التبعات الاقتصادية لحرب غزة

في الأيام الأخيرة وبعد اتفاق الهدنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدأ العديد من المحللين والخبراء في حساب التكاليف الباهظة للحرب المدمرة التي شنها النظام الإسرائيلي في الأشهر الخمسة عشر الماضية(1). تحتاج حكومة نتنياهو التي تعاني من أزمة قضائية إلى معالجة الأمور الاقتصادية في الأراضي المحتلة لمواصلة مهامها وهي تواجه في هذا السياق أزمة غير مسبوقة. تفيد وسائل الإعلام الغربية بأن تكلفة الحرب في غزة تقترب من 130 مليار دولار مما يعرض استمرارية نتنياهو في الحكومة الائتلافية لخطر جسيم. سنناقش في ما يلي هذا الموضوع وسنستعرض الأبعاد الاقتصادية لحرب غزة والأزمة التي يواجهها نتنياهو.

الأزمة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة
إن واحدة من القضايا التي كانت تؤكد عليها الشخصيات السياسية في النظام خلال الأشهر الأولى من عملية "طوفان الأقصى" هي ضرورة عدم استمرار الحرب مع غزة لفترة طويلة. خلال نحو 15 شهرًا من العمليات العسكرية للجيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان وسورية تكبدت حكومة نتنياهو تكاليف اقتصادية هائلة(2). وقد تفاقمت هذه التكاليف نتيجة الحصار الاقتصادي على موانئ النظام الصهيوني من قبل المقاومة اليمنية، حيث تم تأمين العديد من السلع المستوردة للنظام عبر التجارة البحرية.

لقد زادت الأزمة الاقتصادية للنظام من تعقيد الأمور بالنسبة لحكومة نتنياهو نتيجة للدعم المحدود الذي تقدمه الدول الغربية لإسرائيل في ظل الحرب الأوكرانية ضد روسيا، وعندما مرر الكونغرس الأمريكي عدة حزم اقتصادية وعسكرية تحت ذريعة دعم النظام الإسرائيلي، جعل أوكرانيا تعبر في مرحلة من المراحل عن استيائها بشكل غير مباشر.

أزمة شرعية حكومات الكيان المحتل
تتشكل حكومات النظام الإسرائيلي في السنوات الأخيرة غالبًا على شكل ائتلافات بسبب المشكلات العميقة الاقتصادية والسياسية. وتتكون الحكومات الائتلافية من عدة مجموعات سياسية ذات آراء مختلفة، وغالبًا ما تكون هذه المجموعات لديها اختلافات فكرية كبيرة فيما بينها. وحكومة نتنياهو الحالية ليست استثناءً من هذه القاعدة. نظرًا للتحديات الاقتصادية العميقة والهدنة المفروضة التي فرضتها الدول الغربية والعربية على حكومة نتنياهو الائتلافية(3)، هناك احتمال كبير لتمزق التحالف بين الجماعات المتطرفة التي تدعم حكومة اليمين المتطرف. وهذه الأزمة ناجمة عن المشكلات الاقتصادية العميقة التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية المحتلة على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية.

أزمة هجرة اليهود من الأراضي المحتلة
العديد من الشركات الاقتصادية والتكنولوجية التي تم تأسيسها مؤخراً بفضل استثمارات الدول الغربية في الأراضي الفلسطينية أصبحت مضطرة، في ظل الأوضاع الحربية، إلى الحل أو الانتقال إلى دول أوروبية. مما دفع العديد من العاملين والمستفيدين من وجودهم في هذه الشركات إلى الهجرة إلى الدول الأوروبية.(4) كما تأثر الطلاب اليهود الذين هاجروا إلى الأراضي المحتلة تحت ذريعة العمل في هذه الشركات. ولقد تركت هذه الأزمة آثارًا معنوية ونفسية ملحوظة على اليهود المقيمين في الأراضي المحتلة. إن هجرة اليهود المقيمين في الأراضي المحتلة إلى دول أخرى قد تكون بمثابة إنذار خطير للحكومة الصهيونية، وهذه القضية مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية السيئة لحكومة نتنياهو.

الختام
بشكل عام، يجب القول إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لحكومة نتنياهو تتأثر بالعديد من العوامل، مما قد يعرض مستقبل النظام للخطر إذ يمكن أن تؤدي عوامل القوة الإقليمية إلى خلق مشكلات كبيرة للحكومات اليهودية في المستقبل، نتيجة الظروف الاقتصادية الناتجة عن الحرب المدمرة التي شنتها نتنياهو ضد عدة دول في منطقة غرب آسيا، مما ألحق أضرارًا بالغة بقدرات الحكومة المحتلة. وستظهر هذه الأضرار بشكل أكبر في المستقبل كما ستقوم الولايات المتحدة لمعالجة المشاكل الاقتصادية للنظام في الأشهر القادمة بتجهيز مزيد من حزم المساعدات الاقتصادية والعسكرية. حيث إنه إذا ضعف وكلاء الدول الغربية في منطقة غرب آسيا فإن العديد من المشاريع الغربية في المنطقة ستفشل.

امير علي يگانة

1. https://www.aa.com.tr/en/middle-east/israel-s-gaza-war-costs-exceed-67b-report/3447613 
2. https://www.chathamhouse.org/2024/10/israels-wars-have-sustained-destructive-leadership-which-brought-it-crisis 
3. ةhttps://www.theguardian.com/world/2025/jan/19/gaza-ceasefire-will-israel-hamas-agreement-hold 
4. https://www.presstv.ir/Detail/2025/01/01/740157/Israel-reverse-migration-crisis?ht-comment-id=21857065