أهمية فلسطين بالنسبة لليمن

تتمثل أحد الأبعاد الأساسية لدعم اليمن لفلسطين في فهم الارتباط العميق بين أمن غزة واستقرار البحر الأحمر.

ابريل 6, 2025 - 10:18
أهمية فلسطين بالنسبة لليمن
أهمية فلسطين بالنسبة لليمن

إن العلاقات بين اليمن وفلسطين تتجاوز مجرد التضامن الديني والإنساني، إذ تعود جذورها إلى فهم مشترك للتحديات والآمال الإقليمية. دعم اليمن لفلسطين وخاصة لقطاع غزة الذي يتعرض للحصار والاعتداءات من قبل الكيان الإسرائيلي منذ سنوات ليس مجرد شعار عابر بل هو جزء من المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية وهويته الوطنية.

في هذا السياق، استخدم اليمن جميع الأدوات والقدرات المتاحة له لدعم شعب فلسطين؛ من المساعدات الإنسانية والمواقف السياسية الحاسمة في المحافل الدولية إلى التحركات العملية والعسكرية التي ازدادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

تتمثل أحد الأبعاد الأساسية لدعم اليمن لفلسطين في فهم الارتباط العميق بين أمن غزة واستقرار البحر الأحمر. إن اليمن يدرك تمامًا أن استمرار الاعتداءات والحصار على غزة يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والتوتر في كامل المنطقة. لذلك حاول اليمن استخدام نفوذه للضغط على الكيان الإسرائيلي وداعميه. هذه المقاربة تكتسب مبرراتها ليس فقط من منظور إنساني بل أيضًا من حيث الحفاظ على المصالح الوطنية والأمن الإقليمي لليمن.

يعَدّ انعدام الأمن في فلسطين والظلم الذي يتعرض له شعبها دائمًا كعامل مُحفز في تفاقم الاضطرابات الإقليمية. وفي هذا الإطار تبنّت اليمن نهجًا نشطًا واستراتيجيًا لممارسة الضغط البحري على الكيان الإسرائيلي.

نظرًا لموقع اليمن الجغرافي وإشرافه على مضيق باب المندب الحساس تحوّل هذا المضيق إلى أداة لدعم شعب فلسطين حيث سعى اليمن إلى منع وصول السلع التجارية إلى الموانئ المحتلة من قبل إسرائيل. يُعَدُّ هذا الحصار البحري تحديًا كبيرًا بالنسبة لإسرائيل وداعميها.[1]

تتعلق أهمية موضوع فلسطين بالنسبة لشعب اليمن بثلاثة محاور أساسية. الأول هو المسجد الأقصى الذي يُعَد قبلة المسلمين الأولى وله مكانة خاصة في العالم الإسلامي. الثاني هو التعاطف مع شعب غزة الذي يعاني تحت الحصار الأمريكي والبريطاني لسنوات خاصة في ظل الوضع المماثل الذي يعاني منه شعب اليمن منذ تسع سنوات حتى الآن، حيث تعاني اليمن من حصار بري وجوي وبحري مستمر والأوضاع الإنسانية فيها أسوأ بكثير من تلك التي في فلسطين.

أما المحور الثالث فهو وجود الكيان الإسرائيلي ضمن التحالف المعتدي على اليمن. فقد شارك الكيان الصهيوني في الاعتداءات على اليمن في عام 2015، وكان دائمًا إلى جانب السعودية والإمارات. لقد افتخر نتنياهو مرارًا بمشاركة الجيش الإسرائيلي في ممارسات القتل ضد الشعب اليمني. بالإضافة إلى ذلك تمركزت القوات الصهيونية مع القوات الأمريكية في جزيرتي سقطرى وبريم (ميون) مما زاد من دوافع اليمن لمواجهة إسرائيل.[2]

إن دعم اليمن لغزة أصبح تدريجيًا تهديدًا جديًا للكيان الصهيوني. في الوقت الذي تمنع فيه القوات اليمنية وصول المساعدات إلى إسرائيل في البحر الأحمر و أدى هذا العمل إلى إغلاق الطرق التجارية البحرية لإسرائيل وتقليل الأنشطة الاقتصادية لهذا الكيان في المنطقة. كما أن الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية التي تستهدف بشكل متواصل الأهداف الإسرائيلية قد زادت من مخاوف إسرائيل وداعميها.

