المستنقع الصحي في الإمبراطورية!
في السنوات الأخيرة شهدت بريطانيا مشكلات متزايدة في مجال الوصول إلى الأدوية الضرورية. وتظهر البيانات الإحصائية لعامي 2023 و2024 أن نقص الأدوية أصبح حدثًا شائعًا وأن له تأثيرًا ملحوظًا على نظام الصحة والرعاية وسلامة المرضى في جميع أنحاء البلاد.

تعاني بريطانيا من أزمة صحية في مختلف مجالات قطاع الصحة وذلك في السنوات الأخيرة، و يبدو أن قضية الصحة أصبحت تشكل تحديًا كبيرًا للحكومات المختلفة في هذا البلد وإذا لم يتم معالجتها فقد يؤدي ذلك إلى انهيار نظام الرعاية الصحية في البلاد. وفي سياق هذه الأزمة يمكن التطرق أيضًا إلى قضية نقص الأدوية والعقاقير.
في السنوات الأخيرة شهدت بريطانيا مشكلات متزايدة في مجال الوصول إلى الأدوية الضرورية. وتظهر البيانات الإحصائية لعامي 2023 و2024 أن نقص الأدوية أصبح حدثًا شائعًا وأن له تأثيرًا ملحوظًا على نظام الصحة والرعاية وسلامة المرضى في جميع أنحاء البلاد. تلعب عوامل مثل ارتفاع تكاليف الأدوية وعدم اتخاذ الحكومة أي إجراء على الرغم من التحذيرات من قبل الصيادلة وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جميعها دورًا حاسمًا في هذه القضية الملحة.
أصبح نقص الأدوية في بريطانيا موضوعاً شائعاً حيث أبلغت الشركات الدوائية في عام 2023 عن 1634 حالة نقص في الإمداد إلى وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية مما يُظهر زيادة كبيرة مقارنة بـ 648 تحذيرًا في عام 2020. واستمر هذه الرقم بالإزدياد في عام 2024 أيضًا، حيث تم الإبلاغ عن 1938 حالة نقص في الأدوية وهو أعلى رقم في السنوات الأربع الماضية. تشمل هذه الحالات مجموعة واسعة من الأدوية بما في ذلك الأدوية الحيوية لعلاج أمراض مثل الصرع وهذا يؤدي إلى مخاطر جدية لصحة المرضى.[1]
بالإضافة إلى ذلك فإن عدم الوصول المتكرر إلى الأدوية له عواقب عميقة على كل من المرضى ونظام الصحة العامة. وأظهر استطلاع أُجري في عام 2024 أن نحو نصف البالغين البريطانيين واجهوا صعوبات في الحصول على أدويتهم الموصوفة خلال العامين الماضيين. ويمثل الأمر مصدر قلق أن واحدًا من كل اثني عشر شخصًا لم يتمكن من الحصول على دوائه على الرغم من زيارة عدة صيدليات. لا تُعرض مثل هذه التحديات صحة المرضى للخطر فحسب بل تُضعف أيضًا الثقة في نظام الصحة العامة.[2]
يقف الصيادلة في خط المواجهة في هذه الأزمة وغالبًا ما يواجهون مهمة صعبة تتمثل في إصدار "إيصالات مؤقتة" - وهي وصفات جزئية مع وعد بإكمالها بعد استعادة الإمداد. أظهر استطلاع أُجري في عام 2024 بواسطة "Community Pharmacy England" أن 79% من موظفي الصيدليات يعتقدون أن نقص الأدوية يُعرض صحة المرضى للخطر وصرَّح 91% من أصحاب الصيدليات بزيادة كبيرة في النقص مقارنة بالعام السابق. يؤدي هذا الوضع إلى مزيد من الضغط على المتخصصين في الرعاية الصحية ويعطل استمرارية رعاية المرضى.
وأيضًا فإن العبء المالي لنقص الأدوية يُعتبر كبيرًا، ففي السنة المنتهية في سبتمبر 2023 تكبدت NHS تكلفة إضافية قدرها 220 مليون جنيه إسترليني بسبب الامتيازات السعرية - وهي اتفاقيات لدفع أسعار أعلى للأدوية النادرة لضمان توفرها. هذه التكاليف غير المتوقعة تُحول الميزانية من تخصيصها لمجالات هامة أخرى في نظام الصحة والرعاية وهذا يؤثر سلبًا على جودة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية.[3]
بالإضافة إلى ذلك فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أفضى إلى تداعيات ملحوظة على سلسلة إمدادات الأدوية. لقد أدت البريكست إلى ظهور عمليات تفتيش جمركية واختلافات تنظيمية. وقد تم التعرف على هذا الاضطراب كعامل رئيسي في الزيادة الأخيرة لنقص الأدوية. لقد فاقمت البريكست أزمة نقص الأدوية في بريطانيا إلى حد ما. وفقًا للتقارير منذ يناير 2021 زادت تكاليف استيراد الأدوية الإدارية بنسبة 23% بينما ارتفع متوسط زمن المعالجة عند الحدود إلى ما بين 3 إلى 5 أيام وأفادت 68% من الشركات الدوائية بأنها تواجه تعقيدًا في سلاسل إمداداتها.
علاوة على ذلك أدى انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني بعد البريكست إلى جعل بريطانيا سوقًا غير جذاب نسبيًا للشركات الدوائية مما أدى إلى خروج بعض منها من السوق البريطانية. وقد عزز هذا التغيير الاقتصادي إلى جانب نقاط الضعف في سلسلة الإمداد العالمية نقص الأدوية الضرورية.
ومع ذلك استجابةً لأزمة نقص الأدوية وضعت الحكومة البريطانية مجموعة من التدابير. تشمل هذه التدابير تخصيص 500 مليون جنيه إسترليني في عام 2024 لزيادة مرونة سلسلة إمداد الأدوية وإبرام اتفاقيات جديدة مع شركاء الاتحاد الأوروبي لتأمين الأدوية بشكل طارئ وتحديث البروتوكولات الحالية لإدارة حالات النقص فضلاً عن تنفيذ أنظمة رقابية متطورة لمراقبة حالة إمداد الأدوية في البلاد بشكل أكثر دقة.
ختاماً، فإن أزمة نقص الأدوية في بريطانيا قد كشفت عن نقاط الضعف الأساسية في البنية التحتية الصحية لهذا البلد. وعلى الرغم من أن البريكست قد زاد من تعقيد هذه الحالة فإن التصدي لها يستلزم معالجة التحديات السابقة والجديدة. إن النجاح في هذا الأمر يتطلب إجراء تنسيق بين الحكومة ومقدمي الخدمات الصحية والشركات الدوائية بالإضافة إلى استثمار جاد في مرونة سلسلة الإمداد وزيادة القدرة الإنتاجية المحلية وهو ما يحمل معه تحدياته الخاصة كالتنسيق وسبل تأمين التمويل والتوافق بين السياسات الاقتصادية والصحية. ومع ذلك فإن صحة ورفاهية ملايين البريطانيين تعتمد على إيجاد حلول فعالة لهذه الأزمة المتنامية وإلا فإنهم سيظلون عالقين في هذه الأزمة وقد يغرقون فيها.