قلق السعودية من تصعيد الحرب التجارية بين أمريكا والصين

في حالة تصعيد الحرب التجارية وتراجع صادرات الصين إلى الولايات المتحدة ودول أخرى، سيتباطأ النمو الاقتصادي الصيني مما سيؤثر بشكل مباشر على طلب هذا البلد على الطاقة.

ابريل 25, 2025 - 10:32
 219
قلق السعودية من تصعيد الحرب التجارية بين أمريكا والصين
قلق السعودية من تصعيد الحرب التجارية بين أمريكا والصين

    بينما شهدت العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة تطورات سريعة ومعقدة، أثار تصعيد الحرب التجارية بين قوتين اقتصاديتين كبيرتين في العالم وهما الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية مخاوف جدية للعديد من الدول التي تعتمد على التجارة الخارجية. أحد هذه الدول هو المملكة العربية السعودية التي تعبر بشكل خاص عن قلقها بشأن تأثيرات هذه الحرب التجارية على صادرات النفط ومستقبلها الاقتصادي.

أصبحت الصين في السنوات الماضية أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بينما تعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر مصدري النفط حيث تؤمن جزءًا كبيرًا من إيراداتها من خلال بيع النفط للصين. وفقًا لإحصائيات شركة أرامكو، يتم توجيه حوالي 25 إلى 30 بالمئة من صادرات النفط السعودية نحو الصين. هذه الاعتمادية على النفط تجعل السعودية عرضة بشكل كبير لأي تراجع في النمو الاقتصادي الصيني.

في حالة تصعيد الحرب التجارية وتراجع صادرات الصين إلى الولايات المتحدة ودول أخرى، سيتباطأ النمو الاقتصادي الصيني مما سيؤثر بشكل مباشر على طلب هذا البلد على الطاقة. انخفاض الطلب يعني انخفاض أسعار النفط وبالتالي تقليص الإيرادات بالعملات الأجنبية للسعودية. تأتي هذه الظروف في وقت لا تزال فيه الميزانية السنوية للسعودية تعتمد على الإيرادات النفطية، وأي انخفاض في هذه الإيرادات يمكن أن يؤدي إلى عجز في الميزانية وتأخير في المشاريع التنموية.

منذ عام 2016 بدأت السعودية جهودها لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع اقتصادها من خلال الكشف عن برنامج رؤية 2030. يتطلب هذا البرنامج جذب استثمارات أجنبية واسعة النطاق في مجالات مثل السياحة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة والصناعات الثقيلة، لكن في ظل الأجواء العالمية المتوترة الناتجة عن الحرب التجارية بين أمريكا والصين، تراجع اهتمام الشركات والمستثمرين الأجانب بدخول الأسواق ذات المخاطر العالية.

عدم اليقين في رؤية التجارة العالمية وتقلبات العملة والقلق من فرض العقوبات الثانوية من قبل الولايات المتحدة والضغوط الناتجة عن تراجع الطلب الصيني، كلها عوامل يمكن أن تؤثر على الاستثمارات المستقبلية في مشاريع السعودية بما في ذلك المشروع الكبير "نيوم " (NEOM)

وعلى وجه الخصوص قد تحد الشركات الصينية التي لعبت دورًا مهمًا في تنفيذ بعض المشاريع البنية التحتية والتكنولوجية في السعودية من مشاركتها نتيجة لضغوط الولايات المتحدة أو تقليص الوصول إلى التكنولوجيا الأساسية. كما قد يفكر بعض المستثمرين الغربيين أيضًا في إعادة النظر في قراراتهم الاقتصادية نظرًا لوجود السعودية في نقطة تقاطع مصالح قوتين عالميتين.[1]

يعتبر برنامج رؤية 2030 للسعودية، أحد أكثر مشاريع الإصلاح الاقتصادي طموحًا في العالم العربي قائمًا على تحديث الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وتطوير التعاون الدولي. ويعتبر التعاون مع الصين كشريك استراتيجي ومزود للتكنولوجيا الحديثة أحد أركان هذه الرؤية.

في السنوات الأخيرة توسعت التعاونات التكنولوجية بين السعودية والصين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية والاتصالات والبنى التحتية الرقمية، لكن التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين خاصة في مجال التكنولوجيا وضعت السعودية في موقف صعب. بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تقييد تعاون الدول الحليفة مع الشركات الصينية (مثل هواوي) تحتاج السعودية إلى الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتنفيذ برامجها التنموية.

إذا استمرت هذه الحرب التجارية وتحولت إلى حرب تكنولوجية شاملة فقد تضطر السعودية إلى الاختيار بين شريكيها الرئيسيين؛ وهو اختيار يمكن أن تكون له تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة.[2]

ردًا على هذه الظروف حاول المسؤولون السعوديون اتخاذ نهج متوازن. إذ سعت السعودية مع الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية مع الصين وحتى روسيا في السنوات الأخيرة. وكانت الاجتماعات المشتركة الاقتصادية والعضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، وتوقيع مذكرة تفاهم متعددة مع الشركات الآسيوية جزءًا من هذه السياسة الرامية إلى تحقيق التوازن.

ومع ذلك يعتقد بعض المحللين أن هذا النهج قد يفرض ضغوطًا متضادة على السعودية على المدى الطويل، خاصة إذا توسعت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين من مجالات التجارة إلى المجالات الجيوسياسية.[3]

إن تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لم يزد فقط من عدم الاستقرار في نظام التجارة العالمية، بل سيكون له آثار متسلسلة على الاقتصاديات المعتمدة على صادرات النفط والاستثمارات الأجنبية. فالمملكة العربية السعودية بوصفها دولة ذات اقتصاد يعتمد على النفط والتي تسعى إلى الانتقال نحو اقتصاد متنوع أصبحت معرضة أكثر من أي وقت مضى لهذه المخاطر. إن استمرار التوتر بين القوتين العالميتين يمكن أن يهدد الإيرادات الحالية للسعودية ويضع برامجها طويلة الأمد  وخاصة خطتها لعا2030، في مواجهة تحديات كبيرة.

بالنسبة للسعودية فإن الاختيار بين القوى العالمية أو السعي للحفاظ على التوازن هو قرار صعب ولكنه حيوي، سيترك تأثيرات عميقة على البنية السياسية والاقتصادية لهذا البلد في السنوات القادمة.

 

محمد صالح قرباني