ماذا قدم الجولاني لسورية؛ إخفات سياسة داخلياً وخارجياً

دعت حكومة الجولاني المؤقتة لمؤتمر الحوار الوطني، بهدف لم شمل فئات المجتمع وتشكيل رؤية مشتركة للمرحلة المقبلة. ورغم أهمية هذه المبادرة، إلا أنها سرعان ما انكشفت كأداة سياسية فارغة من المضمون وحتى في الشكل الظاهر لها، إذ قوبلت بمقاطعة من عدة فئات وتيارات سياسية ومكونات هامة.

مارس 30, 2025 - 19:32
ماذا قدم الجولاني لسورية؛ إخفات سياسة داخلياً وخارجياً
ماذا قدم الجولاني لسورية؛ إخفات سياسة داخلياً وخارجياً

في ظل الثورات التي ظهرت تحت مايسمى "بالربيع العربي" في عدد من الدول العربية، كان القاسم المشترك فيها الفكر الإخواني المتطرف والبعد الطائفي الذي نجح في الوصول إلى الحكم في بعض الدول؛ كمصر وتونس ولكن مالبث أن ظهرت سياسة رجالاته للعلن، والتي اعتمدت على إقصاء جميع المكونات وتحجيم حقوق المرأة و حق المواطنة ونشر الفكر التطرفي. وبالطبع كان لسورية حصة في هذا الربيع المزعوم الذي لم نرى من ثماره إلاّ ألوان الدم و رائحة التقسيم والتشتت والكراهية بين أبناء المجتمع، ولكن سورية قاومت هذا الفكر لسنوات طويلة وقد عانت منه بسبب استغلال المعارضة المسلحة للدين والإسلام السياسي المتطرف.

  بعد أن حصل التغيير الأخير و وصلت هيئة تحرير الشام إلى دمشق بزعامة إبو محمد الجولاني، والتي تعتبر من الهيئات والتنظيمات الإرهابية المصنفة عالمياً (جبهة النصرى سابقاً)، يعاني المجتمع في سورية بمختلف مكوناته من ظاهرة الإنقسام الداخلي وانتشار البعد الطائفي وإظهار طائفة معينة بمظاهر السيطرة والتسلط والتحكم بكل شيء حتى باتت باقي المكونات المذهبية والقومية تواجه تحديات وجودية في ثقافاتها وحياتها الطبيعية وممارسة طقوسها الخاصة.

التنوع الثقافي والمذهبي والقومي في سورية يعتبر فسيفساء تاريخية حافظت على تنوعها وجمالها عبر مئات السنين ومايحصل حالياً في سورية ينسف تاريخاً من الوحدة والتعايش السلمي ويقضي على السلم الأهلي الذي تميزت به سورية عشرات السنين. منذ ظهور شخصية أبو محمد الجولاني على الساحة السورية كقائد لسورية كانت هناك آمال وتطلعات كبيرة لتحقيق استقرار سياسي في البلاد التي عانت سنوات طويلة من النزاع المستمر، وذلك بعد إطلاقه وعوداً في الحفاظ على الحريات وفتح صفحة جديدة مع كل الأطراف. ومع مرور الوقت بدأت ملامح الإخفاقات تتضح في السياسة الداخلية والخارجية للجولاني. فقد تباينت النتائج على الأرض وماكان يقال في الخطابات وأمام الوفود، لم ينفذ منه على الأرض إلا القليل ومايخدم فئة قليلة فقط، مما دفع السوريين للتساؤل والقلق حول مستقبل البلاد في ظل حكم الجولاني. وهنا سنطرح عدة قضايا فشلت فيها القيادة الحالية داخلياً وخارجياً:

1- مسرحية مؤتمر الحوار الوطني

دعت حكومة الجولاني المؤقتة لمؤتمر الحوار الوطني، بهدف لم شمل فئات المجتمع وتشكيل رؤية مشتركة للمرحلة المقبلة. ورغم أهمية هذه المبادرة، إلا أنها سرعان ما انكشفت كأداة سياسية فارغة من المضمون وحتى في الشكل الظاهر لها، إذ قوبلت بمقاطعة من عدة فئات وتيارات سياسية ومكونات هامة. فقد افتقر المؤتمر إلى الشفافية والجدية في مناقشة القضايا الاستراتيجة للبلاد ولم يستطع تمثيل جميع فئات الشعب وهذا كان مقصوداً من قبل اللجنة التي وجهت الدعوات و جلبت الوفود والأشخاص الذين ينتمون لنفس الفكر المعارض وتم استبعاد كل من له علاقة في النظام السابق، مما أدى إلى فشله في تحقيق نتائج ملموسة على الصعيد السياسي داخل البلاد، مما بدّد آمال الكثيرين في إمكانية الحصول على حلول سياسية حقيقية تعكس تطلعات الشعب السوري.

