مؤتمر أم مؤامرة للحوار في سورية..!
عقد ما سُمي "مؤتمر الحوار الوطني" في سورية خلال الأيام القليلة الماضية وعلى مدى يومين، حيث تضمن إقامة ورشات عمل وجلسات حوارية مقسمة على عدة محاور، وأخيراً اجتمع المؤتمرون خلال ثلاث ساعات ونصف فقط لإخراج مقترحات وتوصيات تم الإعلان عنها ضمن بيان رسمي على لسان أحد أعضاء اللجنة، وكانت قد سبقت هذا المؤتمر جلسات تحضيرية في كل محافظة وكان قد دعي إليها أناسٌ من مختلف الشرائح، ولكن أية شرائح ! فقط التي تمثل توجهات المعارضة حيث تم إقصاء كل من كان يمثل الدولة السابقة أو من كان محسوباً على النظام السابق بشكل أو بآخر حتى لو بصفته المدنية...!

في الحقيقة، لقد أثار انعقاد هذا المؤتمر الكثير من التساؤلات من عدة جوانب، وأهمها السرعة والاستعجال في عقد جلساته في المحافظات وقصر الوقت في المؤتمر الرسمي الذي انعقد في دمشق في قصر المؤتمرات، وكأنهم يريدون خطف الأنظار إلى شيء آخر وهو مخرجات هذا المؤتمر التي كانت مكتوبة وجاهزة كما يعتقد الكثيرون من خلال تحليلهم لما جرى وكيف تمت الدعوات العاجلة والسريعة والشكلية من قبل اللجنة التحضيرية والتي ينتمي أعضائها بالمجمل إلى هيئة تحرير الشام (والمصنفة إرهابية)، في ظل استبعاد مكونات مهمة تمثل شرائح واسعة من المجتمع السوري مثل الأكراد والدروز والعلويون، حيث كان هناك بعض الأشخاص الذين جاؤوا بهم فقط لإظهار أنهم موجودون ضمن المؤتمر دون أية مشاركة أو نشاط يذكر لهم..
كل هذه الإجراءات الخاطفة والسريعة والنقاشات المتركزة على إقصاء شريحة واسعة من مكونات الشعب السوري والاهتمام بمحاسبة مرتكبي الجرائم من عناصر النظام السابق فقط دون النظر إلى جرائم الإرهاب التي ارتكبتها مجموعات المعارضة طيلة قتالها ضد نظام بشار الأسد. وكأنهم حمامات سلام جاؤا فجأة للحكم الجديد بدون إجرام او أضرار لحقت بممتلكات الشعب وتسببت بأذيته.
ومن خلال ردود الأفعال والانتقادات التي طالت هذا المؤتمر الشكلي أنه بدى وكأنه مسرحية تمثل أمام قادة العالم والدول الاجنبية والعربية من أجل إظهار نشاط سياسي يدل على أنهم يتجهون نحو تطبيق الديمقراطية والشمولية في تمثيل الشعب السوري، ولكن حقيقة الأمر عكس ذلك تماماً.
لقد وصف مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، وهو الجناح السياسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، ما يُعرف بـ"مؤتمر الحوار الوطني" الذي نظمته السلطة الانتقالية في سوريا، أنه "إجراء شكلي"، داعيًا الإدارة في دمشق إلى عدم "اتباع أساليب نظام الأسد"، حسب بيان نُشره الأربعاء عقب إنتهاء المؤتمر. (1)
وجاء في البيان نفسه الذي نشره "مسد" عبر صفحته الرسمية في منصة إكس: "لقد سبق وأن عبّر المجلس في بيان له عن عدم موافقته على شكل تمثيل اللجنة التحضيرية، وعلى توجهاتها وتصريحاتها، وجاء عقد المؤتمر استكمالاً لنهج الإقصاء والتهميش الذي لطالما حكم المشهد السياسي للبلاد على مدى عقود من الزمن".