مرت جبهة دعم غزة في اليمن بخمس مراحل من تصعيد التوتر. بدأت المرحلة الأولى من التصعيد في 19 نوفمبر 202، حيث تم استهداف السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني. واشتمل التصعيد الثاني الذي بدأ في 12 يناير 2024 على أهداف السفن الأمريكية والبريطانية. ثم في مارس 2024، انطلقت المرحلة الثالثة مع استهداف سفن العدو في المحيط الهندي. وفي مايو من نفس العام، بدأت المرحلة الرابعة بتوسيع منطقة العمليات لتشمل البحر الأبيض المتوسط، حيث تم استهداف السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.

في يوليو 2024 انطلقت المرحلة الخامسة مع استهداف مدن يافا وتل أبيب وفي سبتمبر من نفس السنة دخلت الصواريخ فرط الصوتية من القوات اليمنية حيز التنفيذ حيث تمكنت من تجاوز جميع أنظمة الدفاع الإسرائيلية. تمثل هذه المرحلة نقطة تحول في دعم اليمن لغزة وفلسطين.

يواجه الكيان الصهيوني خسائر كبيرة نتيجة جبهة دعم اليمن. بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بمفهوم الأمن لهذا النظام و أدى إغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية والشركات المرتبطة به إلى تقليص إيرادات الكيان المحتل بنسبة تصل إلى 80%.

تجاوزت خسائر الواردات 80 مليار دولار وانخفضت كميات المواد الغذائية التي تصل إلى الأراضي المحتلة عبر البحر الأحمر بنسبة 60%. علاوة على ذلك فقد هذا النظام علاقاته التجارية مع 14 دولة مما أدى إلى زيادة الأسعار في الأسواق بنسبة 50%.

تقلصت صادرات الكيان الصهيوني التي كانت تمر عبر باب المندب والبحر الأحمر بمقدار 15 مليار دولار كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية بمقدار 20 مليار دولار أي بنسبة 70%.

تكبد هذا النظام أيضًا خسائر بسبب إغلاق ميناء إيلات نتيجة العمليات اليمنية حيث انخفضت حركة الملاحة هناك بنسبة 95%، ووصلت الأضرار التي لحقت بالميناء نفسه إلى 14 مليون دولار.

بلغت خسائر الكيان الإسرائيلي في مجالات النقل والتأمين البحري واللوجستي 4 مليارات دولار شهريًا ما يعادل 10 ملايين دولار يوميًا مع زيادة تأمين السفن بنسبة 250% وارتفاع الأسهم في قطاع شركات الشحن البحري بنحو 22 مليار دولار.

نتيجة لهذه الأوضاع تم تغيير مسار السفن إلى رأس الرجاء الصالح في أفريقيا مما زاد المسافة البحرية إلى 13,000 كيلومتر ورفع تكاليف التأمين إلى 50,000 دولار لكل حاوية وزيادة تكاليف النقل لكل رحلة إلى مليون دولار وارتفاع أسعار نقل الحاوية بمقدار 400 دولار بالإضافة إلى تكاليف إضافية تبلغ 700 دولار لكل حاوية وزيادة تأمين تصل إلى 800 دولار لكل حاوية.[3]

لقد أظهر اليمن بوضوح أن دعم فلسطين وشعب غزة هو بالنسبة له ليس مجرد واجب ديني وإنساني بل هو أولوية استراتيجية. من خلال اتخاذ نهج عملي وعسكري قام اليمن بدوره في محور المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي واستخدم جميع الإمكانات المتاحة لتحقيق أهدافه في هذا السياق. تظل مواقف اليمن التي تتوافق تمامًا مع مطالب الشعب في مقدمة الأولويات في دعم فلسطين ولن يتوانى هذا البلد عن بذل أي جهد لاستمرار هذا الدعم.

 

 محمد صالح قرباني    

[1] https://tn.ai/3277617

[2] https://tn.ai/2983375

[3] isna.ir/xdS6JF