سوريا ساحة للتعاون بين تركيا والسعودية
بعد أن أنهت تركيا في عام 2021 فترة توتراتها الشديدة مع عدة دول خليجية، قامت أنقرة بتحسين علاقاتها مع جميع دول المنطقة. في هذا السياق تحسنت العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية بشكل ملحوظ. فقد تمكن هذان البلدان اللذان كان لديهما في السابق العديد من الخلافات، من تجاوز هذه الخلافات وتعزيز علاقاتهما الاستراتيجية.

أحد أهم الفرص المتاحة حالياً لكل من تركيا والسعودية هو إعادة إعمار سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. فقد قام أحمد الشرع، بعد توليه السلطة كزعيم جديد لسوريا، بأول زياراته إلى كل من السعودية وتركيا وهذه الزيارات تعكس الدور البارز الذي سيلعبه هذان البلدان في المستقبل داخل سوريا.
كانت تركيا منذ البداية تسعى إلى إسقاط نظام بشار الأسد وقد حصلت على موقع مهم في سوريا بعد سقوطه. ومع ذلك على عكس توقعات بعض المراقبين لم تستخدم تركيا هذا الموقع لمجرد زيادة نفوذها في سوريا بل سعت أنقرة إلى لعب دور أكثر فعالية في مستقبل سوريا باستخدام دبلوماسيتها القوية مع دول الخليج الفارسي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وهدف تركيا من هذا النهج هو ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة وبالتالي زيادة نفوذها.
في هذا السياق يعد التعاون مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية، ذو أهمية خاصة لتركيا. فهذه التعاون لا يساعد فقط في إضفاء الشرعية على مشاركة تركيا في مستقبل بل يوفر أيضاً إمكانية تأمين الموارد المالية اللازمة لإعادة إعمار هذا البلد.
خلال الربيع العربي اتبعت تركيا والسعودية سياسات مختلفة تجاه الإسلام السياسي. إذ كانت السعودية قلقة من التهديدات الناجمة عن الاحتجاجات العربية والإسلامية، لذا لم تدعم العديد من هذه الاحتجاجات، بينما دعمت تركيا العديد من الحركات الثورية في العالم العربي. لكن بعد بدء الحرب في سوريا بدأت السعودية التي كانت معارضة لبشار الأسد، في دعم الثورة السورية بهدف الحد من نفوذ إيران في سوريا.
والآن تسعى كل من تركيا والسعودية إلى تحقيق سوريا موحدة ومستقرة مما يمنعها من أن تصبح مركزاً للإرهاب. كما ترغب كلتا الدولتين في منع زيادة نفوذ إيران في سوريا ولبنان ومواجهة تأثير هذا البلد في العراق. لا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا في حال كانت سوريا تمتلك حكومة شاملة وتمثل جميع الأعراق والأديان.
تعتبر هذه الشمولية والتقارب بين تركيا والسعودية وكذلك بقية دول المجتمع الدولي أولوية مشتركة. ويرغب البلدان في إقامة السلام والاستقرار في سوريا، وأيضاً في أن يكون لديهما القدرة الاقتصادية على إعادة إعمار هذا البلد. قد توفر إعادة الإعمار هذه أساساً لعودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا والسعودية إلى بلادهم.(1)
تركيا وإدراكاً منها للمخاوف بعودة الإسلام السياسي إلى الأراضي العربية، تركز بشكل خاص على تعزيز تعاونها مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية. كما تقوم أنقرة بتبني دبلوماسية نشطة وفعالة مع القادة الجدد في سوريا ودول الخليج الفارسي.
يجب تحليل التعاون بين تركيا والسعودية في سوريا في إطار أوسع من التقارب بين البلدين. فقد بدأ هذا التقارب منذ بداية العقد الجديد ومنذ ذلك الحين أصبح أكثر قوة. وقد أثبتت الدولتان أنهما قادرتان على تجاوز قضايا الماضي مثل اغتيال جمال خاشقجي، والانقلاب في مصر عام 2013، والحرب الأهلية في ليبيا، والحصار المفروض على قطر، وتوسيع علاقاتهما في مجالات جديدة.
يبدو أن صانعي السياسات في تركيا قد أدركوا أهمية التعاون مع المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار في سوريا. وتدرك تركيا تمامًا أن وجود محمد بن سلمان ولي عهد السعودية وتأثير اللوبي السعودي في واشنطن يتيح لرياض فرصة إقناع البيت الأبيض برفع العقوبات وإنهاء القيود المفروضة على الجماعات المعارضة لبشار الأسد.
وفي هذا السياق فإن نهج إسرائيل تجاه سوريا بعد حكم بشار الأسد قد ساهم أيضًا في تعزيز التقارب بين تركيا والسعودية. فقد استخدم المسؤولون في أنقرة والرياض منذ سقوط نظام الأسد لغة قاسية في إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية. وتعتبر كلتا الدولتين هذه الإجراءات تهديدًا لفترة الانتقال في سوريا وتؤكدان أن الاحتلال الإسرائيلي سيساهم في زيادة عدم الاستقرار وتعزيز التقسيم في المنطقة.
تعتقد أنقرة والرياض أنه في حال استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، فإن الوضع سيصبح أكثر تعقيدًا مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات والتوترات في المنطقة. لذلك تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها في سوريا من خلال تقليل نطاق التوترات مع المملكة العربية السعودية.(2)
لقد بدأت تركيا والسعودية التعاون في إعادة إعمار سوريا. ومع ذلك نظرًا للدمار الواسع الذي لحق بسوريا والذي تقدر تكلفته بين 400 إلى 700 مليار دولار، فإن أيًا من البلدين بمفرده غير قادر على تأمين هذه التكاليف. لذا فإن توجيه جهود إعادة الإعمار من قبل تركيا والسعودية قد يحفز دولًا أخرى في المنطقة والجهات الفاعلة الدولية للمشاركة في هذه العملية.
في النهاية لا شك أن هذه التعاونات ستعمق العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية. يمكن أن يصبح هذا التعاون نموذجًا يحتذى به لبقية دول المنطقة وفي الوقت نفسه تتحول سوريا إلى محفز لزيادة تدخل تركيا والسعودية في التطورات الإقليمية.
محمد صالح قرباني
1- https://www.atlanticcouncil.org/blogs/turkeysource/syrias-rebuilding-is-bringing-us-partners-turkey-and-saudi-arabia-closer-together