دعوة الجولاني للعراق وردود الفعل عليها

تخيم على القمة العربية المقبلة في بغداد تطورات كبيرة في المنطقة وأهمها سقوط نظام الرئيس بشارالأسد في دمشق والهيمنة العسكرية والإدارية لهيئة تحرير الشام على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية.

مايو 12, 2025 - 06:22
 40
دعوة الجولاني للعراق وردود الفعل عليها

تخيم على القمة العربية المقبلة في بغداد تطورات كبيرة في المنطقة وأهمها سقوط نظام الرئيس بشارالأسد في دمشق والهيمنة العسكرية والإدارية لهيئة تحرير الشام على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية. وفي هذا السياق أثارت التقارير التي تفيد بأن الحكومة العراقية وجهت دعوة رسمية لأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) للمشاركة في القمة موجة من الجدل السياسي في بغداد.

ويأتي هذا القرار في الوقت الذي تسعى فيه العراق إلى ترسيخ مكانتها كمركز للدبلوماسية الإقليمية ولاعب فاعل في تحديد النظام الجديد في سورية بعد الأسد. لكن هذه الخطوة قوبلت بردود فعل محلية قوية وخاصة من جانب الشيعة العراقيين وفرضت على حكومة محمد شياع السوداني تحدياً مزدوجاً في مجالي الأمن الداخلي والسياسة الخارجية. ومع انهيار حكومة بشار الأسد يكافح زعماء جامعة الدول العربية والدول الإقليمية لتحديد موقفهم من سلطة الحاكم الجديد في دمشق.

وفي هذا السياق اتخذت بغداد التي تستضيف قمة الجامعة العربية هذا العام خطوة أبعد من الموقف التقليدي للحكومات العربية من خلال إرسال دعوة إلى أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام. ومن وجهة نظر المراقبين فإن هذه الخطوة ليست مجرد مناورة دبلوماسية بل هي محاولة لبدء عملية تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة.

وحاول العراق الذي تربطه علاقات قوية بالولايات المتحدة وإيران أن يضع نفسه كوسيط إقليمي. واستضافت البلاد محادثات بين الغريمين الإقليميين إيران والمملكة العربية السعودية قبل أن تتوصلا إلى اتفاق لتطبيع العلاقات. ويرى العديد من الأطراف العراقية والإقليمية أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية تشكل فرصة لتعزيز صورة بغداد كمركز للدبلوماسية الإقليمية. (1)

ولاقت دعوة الجولاني موجة من ردود الفعل القوية من قبل الجماعات الشيعية العراقية. وأدانت التنسيقية الشيعية وحزب الدعوة الإسلامية وقيادات بارزة في قوات الحشد الشعبي هذا الإجراء وحذرت من عواقبه الأمنية والسياسية.
وقع أكثر من 50 نائباً في البرلمان العراقي على عريضة تطالب رئيس مجلس النواب بمنع الجولاني من دخول البلاد. وطالب عدد من النواب أيضا بتدخل القضاء لمنع هذه الرحلة.

وكتب نوري المالكي في بيان رسمي: "على الرغم من أننا نعتبر سقوط نظام بشار الأسد حدثاً معقداً ونتيجة للتوازنات الدولية، فإن الاعتراف بمجموعة ذات خلفية إرهابية ودعوة زعيمها إلى قمة رسمية للجامعة العربية يعد اعتداءً على الذاكرة الجماعية لضحايا الإرهاب في العراق".

وقال أحد ممثلي الشيعة يوسف الكلابي إن السماح للجولاني بدخول العراق كان "خيانة لذكرى العراقيين الذين عانوا من الإرهاب".

أصبح أحمد حسين الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني أحد أبرز الشخصيات في تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وشارك في العديد من الهجمات والتفجيرات في العراق والتي أسفرت عن مقتل العديد من العراقيين في البلاد.

