نتنياهو من الاقتدار إلى الانهيار، إسرائيل إلى أي مسار ؟

لقد دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إسرائيل نحو هاوية خطيرة بسياساته الأنانية المتعلقة بمصالحه الذاتية. إن قراراته التي تشكلت في كثير من الأحيان بدوافع شخصية وسياسية لم تؤد إلى عزلة إسرائيل الدولية فحسب، بل أدت أيضاً إلى تقويض الاستقرار الداخلي للكيان بشكل خطير.

مايو 12, 2025 - 07:08
 43
نتنياهو من الاقتدار إلى الانهيار، إسرائيل إلى أي مسار ؟

لقد دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إسرائيل نحو هاوية خطيرة بسياساته الأنانية المتعلقة بمصالحه الذاتية. إن قراراته التي تشكلت في كثير من الأحيان بدوافع شخصية وسياسية لم تؤد إلى عزلة إسرائيل الدولية فحسب، بل أدت أيضاً إلى تقويض الاستقرار الداخلي للكيان بشكل خطير. إن المواجهات المستمرة في غزة وتصاعد التوترات مع فصائل المقاومة هي نتيجة مباشرة لسياسات نتنياهو العدوانية التي تسعى إلى إظهار القوة دون النظر إلى العواقب على المدى الطويل.

مع إعطاء الأولوية للحفاظ على سلطته واسترضاء الأحزاب المتطرفة، دفع نتنياهو بإصلاحات قضائية مثيرة للجدل خلقت انقسامًا عميقًا في المجتمع الإسرائيلي.  يعيش النظام الصهيوني اليوم وضعاً يعتبره الخبراء والمحللون الأجانب وحتى الصهاينة من أكثر الفترات حساسية وخطورة التي يواجهها النظام منذ 77 عاماً. لقد أدت الأزمة السياسية إلى تدهور الأوضاع الداخلية للنظام الصهيوني إلى درجة أن الخبراء الناطقين بالعبرية يحذرون من انهيار النظام وسقوطه وهي المشكلة التي يعتبرون أن السبب الرئيسي لها هو بنيامين نتنياهو وجشعه اللامحدود للسلطة بأي ثمن.

إن عودة نتنياهو إلى السلطة في عام 2022 فتحت الباب أمام النظام الإسرائيلي لعصر جديد من التطورات الداخلية والخارجية. وعلى الصعيد الداخلي كانت نتيجة عودة نتنياهو وصول الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ هذا النظام الزائف إلى السلطة. 

تشكل قضايا نتنياهو القانونية ومحاكمته واحدة من أهم الأحداث القانونية والسياسية في النظام الصهيوني، والتي تستمر في المحكمة منذ عام 2020 حيث يُتهم فيها بنيامين نتنياهو بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. (3)

قدم بنيامين نتنياهو وبعض أعضاء حكومته الذين ما زالوا عالقين في قضاياهم القانونية ويتعرضون لضغوط من الجهاز القضائي للنظام بعد عودتهم إلى السلطة في عام 2022، خطة بعنوان "الإصلاحات القضائية" حتى يتمكنوا من إنهاء قضاياهم القانونية وتبرئة أنفسهم من خلال المسار القانوني. ولقد قوبلت هذه الخطة بمقاومة عنيدة من جانب المعارضة لحكومة نتنياهو، مما أدى إلى انطلاق مظاهرات واسعة النطاق ومتماسكة من جانب المؤسسات والمنظمات المعارضة لنتنياهو في كافة الأراضي المحتلة. ووصفت حركة المعارضة هذه الخطة بأنها "انقلاب قانوني". (1)

وتصاعدت الأزمة إلى درجة أن وزير الخارجية الأميركي آنذاك أنتوني بلينكن أعرب عن قلقه إزاء الضرر الذي قد تلحقه هذه الإصلاحات بالمؤسسات الديمقراطية للنظام، مشيرا إلى أنه سيكون من الصعب دعم إسرائيل إذا تضررت القيم الديمقراطية. (2)

ولكن لم تنتهي القصة هنا عن عواقب عودة نتنياهو إلى السلطة. فقد كان من أهم نتائج وصول حكومة نتنياهو المتطرفة والمتشددة إلى السلطة هي خلق التوترات والانقسامات الداخلية في النظام الصهيوني وإضعاف البنية العسكرية والأمنية وتوجه التركيز الصهيوني نحو الصراعات الداخلية، وهي القضايا التي أدت إلى أصعب وأفظع وأكبر هزيمة أمنية وعسكرية للنظام الصهيوني في السابع من أكتوبر.

بنيامين نتنياهو الذي تعرض لضغوط شديدة وواسعة النطاق بسبب سياساته المسببة للأزمات، وتعرض لهجمات شديدة من قبل معارضيه بسبب التوترات الداخلية التي خلقها بين الصهاينة لمصالحه الشخصية، أصبح رئيس الوزراء الأكثر شهرة في تاريخ هذا النظام مع هجوم المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر والهزيمة الكارثية أمام أعين العالم، ووصلت الصراعات الداخلية إلى نقطة اللاعودة.