2- معارضة الإعلان الدستوري المؤقت

بعد الإعلان الدستوري الذي وقّعه الجولاني (أحمد الشرع) في 13 مارس بدأت موجة قلق واسعة تنتشر في الأوساط الحقوقية وسط تحذيرات من أن الوثيقة التي يُفترض أن تؤسس لمرحلة انتقالية في سورية قد تأتي بسلطات تنفيذية واسعة على حساب استقلال القضاء والحريات الأساسية، منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت "إن الإعلان يمنح الرئيس صلاحيات استثنائية تشمل التعيينات القضائية والتشريعية دون أي ضوابط رقابية ما يفتح الباب لتقويض مبدأ الفصل بين السلطات وإضعاف فرص بناء نظام ديمقراطي حقيقي بعد عقود من الاستبداد".[1] كما اعتبرت العديد من المكونات الأهلية والمجتمعية أن الوثيقة تتجاهل تطلعات الشعب السوري وتفتقر إلى قواعد تمثيل حقيقية، حيث أعلنت وجهاء وقادات من المكون الدرزي والكردي وحقوقيين من مختلف الطوائف عن معارضتهم هذا الإعلان اللادستوري.[2] كما إن الهشاشة السياسية التي ترافق هذا الإعلان تأتي من عدم قدرة الجولاني ومن حوله على فهم ديناميات المجتمع السوري المتنوع، مما زاد من انعدام الثقة في قدرته على قيادة المرحلة الإنتقالية.

3- عدم استقرار الوضع الداخلي في البلاد

لطالما كان الفكر المتطرف والطائفي يعكس حالة من الإبعاد والإقصاء للأخرين، أو للفئات المغايرة لأصحاب هذا الفكرعموماً، وفي سورية سياسة التعدي على الحريات لمختلف مكونات الشعب السوري من قبل مجموعات مدعومة أو محسوبة على القيادة الجديدة أدت إلى شرخ كبير وحالات توتر ونزاع دائم مصحوبة بقلق من قبل تلك الطوائف والمكونات. وعلى الرغم من أن الجولاني قدم نفسه كقائد عسكري ومقاتل في صفوف التنظيمات الأكثر إرهاباً ونجح بذلك، إلا أن إدارة الشؤون السياسية الداخلية تتطلب مهارات وخبرات تختلف تمامًا عن تلك السائدة في المعارك. وللأسف فإن المعلومات حول الجوانب السياسية تشير إلى افتقاره لهذه الخبرات، وخاصة أنه فشل هو وفريقه في توحيد الشعب واحترام خصوصية كل مكون، إلى جانب غياب الرؤية الاستراتيجية وهذا ما يجعله غير قادر على تحقيق نتائج تساهم في استقرار البلاد، ويترك المجال مفتوحاً أمام فوضى إضافية تعمق الأزمة السورية.

4- إخفاقات في السياسة الخارجية

على الرغم من بعض محاولات الجولاني لجذب الدعم الإقليمي والدولي له عبر استقبال الوفود الكثيرة والزيارات التي قام بها إلى تركيا والسعودية، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق نتائج ملموسة على صعيد تغيير النظرة العامة عنه بأنه قائد فصيل إرهابي، فلم تمحى الجرائم التي ارتكبتها جبهة النصرة في العراق وسورية مهما تم تلميع صورته وصورة فريقه السياسي الذي كان مشاركاً معه بكل خطوة. فالغزل السياسي الظاهر لم يتجاوز حدود التصريحات من أجل حل بعض الملفات العالقة، بينما تراجع تأثيره أمام أحد أكبر التحديات التي تواجهها البلاد؛ فعلى سبيل المثال لم تتمكن حتى الآن حكومته من لعب أي دور فاعل في المحافل الدولية أو حتى إلغاء العقوبات المفروضة على سورية من قبل الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي ما عكس الفشل الذريع في بناء تحالفات حقيقة ومؤثرة. [3]

ختامًا

من خلال ماتم ذكره سابقاً، يلاحظ معظم السوريون أن الوضع الراهن في ظل قيادة الجولاني وسيطرة المجموعات المتطرفة على معظم مفاصل الحياة، لايبشرُ بمستقبل حر كما يتمناه الشعب السوري. وإن ما يحدث على الأرض السورية يشبه حقل التجارب البدائية التي تعتمد على نسبة نجاح ضئيلة، والأسباب وراء ذلك معروفة و واضحة فمن جاء يحكم بعقلية التفرد بالسلطة وقمع الحريات وقلة الخبرات وضعف الكفاءات ويحمل فكراً إرهابياً تطرفياً، لن يستطيع أن يحكم بلداً مثل سورية بهذا التنوع والإختلاف، وإن استطاع البقاء والإستمرار فلا يعني أن الشعب السوري راضي عن هذا الحكم. كما إن إخفاقاته على الصعيدين الداخلي والخارجي وفشله في استقطاب تأييد المجتمع السوري يتجلى في عجزه عن إدارة المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، ما يستدعي القلق حول الرؤية المستقبلية لتطلعات الشعب السوري.

محمد يزن الحمادي 



[1] www.alhurra.com/syria/2025/03/27/هيومن-رايتس-ووتش-تحذر-الإعلان-الدستوري-الجديد-يهدد-الحقوق-بسوريا

[2] https://2h.ae/isIk

[3] https://2h.ae/GKiq