تركيا تسعى إلى التوازن في القوى الدفاعية

يشكل قرار تركيا بشراء طائرات يوروفايتر تايفون المقاتلة من الاتحاد الأوروبي (الذي يضم بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا) علامة فارقة ومهمة في الاستراتيجية الدفاعية في البلاد. ويأتي هذا الإجراء في إطار الطموحات الجيوسياسية والمشهد الأمني المتطور في المنطقة وخارجها.

مايو 12, 2025 - 06:39
 43
تركيا تسعى إلى التوازن في القوى الدفاعية

يشكل قرار تركيا بشراء طائرات يوروفايتر تايفون المقاتلة من الاتحاد الأوروبي (الذي يضم بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا) علامة فارقة ومهمة في الاستراتيجية الدفاعية في البلاد. ويأتي هذا الإجراء في إطار الطموحات الجيوسياسية والمشهد الأمني المتطور في المنطقة وخارجها. ولقد كانت هناك عدة عوامل رئيسية لهذه الخطوة الضرورية كاستبعاد تركيا من برنامج مقاتلات إف-35 والحاجة الملحة لتحديث أسطولها الجوي القديم. ويعكس شراء طائرات يوروفايتر أيضًا الأهداف الاستراتيجية الأوسع لتركيا المتمثلة في تقليل اعتمادها على الموردين العسكريين التقليديين والحفاظ على توازن القوى في منطقة البحر الأبيض المتوسط المتقلبة وتعزيز مكانتها الاستراتيجية في النظام الدولي.

وبالإضافة إلى تنويع موارد الدفاع وتحقيق الاكتفاء الذاتي فإن السعي إلى شراء طائرة يوروفايتر يؤكد أيضاً على الهدف الاستراتيجي لتركيا المتمثل في تنويع موارد الدفاع وتقليص اعتمادها التاريخي على الولايات المتحدة كمورد رئيسي للمعدات العسكرية. ويأتي التعاون مع الاتحاد الأوروبي من أجل طائرات يوروفايتر متوافقاً مع هذه الاستراتيجية، ومن شأنه أن يمهد الطريق لنقل التكنولوجيا وفرص الإنتاج المشترك. ويكمل هذا جهود تركيا لتحقيق أكبر قدر من الاستقلالية في وضعها الدفاعي، حيث من المقرر أن يرتفع مستوى التوطين في صناعة الدفاع التركية إلى 80% بحلول عام 2023، وتعد مشاريع مثل دبابة ألتاي وطائرة أنكا بدون طيار والفرقاطة ميلجام دليلاً على هذا التقدم.(1)  

ومن ناحية أخرى يعد الحفاظ على توازن القوة الجوية في المنطقة أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا خاصة في ضوء علاقاتها المعقدة والمتوترة في كثير من الأحيان مع اليونان. وتعتبر تركيا التفوق الجوي في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط أيضًا أمرًا ضروريًا لحماية المياه الإقليمية لتركيا ومصالحها الاقتصادية وتعزيز سيادتها الوطنية. في حين أن تركيا لديها جيش أكبر فإن اليونان تعمل أيضًا على تحديث قواتها الجوية من خلال شراء طائرات رافال الفرنسية المقاتلة (المجهزة بصواريخ ميتيور) وطائرات إف-35 الأمريكية. وترى تركيا أن شراء طائرات يوروفايتر، وخاصة مع صواريخ ميتيور المماثلة أمر حيوي للحفاظ على قوة ردع موثوقة وضمان توازن القوة الجوية في المنطقة. لكن اليونان عارضت بشدة هذا الشراء وخاصة استحواذ تركيا على صواريخ ميتيور.

ويشكل شراء مقاتلات يوروفايتر أيضًا حلاً متوسط الأجل لتركيا حتى يصل برنامج مقاتلات الجيل الخامس المحلية، المعروف باسم "كآن"، إلى مرحلة النضج. وتعد طائرة "كان" التي قامت بأول رحلة لها في فبراير/شباط 2024 المشروع الفضائي الأكثر طموحا في تركيا وتهدف في نهاية المطاف إلى استبدال أسطول طائرات إف-16. ومع ذلك يواجه البرنامج تحديات تقنية بما في ذلك تطوير محرك محلي (والذي لا يُتوقع أن يكون جاهزًا حتى أوائل ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين). وبالتالي فإن طائرة يوروفايتر سوف تملأ الفجوة في القدرات الجوية لتركيا حتى دخول طائرة كان إلى الخدمة على نطاق واسع. كما أن التعاون مع شركة "BAE Systems " (وهي عضو في اتحاد يوروفايتر) في مشروع "كان" من شأنه أن يساعد في نقل التكنولوجيا إلى تركيا.(2)

ولكن على الرغم من مؤشرات الدعم من بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، لكن ألمانيا مارست حق النقض (الفيتو) على اتحاد طائرات يوروفايتر في أبريل/نيسان 2025 جراء المخاوف بشأن اعتقال رئيس البلدية المعارض أكرم إمام أوغلو وتأثر العلاقات الواسعة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ودفع هذا القرار تركيا إلى المطالبة من ألمانيا بتغيير موقفها وتفعيل الدبلوماسية التركية. وضغطت دول حلف شمال الأطلسي ــ وخاصة بريطانيا وإسبانيا ــ على برلين لرفع حصارها بحجة أن جاهزية القوات الجوية التركية تؤثر بشكل مباشر على موقف الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي في شرق البحر الأبيض المتوسط. كما استخدمت تركيا دورها الأساسي في إدارة تدفقات المهاجرين وجهود مكافحة الإرهاب لتحقيق التفوق في المفاوضات مما يدل على تفاعل أقوى بين الدبلوماسية العسكرية والمساومة الجيوسياسية.(3)

في واقع الأمر تعكس جهود تركيا للحصول على طائرات يوروفايتر تايفون استراتيجية متكاملة لتحديث الأسطول وتنويع الدفاع والحفاظ على التوازن الإقليمي ضد الدول المجاورة المسلحة مثل اليونان. ومن خلال سد هذه الفجوة في برنامج "كآن" المحلي تثبت أنقرة التزامها بالاكتفاء الذاتي عسكرياً، بينما تنجح من خلال الدبلوماسية العسكرية والسياسية الماهرة في التعامل مع السياسات المعقدة للاتحاد للحفاظ على نفسها كقوة عسكرية مهمة في حلف شمال الأطلسي. وفي نهاية المطاف فإن تطور حالة القوة الجوية التركية يؤكد طموح البلاد إلى توسيع بصمتها السياسية والعسكرية في النظام الدولي والسعي إلى ضمان بقاء تركيا لاعبا محوريا في المنطقة وخارجها. في الواقع تسعى تركيا إلى تعزيز مكانتها كقوة عظمى في النظام الدولي المتطور ويبقى أن نرى إلى أي مدى تستطيع هذه الدولة استخدام نفوذها لتحقيق هذا الهدف.

امين مهدوي


1-https://www.defensenews.com/global/europe/2025/05/05/vendor-vows-to-hasten-turkeys-fifth-generation-kaan-fighter-plane/?utm_source=chatgpt.com

2-https://www.forbes.com/sites/pauliddon/2025/04/21/blocked-eurofighter-deal-impacts-turkeys-plans-to-diversify-air-force/?utm_source=chatgpt.com

3-https://www.al-monitor.com/originals/2025/04/new-german-government-decide-eurofighter-sale-turkey-officials?utm_source=chatgpt.com