وأردف المجلس في بيانه، قائلا: "إن غياب التمثيل العادل للمكونات السورية، القومية والمجتمعية، والسياسية، والاستعجال في عقد المؤتمر دون توفير أسس شفافة وضمانات حقيقية، يؤكد على أنّ هذا اللقاء لم يأخذ القضايا المصيرية ومستقبل سوريا على محمل الجِّد، وهو لم يكن سوى إجراء شكلي لا يخدم الحلول المطلوبة والشراكة الوطنية في بناء سوريا".
وتابع "مسد" بيانه بالقول: "إن اعتماد السلطة في دمشق على الأساليب القديمة الفاشلة التي كان يتّبعها نظام الأسد، عبر احتكار القرار السياسي وإقصاء المكونات والقوى الوطنية الفاعلة، لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام وتعطيل أي فرصة لنجاح العملية الانتقالية".
وكان قد اعتذر مدعوون مقيمون خارج سوريا عن حضور المؤتمر، نظرا لاستحالة ترتيب السفر بسبب ضيق المدة الفاصلة بين توجيه الدعوة الذي بدأ يوم الأحد وموعد المؤتمر يومي الثلاثاء والأربعاء في نفس الأسبوع.
وقال حسن محمّد علي، عضو الهيئة الرئاسية في مجلس سوريا الديموقراطية المنبثق عن الإدارة الذاتية، لوكالة فرانس برس، إن ما قامت به اللجنة التحضيرية "ستكون له تداعيات سلبية ولن يأتي بحلول للمشاكل والقضايا التي تعانيها سوريا منذ عقود".
وحذّر الناطق باسم قوات سوريا الديموقراطية فرهاد شامي من أن "استبعاد" قواته مع "شرائح واسعة من المجتمع السوري" يؤكد أن المؤتمر "موجه لإرضاء الخارج وليس البحث عن مستقبل أفضل مع شركاء الداخل". (2)
والجدير بالذكر، أنه خلال إعداد المؤتمر نظمت اللجنة التحضيرية المكونة من سبعة أعضاء جلسات استماع في المحافظات، وفي بعض الأحيان كانت تعقد عدة جلسات مدة كل منها ساعتان فقط لتغطي المحافظات السورية الأربع عشرة في أسبوع واحد، ومن بين أعضاء اللجنة خمس أعضاء من هيئة تحرير الشام أو مقربون منها ولا يوجد ممثلون للدروز أو العلويين وهما من الأقليات الكبيرة في سوريا.
في الختام،
يتساءل معظم المهتمين بالشأن السوري إذا كان ما يسمى "بمؤتمر الحوار الوطني السوري" لم يشمل مكونات مهمة في المجتمع السوري، بالإضافة الى نسف كامل لكل ما هو مؤيد سابق وكان يحسب على الدوله بشكل أو بآخر، و لنقل أنهم جزء من الرأي الآخر، فاذاً أين هي ديمقراطية هذا المؤتمر وأين احترام الرأي الآخر من مكونات الشعب السوري، حتى لو كان لديهم بعض الاعتراضات على سياسه الحكومة الجديدة أو على توجهاتها. وهنا يجب الإشارة إلى ذلك، فهناك الكثير من الملاحظات على أسلوب ونهج هذه الحكومة الإقصائية، والتي لم يلحظ الشعب السوري أي انجاز يذكر لها سوى أنها تفردت بالسلطة وبملاحقة الناس الأبرياء واعتقالهم ولا ذنب لهم بالإضافة إلى فصل تعسفي لكثير من الموظفين من أجل إقصائهم واستبدالهم بأناس وأشخاص متطرفين ومقربين من فكر هيئة تحرير الشام أو من هم يمتلكون فكر معارض فقط وهو الذي حذرت منه الأمم المتحدة ومعظم الدول التي أعطت فرصة للجولاني وحكومته الإنتقالية المؤقتة كي تفرض الأمن والأمان والحريات لباقي مكونات المجتمع.
محمد يزن الحمادي
1- https://goo.su/xnPWzdD