مساعي المملكة العربية السعودية لتطوير صناعة الصواريخ
تشير الأخبار والمعلومات المنشورة إلى أن البرنامج الصاروخي في السعودية دخل مرحلة جديدة، حيث تعمل الرياض، التي كانت سابقًا مُشترية للصواريخ الباليستية ومستوردة لها من الصين، على تحقيق إنتاج وتصنيع هذا النوع من الأسلحة داخل المملكة.

لطالما كانت المملكة العربية السعودية معروفة كمستورد للأسلحة، وكان الأمر كذلك بالنسبة للأسلحة الصاروخية. في العرض العسكري الذي أقيم في 29 أبريل 2014، عرضت المملكة لأول وآخر مرة فقط صاروخين باليستيين من طراز "دوندونغغ -3" (DF-3) المعروف بـ"الرياح الشرقية"، اللذين تم استيرادهما سرًا من الصين في عام 1988.
تتميز هذه الصواريخ بأنها أحادية المرحلة وتعمل بالوقود السائل، حيث تصل مدى 2500 كيلومتر، ولديها القدرة على حمل وزن يصل إلى 2000 أو حتى 3000 كيلوغرام كحد أقصى، وزيادة مدى الصواريخ ممكنة عند استخدام رأس حربي أخف وزنًا.(1)
ومع ذلك لم يتم الكشف إلا عن تفاصيل محدودة حول قدرات الصواريخ المحلية في المملكة العربية السعودية حيث نادرًا ما تعرض البلاد أسلحتها بعيدة المدى علنًا، ولم يتم إظهار سوى القليل من المعلومات للجمهور منذ أن أنتجت الرياض لأول مرة صواريخها أرض-أرض بعيدة المدى في الثمانينيات. تبقى قدرات الصواريخ بعيدة المدى في المملكة العربية السعودية على مستوى عالٍ من السرية. ومع ذلك يشير تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى أن بناء قاعدة صواريخ تحت الأرض جارٍ بالقرب من مدينة النبانية في وسط المملكة العربية السعودية.(2)
وفي هذا الصدد أكد الباحث في الشؤون العسكرية والدفاعية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هاينز، أن هناك دلائل تشير إلى أن هذه القاعدة هي قاعدة صاروخية، حيث يتشابه طراز مبانيها الإدارية مع قواعد الصواريخ السعودية الأخرى، ويتشابه الفصل الجغرافي بين المجمع تحت الأرض والمناطق السكنية والإدارية فوق الأرض، ومدخل النفق الذي يشبه القواعد القائمة. (3)
كما تم إنشاء مبنى جديد في قاعدة القوة الصاروخية السعودية بوادي الدواسر، ومن أحدث الإضافات إلى القاعدة مبنى كبير من المرجح استخدامه كمبنى تشغيلي أو دعم في المجمع.
وبالإضافة إلى ذلك أفاد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عن مؤشرات على تحديث وتوسيع قاعدة قيادة الصواريخ في الرياض، فضلاً عن بناء أنفاق جديدة أو أقسام تحت الأرض في قواعد الحريق ورنية والسليل.
وفي ظل هذه الظروف يطرح السؤال التالي: ما هي الأهداف التي تسعى السعودية إلى تحقيقها من خلال تطوير قدرات الصناعة الصاروخية المحلية؟ وفي هذا الصدد يرى خبراء في القضايا الإقليمية أن هناك عدة عوامل مهمة دفعت النظام السعودي إلى السعي لبناء الصواريخ الباليستية.
أولا وتماشيا مع خطتها لرؤية 2030، تحاول المملكة العربية السعودية تعزيز صناعة إنتاج المعدات الدفاعية المحلية لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط.
وهناك قضية أخرى دفعت النظام السعودي إلى التفكير في بناء وتطوير برنامجه الصاروخي، وهي فشل البلاد في تحقيق النجاح في حرب اليمن. وبينما عجزت السعودية عن مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية باستخدام أنظمة الدفاع الجوي الباهظة الثمن من طراز باتريوت وغيرها من أنظمة الدفاع الغربية، نجح اليمنيون في تغيير موازين الحرب لصالحهم من خلال تحقيق بناء وتطوير تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، لذلك بدأ السعوديون يفكرون في بناء صواريخ باليستية لتعويض ضعفهم في هذا المجال.
وهناك مسألة أخرى تطرح في هذا السياق وهي منافسة المملكة العربية السعودية لتكنولوجيا الصواريخ من دول المنطقة، وخاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما دفع السعوديين إلى محاولة خلق توازن للقوى في هذا المجال رغم أن الرياض تبدو بعيدة كل البعد عن الوصول إلى النقطة المرجوة.
وهناك سبب مهم آخر يتمثل في الجهود المتسارعة من جانب السعوديين إلى فرض الهيمنة العربية، حيث ان قادة الرياض تعتقد أن هذا النهج سيحقق حلمهم وخاصة في المنافسة مع أبوظبي.