أنقرة تبحث عن مخارج سياسية واقتصادية لأزماتها عبر البوابة الخليجية

علاقات تركيا مع دول المنطقة العربية لطالما اتسمت بالمد والجزر منذ عقود طويلة وفقا لأهواء أنقرة ومصالحها. 

مارس 26, 2024 - 07:09
أنقرة تبحث عن مخارج سياسية واقتصادية لأزماتها عبر البوابة الخليجية
أنقرة تبحث عن مخارج سياسية واقتصادية لأزماتها عبر البوابة الخليجية

علاقات تركيا مع دول المنطقة العربية لطالما اتسمت بالمد والجزر منذ عقود طويلة وفقا لأهواء أنقرة ومصالحها. 

فبعد فترة انقطاع دامت لما يقارب 13 عاماً، شهدت العلاقات الاقتصادية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي عودة قوية، حيث تم استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين حيث أبرمت دول الخليج الفارسي وتركيا اتفاقية لبدء مفاوضات التجارة الحرة في خطوة تؤكد عزم دول المنطقة لبلوغ التكامل الاقتصادي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع شركاء يدفعون باقتصادهم نحو مراحل أكثر تطورا.

فمن جهة تسعى أنقرة إلى بناء أسس وثيقة مع بلدان المنطقة بعد توقفها لسنوات نتيجة تردّي العلاقات، في سياق محاولات تنشيط اقتصادها، الذي بدت عليه علامات تشوه جراء السياسات غير التقليدية أملا في إعادة ضبط المؤشرات. كما أن تركيا الآن أكثر حرصًا على توسيع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة الثنائية الخاصة بها لتصبح اتفاقية متعددة الأطراف مع دول مجلس التعاون الخليجي.

علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أن الزلازل في شباط 2023 كلفت تركيا 104 مليار دولار من الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والخسائر الاقتصادية - ما يعادل 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - لذلك تحتاج تركيا إلى تنويع وتعميق شراكاتها التجارية للتعافي بسرعة.

ومن جهة ثانية تتطلع حكومات الخليج الفارسي إلى الانتقال بأقصى سرعة في عملية التحول الاقتصادي خاصة مع الظروف والمتغيرات العالمية التي تتطلب عقد شراكات طويلة المدى مع اقتناص أكثر ما يمكن من الفرص لتعظيم المبادلات التجارية وزيادة الانفتاح الاستثماري.

وتعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها هذا العام التي يوقعها مجلس التعاون الخليجي بعد الصفقتين اللتين وقعهما مع كل من كوريا الجنوبية وباكستان خلال العام 2023، في إطار تعزيز علاقات الاستثمار والتجارة مع الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين في آسيا.

وجرى التوقيع على الإعلان المشترك في العاصمة أنقرة، بين الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، ووزير التجارة التركي عمر بولات الذي وصف هذه الخطوة بـ”التاريخية”.

وقال جاسم البديوي إن توقيع البيان المشترك لبدء مفاوضات التجارة الحرة بين المجلس وتركيا “دلالة على قوة الشراكة الإستراتيجية والعميقة بين دول مجلس التعاون وجمهورية تركيا”.

 وأضاف “كما إنه دلالة على ما حققته دول المجلس من مكانة إقليمية ودولية على كافة الأصعدة ومنها المكانة التجارية والاقتصادية والمالية”.

وأشار البديوي إلى أن الاتفاقية تؤكد على الأهمية الحيوية للتعاون الوثيق بين تركيا ودول الخليج لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، بالإضافة إلى تطلعهما المستمر إلى توسيع التجارة والاستثمار وتحقيق التعاون على كافة الأصعدة.

فيما أكد بولات في كلمة خلال حفل التوقيع، أنه عند اكتمال المفاوضات بشأن الاتفاقية، ستظهر الفرصة لتطوير وتنويع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين ضمن إطار أكثر شمولا.

وشدد على أن الهدف هو تقديم مساهمة جدية لرفاهية تركيا ودول الخليج مع استكمال عملية التفاوض ودخول اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين حيز التنفيذ.

وتوفر اتفاقيات التجارة الحرة لبنات قوية لضمان وجود أسواق قوية وكبيرة للسلع والخدمات مع إعفاءات جمركية توفرها دول الخليج الفارسي مع الانفتاح الكبير الذي تبحث عنه في العديد من الأسواق والتكتلات مثل مجموعة آسيان.

ومع تحسن العلاقات، تريد دول المنطقة التعاون مع أنقرة للمساعدة في تطوير الصناعات المحلية ونقل التكنولوجيا في إطار مساعيها الطموحة لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط.

وبالنسبة إلى تركيا فإنها تنظر الآن بشكل مختلف إلى منطقة الخليج الفارسي، وذلك في أعقاب عودة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من الجفاء بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان المناقضة لمواقف بعض دول المنطقة وفي مقدمتها الإمارات والسعودية والبحرين.

حيث قامت تركيا خلال السنوات الماضية بعلاقات سياسية واقتصادية واستثمارية وتجارية قوية مع قطر، فيما تركت حبل التوازن مع كل من الكويت وسلطنة عمان.

وبعد سنوات من التوتر أطلقت تركيا حملة دبلوماسية لإصلاح العلاقات مع دول الخليج الفارسي، وتحديدا مع الإمارات والسعودية، ووقعت منذ ذلك الحين صفقات بمليارات الدولارات، ومن بينها قطر.

يبدو أن تركيا ترى في عقد اتفاقيات اقتصادية جديدة مخرجا لها في خفض التضخم الذي وصلت إليه العملة المحلية فيما يرى اقتصاديون أنها مرتبطة بمشاكل كبيرة، ولا تتعلق فقط بالتجارة، بل ترتبط بأسباب سياسية.

وهناك توقع بعدم استمرار المفاوضات لوقت طويل في ظل حاجة تركيا لدعم اقتصادها والخروج من الأزمة الحالية التي تعاني منها، مع الاشارة في الوقت ذاته إلى "اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين تركيا وبريطانيا في نهاية 2020 والتي يجري العمل على تحديثها".

أي شراكة اقتصادية جديدة تعتمد على وجود احتياجات متبادلة بين الطرفين حيث ترى دول الخليج الفارسي في تركيا سبيلا في تطوير الصناعات المحلية ونقل التكنولوجيا في جهودها الطموحة لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط.

فيما يعد التقارب التركي مع دول الخليج الفارسي جزءاً من مسار أكبر يتعلق بتحول مهم في السياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة، حيث تدفع عدة عوامل داخلية وخارجية أنقرة نحو تدوير زوايا خلافها مع عدد من القوى الإقليمية وفتح قنوات الحوار معها.

 وأثبتت الشهور الفائتة جدية تركيا فيما يتعلق برغبتها في تحسين علاقاتها مع مختلف القوى في المنطقة، ولا سيما دول الخليج الفارسي، وتحديداً الإمارات والسعودية، وتبدي ذلك في التصريحات واللقاءات السياسية والاقتصادية المختلفة.

كما أن تركيا بدأت مؤخراً بإعادة سياساتها تجاه الخليج الفارسي بشكلٍ كبير، حيث ترى أنه لا يمكن الاستغناء أو التفكير أن يكون هناك خصومة بينها وبين مجلس التعاون الخليجي؛ لما لها أهمية كبيرة في المنطقة.

 مجد عيسى

 

المصادر:

 

1- https://cuts.top/CYkI

2- https://cuts.top/B9fB

3- https://cuts.top/CYlX