تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية

شبه الجزيرة الكورية تتوضع في شرق آسيا، هي إحدى المناطق التي تشهد صراعاً وتوتراً عبر تاريخها منذ نحو 70 عاماً ، حيث كانت موحدة بشكل متكامل قديماً وقسمتها سياسات وقوى من خارج المنطقة، وقد تشكل البلدان كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية من هذه التدخلات التي أدت إلى انقسام شبه الجزيرة الكورية إلى كوريتين .

في السنوات الأخيرة، كانت هناك توترات عرضية في هذه المنطقة، ولكن مع وصول نجل الزعيم الكوري الشمالي السابق إلى السلطة في هذا البلد، كان من المأمول أنه مع حل النزاع بين الكوريتين، سنرى خفض التوترات وبدء العملية السلمية في هذه المنطقة، ومع تزايد تلك الصراعات في الجبهتين الغربية والشرقية، تم تهميش هذا المشروع.

ولدى كوريا الشمالية، التي تمتلك قنبلة ذرية، قوة الردع المطلقة، وقد قامت كوريا الجنوبية بتأمين نفسها من خلال إقامة رابط استراتيجي مع الولايات المتحدة (1). كما يتدخل جيران البلدين في السياسات الحالية لتلك الدول من خلال العلاقات التي أقاموها مع هذين البلدين:

روسيا؛ بسبب عملية التآكل التي شهدتها الحرب بين أوكرانيا وروسيا، تتطلع الحكومة الروسية، من خلال اقترابها من كوريا الشمالية، إلى توريد معدات حربية من كوريا الشمالية، والتي يمكنها سد الثغرات الموجودة في القوات المسلحة لبلادها بسعر رخيص(2)، و وكذلك بيونج يانج إلى جانبها في الحرب. وإذا فعلت أوكرانيا ذلك، فإن كوريا الشمالية ستستورد أيضًا ضرورياتها من موسكو بهذا الإجراء، والتي تزودها بصعوبة كبيرة بسبب حالة العقوبات، والنتيجة غير المباشرة لدعم كوريا الشمالية لحرب روسيا هي التصعيد والتوتر مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، لأن كل من يزود احتياجات أعداء الولايات المتحدة سيدرج على القائمة السوداء للأعمال العدائية لواشنطن.

الصين؛ في السنوات الماضية، كانت هذه الدولة المورد الرئيسي لاحتياجات كوريا الشمالية، وعمليا تسترشد الصين بجميع السياسات الرئيسية لكوريا الشمالية. إن نفوذ بكين في كوريا الشمالية مرتفع للغاية لدرجة أنها تسيطر أيضًا على السياسات الرئيسية للبلاد في الحرب والسلام(3). ليس من قبيل الصدفة أنه مع التوترات العالمية التي شهدناها في مناطق جغرافية مختلفة في المائة يوم الماضية، تسعى الصين أيضًا إلى فتح جبهة جديدة ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية. ومن خلال استفزاز كوريا الشمالية حلفاء الولايات المتحدة، صرفت أنظار هذه الدولة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأنهى الحليف الرئيسي للصين (روسيا) هذه الحرب لصالحه.

اليابان؛ لقد ظلت لفترة طويلة تواجه مشاكل مع كوريا الشمالية بشأن سياساتها الأساسية، وفي الأعوام الأخيرة، وفي ظل المناورات العسكرية بين البلدين، ارتفع مستوى التوتر في العلاقات بين هاتين الحكومتين.(4) وفي شرق آسيا، كما زادت اليابان ميزانيتها العسكرية بشكل كبير. ولذلك، وتماشيا مع استراتيجية الأمن القومي الجديدة، تعتزم الحكومة اليابانية زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027. ومن ثم فإن اليابان بتبنيها هذا النهج تقترب من النمط الذي وضعه حلف شمال الأطلسي في مجال الإنفاق الدفاعي. إن العلاقة بين كوريا الجنوبية واليابان باعتبارهما الحليفين الرئيسيين للولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا ضد الصين وكوريا الشمالية قد شكلت جبهة هذه المنطقة. وفي الأيام الأخيرة، أثارت كوريا الشمالية اهتمام اليابان وكوريا الجنوبية بالحصول على أسلحة أكثر قوة من خلال الكشف عن أسلحة نووية جديدة.

وبشكل عام، ينبغي القول إن اتجاه التوترات في منطقة شرق آسيا يعتبر خطيرا. تواجه حكومتا كوريا الشمالية والجنوبية تدخلات سياسية من جيرانهما وقوى من خارج المنطقة، ولديهما فهم مختلف للأمن القومي، الأمر الذي أدى إلى الخلافات. وبالإضافة إلى الفهم المختلف للمصالح الوطنية بين البلدين، فإن التاريخ المشترك لشبه الجزيرة الكورية كان سبباً أيضاً في تفاقم الخلافات بين البلدين. لقد تحولت شبه الجزيرة الكورية إلى منطقة عازلة بين القوى الشرقية والغربية، والتي قد تشهد حرباً أهلية في المستقبل، تبعاً للأحداث الدولية التي تخطط لها الجبهتان الشرقية والغربية.

 امیرعلی یگانه

 1. https://www.icanw.org/nuclear_tensions_rise_on_korean_peninsula

2. https://www.nytimes.com/2022/09/05/us/politics/russia-north-korea-artillery.html

3. https://www.aljazeera.com/news/2023/9/13/china-key-to-preventing-possible-russia-north-korea-arms-deal-expert-says

4. https://news.usni.org/2024/01/15/north-korea-ballistic-missile-launch-condemned-by-south-korea-japan