كما هددت بعض الشخصيات الأمنية باتخاذ إجراءات استباقية للحفاظ على أمن العراق في حال دخول الجولاني إلى الأراضي العراقية. وكشفت مصادر أمنية أن قضية اعتقال الجولاني لا تزال نشطة في القضاء العراقي رغم أن الحكومة المركزية تحاول منع تنفيذها متذرعة بـ"الحصانة الدبلوماسية للقمة". (2)

تختلف الآراء حول هذه القضية بين الفئات العمرية بشكل أكبر. البعض مثل السياسي السابق مشعان الجبوري أيد قدوم الشرع. لقد قللوا من أهمية ماضيه وقدموا مشاركته كضرورة دبلوماسية. ويرى الجبوري وآخرون أن العراق ينبغي أن يعطي الأولوية لمصالحه الإقليمية بما في ذلك العلاقات مع سورية وألا يسمح للمظالم التاريخية بأن تطغى على الحقائق السياسية الحالية.

من ناحية أخرى رفض زعماء مثل الشيخ مزاحم الحويت وهو زعيم عشيرة سنية من نينوى سفر الشرع رفضاً قاطعاً. ورغم تأييد الحويت للتعاون التجاري والأمني مع سورية فإنه أدان الشرع ووصفه بأنه شخصية مرتبطة بماضي العراق العنيف. وتستند معارضة إلى السجل الشخصي للشرع والتداعيات الأوسع نطاقاً لاستضافة شخصية متورطة في إراقة دماء الأبرياء والصراعات الطائفية في العراق. ويقول:

"نرفض زيارة الجولاني للعراق لأن يديه ملطختان بدماء العراقيين وهو نفسه اعترف صراحة بأنه بعد إطلاق سراحه شارك في عمليات في العراق لأنه كان مسجوناً في السجون الأمريكية عام 2005 وكان محتجزاً هناك معي... والشرع لديه مذكرة توقيف بموجب المادة الرابعة من قانون الإرهاب صادرة عن القضاء العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب لذلك نرفض مشاركته".
وفيما يتعلق بالسنة الذين يرحبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في العراق يقول الحويت:
"إن الذين يستقبلونه سواء كانوا زعماء أو شيوخ عشائر هم أتباع ساحات الذل والهوان ولا يمثلون الطائفة السنية بل يمثلون أنفسهم فقط". (3)

ورغم ردود الفعل الداخلية القوية فإن الحكومة السوداني لم تؤكد أو تنفي رسميا حتى الآن مشاركة الجولاني. وتقول مصادر مطلعة إن مكتب رئيس الوزراء يدرس سيناريوهات مختلفة لإدارة هذه القضية. وأحد الخيارات هو أن يشارك عن بعد عبر مؤتمر الفيديو.

وبشكل عام ينبغي النظر إلى دعوة الجولاني إلى قمة بغداد باعتبارها محاولة جريئة للتعامل مع النظام الجديد في سورية ولكنها مكلفة على المستوى المحلي. وإذا حضر الجولاني القمة فستكون هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها زعيم جماعة إسلامية ذات خلفية مسلحة وغير حكومية علناً في اجتماع عربي رسمي.

وقد يشكل هذا الحدث بداية عهد جديد في السياسة الإقليمية؛ إننا نعيش في عصر يتم فيه إعادة تعريف الحدود بين الدولة وغير الدولة، ويجب على الجهات الفاعلة مثل العراق أن توازن بين الواقعية الجيوسياسية والحساسيات المحلية.
وبغض النظر عما إذا كان الجولاني سيسافر إلى بغداد أم لا فإن دعوته خلقت بالفعل انقساماً سياسياً كبيراً في العراق. إن القرار بشأن دعوة الجولاني قد لا يؤثر على علاقات العراق مع سورية فحسب بل قد يشكل أيضا المسار الدبلوماسي المستقبلي للبلاد في منطقة تتسم بالتوتر وتغير الولاءات.

محمد صالح قرباني

1-   https://english.ahram.org.eg/News/545125.aspx
2-  https://amwaj.media/fa/media-monitor/syria-s-sharaa-faces-calls-for-his-arrest-after-iraqi-invitation-to-arab-summit
3-  https://thecradle.co/articles-id/30427