اللعبة الإيطالية في جنوب غرب آسيا

الزيارة الأخيرة لرئيسة وزراء إيطاليا، جيورجيا ملوني، إلى المملكة العربية السعودية يعكس تحولًا ملحوظًا في السياسة الخارجية لإيطاليا ويُظهر الطموح المتزايد لهذا البلد لتعزيز العلاقات الاقتصادية والدفاعية مع دول منطقة الخليج الفارسي.

فبرایر 9, 2025 - 14:50
فبرایر 9, 2025 - 14:50
اللعبة الإيطالية في جنوب غرب آسيا
اللعبة الإيطالية في جنوب غرب آسيا

الزيارة الأخيرة لرئيسة وزراء إيطاليا، جيورجيا ملوني، إلى المملكة العربية السعودية يعكس تحولًا ملحوظًا في السياسة الخارجية لإيطاليا ويُظهر الطموح المتزايد لهذا البلد لتعزيز العلاقات الاقتصادية والدفاعية مع دول منطقة الخليج الفارسي. خلال زيارتها أعلنت ملوني عن استراتيجية جديدة لزيادة التعاون مع المملكة العربية السعودية، مما أسفر عن توقيع اتفاقيات بقيمة 10 مليارات دولار. يُبرز هذا الإجراء التوجه نحو اتباع سياسات مستقلة لإيطاليا والابتعاد عن النهج التقليدي للاتحاد الأوروبي تجاه آسيا الغربية ودول الخليج. من خلال بناء علاقات أوثق مع المملكة العربية السعودية، تسعى ملوني إلى تثبيت بلادها كلاعب رئيسي في المنطقة خصوصًا في مجالات الدفاع والبنية التحتية وأمن الطاقة.(1) 

أحد الأهداف الرئيسية لزيارة ملوني كان تعزيز التعاون الاقتصادي والدفاعي مع المملكة العربية السعودية. تشمل الاتفاقية البالغة 10 مليارات دولار الاستثمار في البنية التحتية وقطاع الطاقة والتعاون العسكري، مما يُظهر شراكة قوية بين البلدين. تتماشى هذه الصفقة مع رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط. من جانبها تستفيد إيطاليا أيضًا من الوصول إلى عقود مربحة وأسواق جديدة وزيادة نفوذها في المنطقة. (2)

بالإضافة إلى ذلك وفي خطوة تبرز التحول الاستراتيجي لإيطاليا قامت ميلوني في مايو 2023 برفع الحظر عن الأسلحة المفروض على المملكة العربية السعودية. كان هذا الحظر قد فُرض في البداية بسبب تدخل المملكة في حرب اليمن. من خلال إلغاء هذه السياسة أظهرت ميلوني مقاربة براغماتية في العلاقات الدولية حيث أولت الأولوية للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإيطاليا على الاعتبارات الأخلاقية السابقة. يمثل هذا القرار إحدى نقاط ابتعاد إيطاليا عن السياسات الكبرى للاتحاد الأوروبي، حيث يدل مرة أخرى على تزايد عدم الاستقرار داخل الاتحاد.(3)

جانب آخر رئيسي من تفاعل إيطاليا مع المملكة العربية السعودية هو مشاركتها في مشروع ماتي، الذي يُعتبر حجر الزاوية لاستراتيجية إيطاليا الجديدة في الشرق الأوسط، ويعكس نهجًا شاملاً لتأمين موارد الطاقة وزيادة نفوذ إيطاليا في جميع أنحاء المنطقة. من خلال هذه المبادرة تُسجل إيطاليا نفسها كجسر يربط بين أوروبا وآسيا الغربية.(4)

تسعى إيطاليا من خلال هذا المشروع إلى تنويع مصادر إمدادات الطاقة لديها وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الدول الغنية بالطاقة مثل المملكة العربية السعودية. ومع تزايد التقلبات في أسواق الطاقة العالمية، يُظهر تفاعل إيطاليا الديناميكي مع دول الخليج عزيمة البلاد لضمان أمن الطاقة على المدى الطويل.

