جزيرة الغلاء وليس الرخاء!

إن اعتماد بريطانيا على الأسواق العالمية لتوفير السلع الأساسية وخاصة الغذاء والطاقة يجعلها عرضة للاهتزازات الاقتصادية على المستوى الدولي. حيث يُعتبر حوالي 40% من المواد الغذائية في بريطانيا واردات ويظل الاتحاد الأوروبي مورداً مهماً لهذا البلد.

ابريل 11, 2025 - 16:09
جزيرة الغلاء وليس الرخاء!
جزيرة الغلاء وليس الرخاء!

إن تكلفة المعيشة في بريطانيا تتأثر في السنوات الأخيرة بعوامل اقتصادية متعددة تتفاعل مع بعضها بطرق معقدة. تُعَدّ الاعتمادية على السوق العالمية وضعف الإنتاج المحلي وآثار السياسات الاقتصادية الحكومية من بين العوامل الرئيسية المؤثرة في ذلك. لقد خلقت هذه العوامل مع استمرار التضخم والنقاشات حول الاكتفاء الذاتي الاقتصادي بيئة مليئة بالتحديات للأسر في جميع أنحاء بريطانيا.

إن اعتماد بريطانيا على الأسواق العالمية لتوفير السلع الأساسية وخاصة الغذاء والطاقة يجعلها عرضة للاهتزازات الاقتصادية على المستوى الدولي. حيث يُعتبر حوالي 40% من المواد الغذائية في بريطانيا واردات ويظل الاتحاد الأوروبي مورداً مهماً لهذا البلد. كما أن الاعتماد على الطاقة المستوردة مرتفع جدا، حيث وصل إلى 43% في عام 2024. وقد أدت الأحداث الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع شديد في تكاليف المدخلات الزراعية وساهمت في عدم استقرار أسعار الطاقة. كما أثرت الأحداث المناخية في جميع أنحاء العالم على الزراعة العالمية مما أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية المستوردة. زد على ذلك فإن الاضطرابات في طرق النقل الدولية وفرض التعريفات التجارية زادت من تكاليف السلع المستوردة.[1]

بالإضافة إلى ذلك، يُعاني ضعف الإنتاج المحلي من مشكلة الاعتماد على السوق العالمية. على الرغم من قوة قطاع الخدمات في بريطانيا تواجه القاعدة الإنتاجية والصناعية لهذا البلد صعوبات في تلبية احتياجات السوق المحلي. فشلت العديد من الصناعات بما في ذلك قطاعات الغذاء والطاقة في زيادة الإنتاج المحلي بشكل كافٍ مما خلق فجوة يجب ملؤها بالواردات. إن هذا الضعف في الإنتاج المحلي لا يقتصر على تقليل قدرة البلاد على حماية نفسها من ارتفاع الأسعار العالمية فحسب بل يعيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي على المدى الطويل أيضاً. في عصر تستثمر فيه العديد من الاقتصاديات المتقدمة في إنتاج محلي مستدام ومرن،  يظهر تأخر بريطانيا في هذا المجال في زيادة الضغوط  المعيشية على المستهلكين، مما يرفع تكاليف الحياة بشكل أكبر.[2]

تلعب السياسات الاقتصادية الحكومية دورًا مهمًا في تشكيل جودة وتكلفة المعيشة. في السنوات القليلة الماضية كانت البرامج السياسية الحكومية متباينة بين إجراءات مصممة للتخفيف من أزمة تكلفة المعيشة وطرق تقشف تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي. على سبيل المثال استجابةً للارتفاع الهائل في أسعار الطاقة والتضخم، قدمت الحكومة إجراءات مثل خطة ضمان أسعار الطاقة التي كانت تحد من فواتير الطاقة للأسر بشكل مؤقت. [3]وبينما تقدم هذه السياسات حلاً قصير الأمد إلا أنها لا تُعتبر بديلاً للإصلاحات الهيكلية على المدى الطويل. علاوة على ذلك تم انتقاد السياسات الضريبية - مثل الزيادة في مساهمات التأمين الوطني - بسبب تحميلها تكاليف إضافية على المستهلكين، مما أدى إلى زيادة أسعار التجزئة. وغالبًا ما تعكس هذه السياسات الاقتصادية توازنًا بين تقليل الدين العام وحماية معايير الحياة، ولكن التأثير الفوري لها كان زيادة العبء على الأسر خاصة الأسر ذات الدخل المنخفض.

كما أن التضخم لا يزال أحد أكثر القضايا استدامة وتأثيرًا على تكلفة المعيشة. بعد تصاعد أزمة الطاقة العالمية تذبذب التضخم لكنه لا يزال مصدر قلق رئيسي لصانعي السياسات والمستهلكين على حد سواء. على الرغم من أن التضخم بدأ في التعدّل في أوائل عام 2024، إلا أن التوقعات لعام 2025 تشير إلى أن أسعار المستهلكين قد ترتفع مرة أخرى بسبب الضغوط الناتجة عن أسعار الطاقة العالمية والاختناقات في سلسلة الإمداد. إن التضخم المستمر يقوّض القوة الشرائية للأسر مما يعني أنه حتى إذا ارتفعت الأجور الاسمية فإن الدخل الحقيقي - أي كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بالنقود - يستمر في الانخفاض. يُعَدّ هذا الضغط التضخمي المستمر المحرك الرئيسي لزيادة تكلفة المعيشة ويبرز أهمية الاستجابات المنسقة للسياسات النقدية والمالية من أجل استقرار الأسعار.[4]

لحل هذه القضايا يدعم العديد من الخبراء استراتيجيات تهدف إلى تحقيق مستوى أعلى من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي. إن إنشاء قدرة إنتاج محلي خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والإنتاج المتقدم، والزراعة يمكن أن يقلل من اعتماد بريطانيا على الأسواق العالمية غير المستقرة. على سبيل المثال يمكن أن تساعد المبادرات الهادفة إلى الاستثمار في البنية التحتية للطاقة المحلية وتعزيز الإنتاج المحلي في استقرار الأسعار وحماية الاقتصاد من الصدمات الدولية. من خلال التركيز على الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، يمكن لبريطانيا إنشاء اقتصاد أكثر مرونة يمكنه دعم النمو المستدام على المدى الطويل والمساعدة في تقليل العبء عن تكاليف المعيشة على المستهلكين.

نتيجة لذلك تعَدّ أزمة تكلفة المعيشة في بريطانيا بين عامي 2023 و2025 قضية معقدة تتطلب استراتيجية متوازنة لتقديم الدعم الفوري للأسر وتنفيذ إجراءات طويلة الأجل لزيادة المرونة الاقتصادية والاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية. سيكون من المهم للغاية متابعة الاتجاهات الاقتصادية والاستجابات السياسية المتسقة لضمان تحسين مستدام في مستويات المعيشة لجميع سكان بريطانيا، حتى يتمكن الناس في هذا البلد من الخروج من تحت وطأة تكاليف المعيشة المرتفعة بسلام.

امين مهدوي



[1] theguardian.com

[2] thetimes.com

[3] moneyweek.com

[4] niesr.ac.uk