حرب التعريفيات الجمركية لترامب وتداعياتها

بدأ دونالد ترامب عصرًا جديدًا من الحرب التجارية من خلال فرض تعريفات جديدة على التجارة مع كندا والمكسيك والصين، مما أثر ليس فقط على العلاقات التجارية لهذه الدول مع الولايات المتحدة بل كانت له أيضًا تداعيات واسعة على المستوى الدولي.

مارس 7, 2025 - 14:26
حرب التعريفيات الجمركية لترامب وتداعياتها
حرب التعريفيات الجمركية لترامب وتداعياتها
بدأ دونالد ترامب عصرًا جديدًا من الحرب التجارية من خلال فرض تعريفات جديدة على التجارة مع كندا والمكسيك والصين، مما أثر ليس فقط على العلاقات التجارية لهذه الدول مع الولايات المتحدة بل كانت له أيضًا تداعيات واسعة على المستوى الدولي. من خلال هذا القرار يسعى ترامب إلى ممارسة الضغط على ثلاثة من أكبر الشركاء التجاريين لأمريكا بينما أدى هذا الإجراء إلى ظهور تحديات سياسية واقتصادية لبلاده.

قام ترامب بإصدار أمر تنفيذي يقضي بفرض تعريفات إضافية بنسبة 25% على جميع السلع المستوردة من كندا والمكسيك باستثناء النفط ومنتجات الطاقة من كندا التي ستواجه ضريبة بنسبة 10%. تعتبر كندا أكبر مزود للنفط الخارجي للولايات المتحدة حيث توفر حوالي 60% من واردات النفط الخام الأمريكية ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى تبعات واسعة في صناعات الطاقة واقتصاد هذه الدول.

رداً على هذه الإجراءات أعلن جاستن ترودو رئيس وزراء كندا عن فرض تعريفات بنسبة 25% على سلع كندية بقيمة 155 مليار دولار كندي (107 مليارات دولار أمريكي)، بما في ذلك الكحول والملابس والأجهزة المنزلية والخشب الأمريكي. كما أعلنت كلوديا شينبام رئيسة جمهورية المكسيك أن بلادها ستتخذ إجراءات مماثلة لمواجهة تعريفات الولايات المتحدة.
استخدم ترامب ذرائع تتعلق بالأمن وضعف السيطرة على الحدود من قبل كندا والمكسيك، بما في ذلك عدم المواجهة الفعالة لتهريب المخدرات لتبرير هذه السياسات. وقد أكد بشكل خاص على مكافحة دخول المواد الأفيونية والفنتانيل من الصين التي أدت إلى العديد من الوفيات في الولايات المتحدة.

تتجاوز هذه السياسات التعريفية كلاً من كندا والمكسيك حيث يعتزم ترامب أيضًا فرض تعريفات على الواردات من الاتحاد الأوروبي، رغم أنه لم يتم ذكر أي إجراءات محددة بشأن أوروبا في إعلانه الأخير إلا أنه قدم وعودًا بشأن فرض تعريفات تصل إلى 10% على السلع الصينية ومع ذلك فإن وعده السابق بفرض تعريفات بنسبة 60% على السلع الصينية التي تم طرحها خلال فترة الانتخابات الرئاسية لا يزال لم يُنفذ.

تعمل هذه الإجراءات التعريفية ليس فقط كأهداف اقتصادية ولكن أيضًا كأداة للسياسة الخارجية لترامب. لقد كانت التعريفات المفروضة لا سيما على الصين تتعلق بتصدير المواد الكيميائية المنتجة للفنتانيل إلى المكسيك، والتي تؤدي في النهاية إلى إنتاج المخدرات لتصديرها إلى الولايات المتحدة وهي جزء من سياسة ترامب الأكثر تشددًا تجاه الصين.

في رد فعل على هذه الإجراءات فرضت الصين تعريفات بنسبة 10% على السلع الأمريكية بما في ذلك النفط الخام والآلات الزراعية بالإضافة إلى تعريفات بنسبة 15% على واردات الفحم والغاز السائل، حتى إنها قامت بتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية. ووفقًا لبيان وزارة التجارة الصينية فإن البلاد ستفرض قيودًا على صادرات التنجستين والتيلوريوم والبيزموت والموليبدينوم والمواد ذات الصلة بالإنديوم إلى أمريكا.

واحدة من النقاط المثيرة للاهتمام في هذه القصة هي التأخير في تنفيذ هذه التعريفات. قبل ساعات قليلة من دخول التعريفات الجديدة حيز التنفيذ على السلع المستوردة من كندا والمكسيك أعلن ترامب أن هذا القرار تم تأجيله لمدة 30 يومًا. تعكس هذه التنازلات التي جاءت بعد مفاوضات مع قادة الدولتين الجارتين التحديات الاقتصادية والبنائية التي تواجهها الولايات المتحدة في التعامل مع القوى العالمية.

تشير هذه التغييرات المفاجئة في السياسات التجارية لترامب إلى ضعف السياسات أحادية الجانب للولايات المتحدة. فقد تراجع ترامب في فترته الرئاسية الأولى عدة مرات عن قراراته التجارية، واستمر هذا الاتجاه فيما يتعلق بالتعريفات أيضًا. إن عدم الاستقرار في السياسات يسبب شكوكًا بين الشركاء الاقتصاديين والسياسيين لأمريكا.

واحد من العوامل الرئيسية وراء هذا التراجع هو الاعتراضات الداخلية والاحتجاجات الواسعة من قبل الناس والنشطاء الاقتصاديين. فقد أدت السياسات التعريفية لترامب إلى زيادة تكاليف المعيشة والتقلبات المالية في أمريكا، مما وضع ضغطًا إضافيًا على الحكومة. وهذا يدل على أن السياسات التجارية للولايات المتحدة لا يمكن أن تسير دون أخذ المخاوف الداخلية بعين الاعتبار.

إن فرض التعريفات قد أثر بشكل كبير على الاقتصاد الأمريكي أيضًا. فقد واجهت الأسواق المالية في البلاد تقلبات شديدة وأعرب المستثمرون عن قلقهم بشأن المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة. حتى إن ترامب قد اعترف ضمنيًا بأن هذه السياسات ستكون "مؤلمة" للاقتصاد الأمريكي.

كما أدت خطوات ترامب إلى ردود فعل عالمية فقد هددت الصين والمكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات موازية ضد الولايات المتحدة. تعكس هذه الردود تغييرًا في الموقف العالمي نحو التعددية ومعارضة للسياسات الأحادية الأمريكية.
في النهاية يبدو أن أمريكا لم تعد تستطيع فرض هيمنتها أحادية الجانب على السياسات الاقتصادية والتجارية العالمية. إذ تسعى دول مختلفة إلى إقامة تعاونيات جديدة ومستقلة لتقليل الاعتماد على الدولار ونظام المالية الأمريكي. تُظهر هذه التحولات في السياسات التجارية بما في ذلك تراجع ترامب عن القرارات التجارية وانخفاض القوة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة على المستوى العالمي.

بالنظر إلى التطورات الأخيرة خاصة في مجالات التعريفات والسياسات الاقتصادية يبدو أن نظامًا اقتصاديًا جديدًا في طريقه إلى التشكيل، حيث لم تعد الولايات المتحدة تعمل كقوة لا منازع لها. يمكن أن يؤثر هذا الاتجاه بشكل عميق على السياسة الدولية ومكانة أمريكا في المستقبل.