فرنسا على سكة الانهيار

منذ بداية شهر مايو 2025  دخلت شبكة السكك الحديدية الفرنسية في سلسلة من الإضرابات واسعة النطاق التي قام بها موظفو شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية (SNCF) احتجاجًا على إصلاحات الحكومة وظروف العمل السيئة. أدت الإضرابات التي شهدتها البلاد وشارك فيها سائقو القطارات والفنيون وموظفو المحطات إلى شلل أجزاء من وسائل النقل العام وتفاقم أزمة اجتماعية عميقة في البلاد.

مايو 17, 2025 - 03:30
 32
فرنسا على سكة الانهيار
فرنسا على سكة الانهيار

منذ بداية شهر مايو 2025  دخلت شبكة السكك الحديدية الفرنسية في سلسلة من الإضرابات واسعة النطاق التي قام بها موظفو شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية (SNCF) احتجاجًا على إصلاحات الحكومة وظروف العمل السيئة. أدت الإضرابات التي شهدتها البلاد وشارك فيها سائقو القطارات والفنيون وموظفو المحطات إلى شلل أجزاء من وسائل النقل العام وتفاقم أزمة اجتماعية عميقة في البلاد. وقد رافقت هذه الاحتجاجات عواقب نفسية وخيمة على العمال، وجاءت المطالب بزيادة الأجور وتقليص ساعات العمل وتوفير الأمن الوظيفي المناسب، كما خلقت حالة واسعة النطاق من الاستياء تجاه إدارة الحكومة وشركة السكك الحديدية. وفي الوقت نفسه ساهم دعم بعض النقابات والدور البارز للمنظمات العمالية في استمرار الإضرابات، مما وضع فرنسا أمام تحديات مختلفة على الصعيدين البنيوي والاقتصادي. سبب هذه الاضطرابات هو الإصلاحات التي اقترحتها الحكومة والتي تعد عملاً ضد سبل عيش العمال وكرامتهم. وتهدف هذه التغييرات إلى تحديث منظومة السكك الحديدية ومعالجة عجزها المالي.

بالإضافة إلى ذلك هناك استياء من زيادة ساعات العمل وأنماط العمل غير المنتظمة مما يؤدي بشكل كبير إلى التعب البدني والضغط النفسي. كما أصبحت المخاوف والقلق بشأن الأمن الوظيفي أمراً شائعاً، كما أن التهديد المتمثل في الاستعانة بمصادر خارجية إلى جانب متطلبات التحرير من جانب الاتحاد الأوروبي، أثار المخاوف بشأن استقرار الوظائف في المستقبل.

وقد أدت هذه المظالم إلى إضراب عام أدى إلى تعطيل الحياة اليومية في جميع أنحاء فرنسا. توقف سائقو القطارات والفنيون وموظفو المحطات عن العمل بشكل جماعي، مما أدى إلى إلغاءات واسعة النطاق وتخفيضات كبيرة في الخدمات. وفي مراكز المدن الكبرى مثل إيل دو فرانس، كان التأثير على خطوط RER أكبر مما أجبر ملايين الركاب على البحث عن وسائل نقل بديلة وأكثر تكلفة في كثير من الأحيان. وقد امتدت التأثيرات المتتالية لهذا الشلل إلى الاقتصاد أيضًا مما أدى إلى تعطيل خدمات الشحن وسلاسل التوريد.(1)

علاوة على ذلك فإن الضغوط النفسية التي يتعرض لها عمال النقل تشكل قضية مهمة لا تحظى بالاهتمام الكافي. أظهرت الدراسات وجود علاقة قوية بين المتطلبات النفسية العالية وانخفاض السيطرة على جداول العمل، وساعات العمل غير المنتظمة مع ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق بين عمال النقل. لقد أدت أحداث مثل الإغلاقات الطارئة أو حوادث الركاب إلى انخفاض الرضا الوظيفي وأدت إلى مرحلة طويلة من الإرهاق. وقد أدى عدم كفاية فرص الحصول على الدعم الاجتماعي والرعاية الصحية إلى تفاقم شعور العمال بعدم الأمان والعزلة. 

