اتفاقية تجارية بعد البريكست وبريطانيا تسعى للإنقاذ
على الرغم من أن صانعي السياسات من الجانبين قد أدركوا إمكانية زيادة الاستثمارات وخلق فرص العمل والتعاون التكنولوجي، فإن المفاوضات لم تخلو من التحديات

إن عقد اتفاقية تجارية شاملة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة يُعتبر نقطة تحول مهمة في المشهد الاقتصادي لما بعد البريكست. ويُمثل هذا النهج محاولة لتعزيز التجارة الثنائية وتقليل الاعتماد على الاتحاد الأوروبي وفرض نفسيهما كفاعلين رئيسيين في الساحة العالمية لكلا البلدين. لكن هذه الخطوة الاستراتيجية لا تتعلق فقط بالوصول إلى الأسواق بل تشمل أيضًا إعادة تعريف توازن القوة الاقتصادية ومعالجة المخاوف العمالية والبيئية واستعداد الساحة لتحولات جديدة في التجارة العالمية.
منذ خروج المملكة المتحدة الرسمي من الاتحاد الأوروبي كانت رؤية "اتفاقية تجارية بعد البريكست" مع الولايات المتحدة مطروحة على الطاولة. وتسعى كلا الحكومتين لضمان اتفاق متبادل المنفعة لا يقتصر على توسيع الفرص بل يضمن أيضًا الاستقرار الاقتصادي.
بالنسبة لبريطانيا تدور هذه الحركة حول إنشاء هوية مستقلة في التجارة الدولية مدعومة باتجاه استراتيجي جديد نحو الولايات المتحدة. بينما ترى الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية مدخلاً إلى أسواق جديدة وتعزيز العلاقات عبر الأطلسي في فترة تُعرف بتغير التحالفات العالمية.[1]
على الرغم من أن صانعي السياسات من الجانبين قد أدركوا إمكانية زيادة الاستثمارات وخلق فرص العمل والتعاون التكنولوجي، فإن المفاوضات لم تخلو من التحديات. وقد أعرب عدد كبير من الطبقات العاملة والنشطاء الاجتماعيين عن مخاوفهم حيال التأثير المحتمل للاتفاق على عدة مجالات مهمة. إحدى القضايا الرئيسية هي تأثير الاتفاق على المعايير البيئية. يجادل النقاد بأن تصاعد التكامل الاقتصادي قد يؤدي إلى تآكل الدعم البيئي. وهناك مخاوف ملحوظة من أن الضغوط الناتجة عن الصناعات الرئيسية والإقتصادية قد تؤدي إلى أمور تنظيمية تُضعف الحماية البيئية.
علاوة على ذلك تشعر جماعات في قطاع الرعاية الصحية بالقلق من أن خفض النفقات قد يتم إعطاؤه الأولوية على حساب الصحة العامة، مما قد يعرض الفئات الضعيفة لانخفاض جودة الخدمات. بالإضافة إلى ذلك تُعتبر حقوق العمال أحد مجالات القلق الجدية. وهناك مخاوف من أن عدم توازن القوة في عملية التفاوض قد يؤدي إلى ضعف الدعم للعمالة مع خلق تنافس في تقليص الأجور وتقييد شروط العمل مما يعزز عدم المساواة الاقتصادية.[2]
إلى جانب ذلك فإن عواقب هذا الاتفاق عالمية وتتفوق بكثير على العلاقات الثنائية. يُنظر إلى هذا الاتفاق من قبل الكثيرين على أنه عامل توازن استراتيجي ضد نفوذ الكتل الاقتصادية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والصين. ومن خلال تعزيز التعاون تُظهر بريطانيا والولايات المتحدة إشارات نحو سوق أكثر بساطة وتعاوناً استراتيجياً مما قد يُحدد معايير جديدة في التجارة الدولية. ومع ذلك يحذر الناقدون من أن هذا التنسيق الجديد قد يُحفز الحماية الاقتصادية التنافسية، مما ستكون له تأثيرات واضحة على الاقتصاديات الناشئة. يُحتمل أن تُستبعَد الدول النامية من الأسواق التنافسية بسبب إعادة تعريف الاتفاق للبنى التحتية للأسعار العالمية وتدفقات التجارة، مما يُعزز بدوره عدم المساواة الاقتصادية على مستوى العالم.[3]
ضف إلى ذلك، تثير عواقب هذا الاتفاق تساؤلات كثيرة حول التوازن بين المصالح الوطنية والمصالح العامة. من جهة تسعى بريطانيا والولايات المتحدة إلى إنشاء إطار عمل يُعزز الاقتصاديات الوطنية ويؤسس لعلاقات سياسية أوثق. ومن جهة أخرى هناك حاجة ماسة لضمان عدم المساس بالتداعيات الاجتماعية والبيئية الأوسع لضمان صفقات اقتصادية مربحة. هذا التحدي قد يسفر عن نقاشات متباينة بين المؤيدين والمعارضين.
في النتيجة، تسعى بريطانيا إلى لعب دور شريك استراتيجي للولايات المتحدة، وتسعى لتحسين موقعها لدى الحكومة الأمريكية من خلال تعزيز التعاون معهما. إن متابعة "الاتفاقية التجارية بعد البريكست" تُعتبر عنصرًا رئيسيًا في هذه الاستراتيجية، التي تهدف إلى تعزيز التبادلات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك تتداخل هذه الطموحات مع مخاوف كبيرة بشأن التأثيرات المحتملة على المعايير البيئية والرعاية الصحية وحقوق العمال، كما دل إلى ذلك النقاش بين الجماعات العمالية والنشطاء الاجتماعيين، إن دور جماعات الضغط الاقتصادية (اللوبيات) من قبل الصناعات المختلفة والشركات متعددة الجنسيات في تشكيل شروط الاتفاق، يجعل العملية أكثر تعقيدًا حيث تسعى هذه الكيانات للحفاظ على مصالحها الخاصة. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الاتفاقية لها عواقب أوسع على العلاقات التجارية العالمية. في النهاية، تتضمن الرؤية الاستراتيجية لبريطانيا تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة في عدة مجالات، ويُعتبر الاتفاق التجاري عمودًا مهمًا في هذه الشراكة المستدامة. وفي الواقع تسعى بريطانيا إلى إعادة تعريف دورها في هيكل النظام الدولي مع التركيز على التفاعل مع الولايات المتحدة.