر متطرف يقوم على احتكار السلطة وتوظيف الدين لتحشيد الدعم لمجموعته ما يؤثر بشكل كبير على تركيبة المجتمع السوري ويعمق الانقسامات الطائفية.
تقوم هذه السياسة على إشعال فتيل الصراع الطائفي والعرقي لكي لايبقى أي مكون قوي بحد ذاته، بحيث لن يقوى على خوض اي صراع سياسي أو حتى مدني في وجه سلطة الأمر الواقع المفروضة على سورية. المجموعات التي تسلمت السلطة اليوم هي مجموعات ذات خلفية إرهابية كان قادتها في تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق وبعد دخولها سورية، ومن ضمنهم أبو محمد الجولاني نفسه، شكلوا جبهة النصرة التي مع مرور الوقت تمكنت من السيطرة على مناطق واسعة في شمال غرب سورية خاصة في إدلب، وأثبتت نفسها كقوة عسكرية هامة، وفي عام 2016 أعلن الجولاني فك الارتباط الرسمي بتنظيم القاعدة مما أدى إلى تحول اسم المجموعة إلى "هيئة تحرير الشام" .[1]
نفوذ وارتباط هذه الجماعات بحكومة الجولاني
تسعى جماعة الجولاني إلى فرض سيطرتها بقوة التطرف الديني، حيث يدير الجولاني وزمرته شؤون البلاد محاولين تقديم أنفسهم كسلطة جديدة تتحدث بالمثاليات والتشاركية والعدل ولكن على أرض الواقع الأفعال تشهد على عكس ذلك، ويعتمد بقاء حكومة الجولاني على الاستخفاف بالمؤسسات المدنية وتوظيف الخطاب الطائفي لتعزيز سلطتهم وهذا سيفشل الحكومة السورية الجديدة في تحقيق الأمن و الاستقرار.
ويزداد التوتر في سورية مع وجود عناصر إرهابية من دول أخرى تدعم الجولاني وجماعته. فمع وجود مقاتلين أجانب في سورية يسعى هؤلاء إلى تشكيل تحالفات بارزة معه مما يعزز من قوته حيث قلدهم مناصب عالية في الجيش وتم إعطائهم الجنسية السورية.[2] كما إن الفكر الوهابي والمتطرف الذي يتبنوه يؤثر بشكل كبير على وحدة النسيج السوري وتماسكه، لإنهم يكفرون كل من يخالف فكرهم وعقيدتهم، وهذا ماحصل خلال العمليات الإنتقامية التي حصلت على خلفيتها مجازر إبادة جماعية في الساحل السوري [3] بحق الطائفة العلوية منذ أيام وذهب ضحيتها آلاف الأبرياء ومن جميع الطوائف في محافظتي اللاذقية وطرطوس وريفهما وكل ذلك بغطاء حكومي وتحت اسم الأمن العام أو وزارة الدفاع المزعومة والتي حتى اللحظة لم ولن تنجح في ضم وضبط الفصائل المتشددة.
الخاتمة
تظهر الطائفية كعائق رئيسي أمام نجاح حكومة الجولاني، وتستمر في إفشال جهود الحكومة السورية الجديدة، كما إن الفوضى التي خلفتها الإنتهاكات الفردية والحالات الإنتقامية بحق جميع الطوائف، باتت مفضوحة أمام الرأي العام المحلي والدولي. والظاهر أن الفكر الإقصائي المتطرف والتصرفات التي تظهر مفهوم العصابات وليس حكم القانون والدولة ستؤثر كثيراً على نجاحها واستمرارها، برغم أن من يدعم هذه الحكومة هم الأكثرية السنية، والتي حتى اللحظة تحاول تبرير مايجري، لكن في حال الإستمرار في هذا النهج الطائفي والإقصائي ستذهب الأمور إلى مزيد من الفوضى والإنقسامات الداخلية ودمار مقدرات البلاد الإقتصادية والإجتماعية بالدرجة الأولى وهذا ماسيفشل الحكومة الجديدة مهما ماطلت بالتمثيل والتبريرات هنا وهناك.