ولكن هذه لم تكن نهاية مشاكل نتنياهو. في حين كانت الخلافات والصراعات الداخلية بين الصهاينة تزداد حدة يوما بعد يوم، فإن الكشف عن قضية مثيرة للجدل خلق موجة من المفاجأة والازدراء في الأراضي المحتلة. وبحسب المعلومات فإن عددا من أعضاء مكتب رئيس الوزراء المقربين أيضا من نتنياهو أقاموا علاقات سرية مع الحكومة القطرية وتلقوا أموالا مقابل تنفيذ الإجراءات المطلوبة لصالح الدوحة. ومن الممكن أيضاً أن تكون معلومات سرية من داخل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قد وصلت إلى مسؤولين قطريين. (4)

لقد وصلت الصراعات الحادة وغير المسبوقة داخل النظام الصهيوني، والتي تركزت حول القضايا المذكورة أعلاه إلى حد أن المجتمع الصهيوني اليوم أصبح عمليا قسمين منفصلين، وأخذ اليساريون في الاصطفاف ضد اليمين وهو اصطفاف ينذر بحرب أهلية بين الصهاينة كما حدث في الحكومتين اليهوديتين الأولى والثانية في أراضي فلسطين وكانت النتيجة تدمير الحكومة اليهودية للحكومات التي لم تعش حتى ترى الذكرى الثمانين لتأسيسها. 

أزمة قيادة نتنياهو و إسرائيل في خطر العزلة والانهيار
خلال العامين والنصف الماضيين من حكم نتنياهو، واجهت الكتل الحاكمة للنظام، وخاصة الحكومة والكنيست (البرلمان)، تراجعاً حاداً في الشرعية بسبب السياسات والأزمات المثيرة للجدل المذكورة أعلاه. إن عصيان نتنياهو لأحكام المحكمة العليا كرفضه قبول حكم المحكمة العليا بشأن إقالة رئيس الشاباك، و إهماله العديد من المصالح العليا لتحقيق مكاسب شخصية، مثل محاولته تمرير قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية أدى إلى تراجع مستوى الثقة والشرعية لهذه المؤسسات بين الصهاينة.

كما أن أجهزة الأمن الإسرائيلية وخاصة الجيش والشاباك والموساد، التي كانت تعتبر في السابق الركائز الأساسية للنظام ورموز وحدته تواجه هي الأخرى أزمة شرعية. إن إصرار بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب وعدم تحقيق النظام لأي إنجازات في غزة بعد نحو عامين من القتال، أدى إلى فقدان المستوطنين والصهاينة المزيد والمزيد من الثقة في البنية الأمنية والعسكرية للنظام. واليوم نشهد عصياناً واسع النطاق بين قوات الاحتياط في جيش النظام الصهيوني، وهي قوات تعتقد أن الحرب في غزة لن يكون لها أي هدف أو إنجاز وأن السبب الوحيد لاستمرار هذه الحرب هو المصالح الشخصية لبنيامين نتنياهو.

وقد تسببت القضايا المذكورة أعلاه في زيادة الضغط داخل النظام على نتنياهو وحكومته المتطرفة، ويستخدم بنيامين نتنياهو وحاشيته كل قوتهم ضد المعارضة من أجل منع سقوطه وخسارته للسلطة بحيث لا تنتهي الصراعات الداخلية فحسب، بل تستمر أيضًا على مستوى أكثر خطورة على مستقبل النظام. ويحذر الخبراء والمحللون الصهاينة من أن استمرار هذا الوضع من قبل حكومة نتنياهو لا يهدد مصالح هذا النظام فحسب، بل يشكل تهديدا خطيرا لبقاء إسرائيل في المستقبل مما قد يؤدي إلى حرب أهلية وانهيارها القريب.

لا ينبغي أن ننسى أن وضع النظام الصهيوني على الصعيد الخارجي صعب كما هو الحال في الصراعات الداخلية، لأنه بسبب الحرب الوحشية التي يقودها نتنياهو في غزة و قُتل مئات الآلاف من الأبرياء وأصبحت غزة خراباً، وهي قضية أدت إلى موجة من الغضب والكراهية العميقة تجاه الصهاينة، والحكومات في جميع أنحاء العالم حتى الحكومات المتحالفة مع إسرائيل التي كانت تحاول غض الطرف عن الإبادة الجماعية في غزة تحتج اليوم على الإجراءات الصهيونية في غزة وتدين الإبادة الجماعية التي ارتكبها النظام في المحافل الدولية.(5)

إن سياسات نتنياهو تجاه الفلسطينيين لم تؤدي إلى توقف محادثات السلام فحسب، بل أثارت غضب المجتمع الدولي أيضاً. وقد أدى هذا النهج إلى تقليص الدعم من الدول الرئيسية وزيادة خطر فرض العقوبات الاقتصادية. ويواجه الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعاني بالفعل من الحروب المستمرة تحديات أعظم الآن.

إن العوامل المذكورة أعلاه دفعت النظام الصهيوني بقيادة نتنياهو الذي يقاتل فقط من أجل بقائه، إلى مواصلة تنفيذ أفعاله وخططه دون النظر إلى المصالح العامة للنظام الصهيوني، بغض النظر عن العواقب المحتملة وهي الكارثة التي ستكون وفقا لمسؤولين في المعارضة مدمرة في مرحلتها النهائية. 

إلياس مهدوي

1- https://www.inn.co.il/news/588329
2- https://www.ynet.co.il/news/article/h1dlxyhni
3- B2n.ir/xy7978
4- https://www.mako.co.il/news-politics/2025_q1/Article-49c35cdc12ce591026.htm
5- https://www.mashreghnews.ir/news/1428390