إلى جانب ذلك تُعزز مشاركة إيطاليا في مشاريع البنية التحتية في المملكة العربية السعودية هذا التوجه وهذه الشراكة الاستراتيجية. تتيح برامج التطوير الطموحة في المملكة بما في ذلك مشروع مدينة نيوم والمشاريع البارزة الأخرى، فرصًا كبيرة لاستثمارات وتعاون الشركات الإيطالية. من خلال مواءمة نفسها مع التحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية وتسعى إيطاليا إلى تعريف نفسها كلاعب رئيسي في مسار تطوير المنطقة وذلك لزيادة نفوذها.

تظهر ميلوني من خلال سعيها لإقامة علاقات ثنائية أقوى مع المملكة العربية السعودية تغييرًا واسعًا في سياسات إيطاليا تجاه سياسات الاتحاد الأوروبي. حيث تبنى الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة نهجًا حذرًا تجاه المملكة العربية السعودية، وغالبًا ما يركز على القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والاعتبارات الأخلاقية في تعاملاته الدبلوماسية. تُظهر الموقف المستقل لإيطاليا الذي يُعطي الأولوية للامتيازات الاقتصادية والاستراتيجية على الإجماع الأوروبي تحولًا نحو سياسة خارجية أكثر استقلالًا.

يمكن أن يكون لهذا التغيير عواقب ملحوظة على علاقات إيطاليا مع بقية دول أوروبا. في حين أن إيطاليا لا تزال عضوًا في الاتحاد الأوروبي فإن ميلها إلى إقامة شراكات مستقلة قد يضع علاقاتها مع بروكسل في مواجهة تحديات. قد تعتبر دول أوروبية أخرى نهج إيطاليا انحرافًا عن المصالح الجماعية لأوروبا، مما قد يؤدي إلى حدوث تصادم دبلوماسي. ومع ذلك فإن النمو في التفاعل الاقتصادي لإيطاليا مع دول الخليج قد يقدم نموذجًا للدول الأوروبية الأخرى التي تتطلع إلى تنويع استراتيجياتها الجيوسياسية.

يعكس عُمق العلاقات الإيطالية مع المملكة العربية السعودية رؤية ميلوني الأوسع لوضع إيطاليا كممثل رئيسي في النظام الجيوسياسي المتغير على الساحة الدولية. تسعى إيطاليا من خلال بناء علاقات قوية مع دول الخليج الرئيسية إلى زيادة نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي بعيدًا عن إطار الاتحاد الأوروبي. وقد تحتوي هذه المقاربة على مزايا ملحوظة، بما في ذلك زيادة الاستثمارات الأجنبية وتعزيز أمن الطاقة وتوفير فرص أكبر للصناعات الإيطالية.

مع ذلك فإن الطريق المستقل للسياسة الخارجية الإيطالية يأتي مع وجود المخاطر. فقد يؤدي ابتعادها عن سياسات الاتحاد الأوروبي إلى تصاعد التوترات داخل الكتلة، خاصة إذا اعتُبرت إجراءات إيطاليا بمثابة تضعيف لوحدة أوروبا. علاوة على ذلك قد تعرض العلاقات الأقرب لإيطاليا مع المملكة العربية السعودية البلاد لتحديات جيوسياسية وأمنية.

في النهاية يمكن القول إن زيارة ميلوني الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية تُبرز تحول إستراتيجي في إيطاليا نحو سياسة خارجية مستقلة وعمليّة. من خلال إعطاء الأولوية للتعاون الاقتصادي والدفاعي مع السعودية، تُسجل إيطاليا نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة منفصلة عن المقاربة الأشمل لأوروبا. بينما تقدم هذه الخطوة مزايا اقتصادية وجيوسياسية هامة، تثير أيضًا تساؤلات حول العلاقة المستقبلية لإيطاليا مع الاتحاد الأوروبي والتي قد تؤثر على مستقبل إيطاليا.

امين مهدوي

1.  al-monitor.com
2.  reuters.com
3.  theguardian.com
4.  Bloomberg.com