ومع ذلك أعربت الحكومة الفرنسية عن قلقها البالغ إزاء الأزمة الاجتماعية المستمرة وعجزها عن حل النزاع بسرعة. وسلط وزير النقل باتريس فيريجريت الضوء على التكلفة المالية الكبيرة لكل يوم من أيام الإضراب، وقدر خسارة قدرها 10 ملايين يورو في استثمارات السكك الحديدية المخطط لها، مما يعرض مشاريع التحديث المهمة وأهداف النقل الصديقة للمناخ للخطر. ويعترف المسؤولون الحكوميون بأن الفشل المتكرر في التوصل إلى اتفاق مع النقابات يهدد بحدوث جمود طويل الأمد ومن شأنه أن يقوض الخطة الاقتصادية الأوسع نطاقا لعام 2025، بما في ذلك الأهداف المالية والبيئية الرئيسية. وتكشف هذه الأزمة عن كفاح الحكومة لتحقيق التوازن بين الإصلاحات الضرورية والحفاظ على السلم الاجتماعي وضمان عمل الخدمات العامة الحيوية.(2)

حظيت الإضرابات بتغطية إعلامية واسعة النطاق في جميع أنحاء فرنسا، حيث قدمت الصحف الوطنية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة تقارير مفصلة عن الاحتجاجات وشهادات العمال والمفاوضات النقابية. وفي واقع الأمر أدى هذا الاهتمام الإعلامي إلى وضع أصوات العمال المضربين ومظالمهم في مركز الخطاب العام. إن الدور الذي تلعبه منظمات العمال في تنظيم الإضرابات واستدامتها أمر بالغ الأهمية، إذ يبرهن على قدرتها الكبيرة على التعبئة. ورغم أن النقابات لم تشارك جميعها بشكل مباشر في الإضرابات فإن التأييد العلني لدعوات "المفاوضات العادلة" من جانب منظمات مثل CFDT وUNSA  يمثل لحظة مهمة من التضامن العمالي بين نقابات النقل المختلفة مما يعزز مواقف العمال في المفاوضات. (3)

وقد أثر الصراع الطويل الأمد أيضًا على ثقة الجمهور في إدارة شركة SNCF وقدرة الحكومة على إدارة الأزمات بشكل فعال. وقد أدى اضطراب الحياة اليومية، إلى جانب العبء المالي على المسافرين إلى الإحباط والتساؤلات حول قدرة الحكومة على ضمان الخدمات الأساسية. وقد أدى هذا التأخير في حل الأزمة إلى قلة الثقة في الحكومة وقد يشكل مشكلة للتضامن الاجتماعي. بالنسبة للشركات الصغيرة وقطاع السياحة أدت الإضرابات إلى إلغاء الحجوزات وفقدان الإيرادات، مما أضاف طبقة أخرى إلى التداعيات الاقتصادية الأوسع.

ونتيجة لهذا فإن الإضرابات الأخيرة في قطاع السكك الحديدية الفرنسية تمثل تضافراً للسخط الاقتصادي والنفسي والسياسي الذي تطور إلى أزمة اجتماعية كبيرة. وقد كشفت الاحتجاجات النقابية المستمرة عن فجوات عميقة في استراتيجيات إصلاح القطاع العام مشيرة إلى ارتفاع معدل دوران الوظائف وتآكل القوى العاملة مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي في المستقبل. كما أن مشاكل البنية الأساسية الناجمة عن الإضرابات إلى جانب تراجع ثقة الجمهور وجهود الحكومة لإيجاد حلول جعلت فرنسا تواجه تحدياً شاملاً. وتهدد هذه المواجهة المستمرة بتوسيع الانقسامات الطبقية وتأجيج المزيد من الاضطرابات وتعرض النسيج الاجتماعي لخطر التفكك وهو الذي يدعم الشرايين الحيوية لقطاع النقل في البلاد .


امين مهدوي

1- https://www.reuters.com/world/europe/social-unrest-over-spiralling-living-costs-spreads-frances-railways-2022-07-0
2- https://www.lemonde.fr/economie/article/2025/05/05/greve-sncf-le-trafic-restera-perturbe-mardi-sur-les-trains-de-banlieue-en-ile-de-france_6603156_3235
3- https://www.france24.com/fr/info-en-continu/20250509-sncf-la-gr%C3%A8ve-des-chefs-de-bord-perturbe-peu-le-trafic-tgv