تدهور الوضع الأمني في سورية
إن ماحصل في الساحل السوري في الفترة الماضية عار على جبين الإنسانية فقد تمت تصفية عائلات بأكملها ومناطق قتلوا فيها جميع الذكور وفي رواية أحد سكان اللاذقية: "لقد تنقل رجال مسلحون من منزل إلى آخر وهاجموا الناس كنوع من التسلية.

عندما يسقط النظام في أي بلد، من الطبيعي أن تحدث وقائع أمنية كبيرة وخطيرة ريثما يستقر الوضع في البلاد. لكن كيف إذا كان هذا البلد سورية التي عانت من 14 سنة من الحروب والحصار والصراعات الداخلية والخارجية، فلكم أن تتخيلوا ماهو حجم الإنفلات الأمني الذي يحدث في ظل أحداث دامية خلفتها حرب طويلة انتصر فيها أحد الأطراف مدة من الزمن، والآن انقلبت الآية وانتصر الطرف الآخر الذي كان النظام السابق يحاربه. وبات الحكم الحالي بيد هؤلاء الذين جاءت بهم تركيا يحملون أفكاراً متطرفة ونهجاً إقصائياً ولّد سياسة انتقامية ليس فقط من رمزو الدولة والنظام السابق فحسب بل حتى من جميع شرائح المجتمع التي كانت تدعم الدولة. وهذا للأسف أصبح محط سخط كبير عند جميع شرائح المجتمع لأنهم يتعاملون بمبدأ الطائفية والأكثرية والأقلية وبتطرف شديد وفكر متطرف لايسلم منهم أحد. هذا المقال سيتطرق للوضع الأمني في سورية في ظل الحكم الحالي والانتهاكات التي تحصل ضد الأقليات وحقوق الانسان من قبل المجموعات المسلحة التابعة للسلطة الحالية.
سياسة التخبط والفوضى
عندما وصلت هيئة تحرير الشام بزعامة ابو محمد الجولاني إلى دمشق، كانت تبعث رسائل تطمئن بها الجميع بأن الوضع سيتحسن وستبدأ مرحلة جديدة من الحكم العادل بعيداً عن الانتقام، والأهم من ذلك إطلاق وعود لباقي الأقليات والطوائف بالحماية وعدم التعرض لها، وهذا ماحاولت تطبقه ربما في الفترة الأولى ولكن مالبث أن تحولت كل تلك الوعود والأقاويل إلى مجرد كلام في الهواء. وعاد "أحمد الشرع" ذو البدلة الرسمية وربطة العنق إلى التعامل مع الوضع كأبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة الإرهابية. هذا التخبط في الوضع الأمني بين هادىء ومشتعل يعود إلى العقلية المتخبطة التي تدير البلاد، فتارةً، وفي الغالب، يتصرفون كعصابات همجية تلاحق الأفراد ولاتفرق بين مطلوب للعدالة فعلياً أو بريء لا ناقة له ولاجمل؛ تقودهم الأحقاد الطائفية والفتاوي التكفيرية فلا ينجو من غطرستهم إلا طويل العمر. وتارةً تراهم يحكمون بمنطق الدولة والمدنية ولو مثلوا ذلك تمثيلاً حفاظاً على الرأي الدولي لسحب الإعتراف بهم على الأقل سياسياً. [1]
الإنفلات الأمني المتعمد
لم يعد يخفى على أحد في سورية أن الوضع الراهن في عموم البلاد ليس آمناً ولاتوجد محافظة في سورية إلا وفيها من الأحداث الأمنية والتعديات الكثير، من قتل على الهوية أو خطف أو إهانات وتعديات على الحقوق والممتلكات عدى السرقات وفرض السلطة الهمجية على حياة الناس، وكل ذلك تراه من قبل مجموعات ماتسمى بالأمن العام والفصائل التابعة له ومنها مجموعات أجنبية معظم أفرادها من دول متعددة لم يستطع الشرع حتى الآن السيطرة عليها أو ضبطها ضمن أي قانون...
ارتكاب مجازر وإبادة جماعية
ماحدث في السابع من آذار في الساحل السوري خير دليل على ماسبق، حيث وصلت الإنتهاكات والقتل الجماعي والتعديات الطائفية في قرى الساحل ومدنه إلى حد لايطاق وظهور بداية مقاومة وثورة مضادة ضد الظلم والتعديات الحاصلة في مناطق الساحل، الذين عرفوا أن لاحل مع هذه الجماعات إلا المقاومة، ولكن عقلية الشرع ومن حوله لم تتصرف بحكم القانون والعقل الوازن الذي يخلص المنطقة من الإقتتال الطائفي بل سمحوا لشيوخ الجوامع في كل المحافظات بإعلان الجهاد على الطائفة العلوية وهم يعلمون جيداً أن المجازر والإبادة الجماعية ستحصل بحق الأبرياء والمدنيين والنساء والأطفال لإن هذه هي عقيدتهم التي تعلموها في صفوف جبهة النصرة والقاعدة، وقد حصل ماحصل في الساحل السوري ووصل عدد الضحايا إلى أكثر من 15 ألفاً وخطف واعتقال أكثر من 20 ألف شخص معظمهم من المدنيين.
هذه الأعمال الإجرامية لن يمحيها التاريخ وستبقى سيرتهم الملوثة بدم الأبرياء شاهدة على جورهم وظلمهم لتؤكد على أنهم لا ولن يستطيعوا الإستمرار بحكم دولة مثل سورية، هم يهمهم أن تبقى البلاد في حالة فوضى دائمة، وحتى لو استقر الوضع يختلقون أحداثاً مفتعلة لتبقى اليد الحديدية نشطة والقبضة الأمنية فعالة يخيفون فيها الشعب لإنهم لايعرفون الرحمة ولا الرأفة ولا يهمهم تطبيق القانون أو فرض نظام الدولة والمحاكم والقضاء، فقد أعطوا لنفسهم كل تلك الصلاحيات.
العنف والإعدامات الميدانية
إن ماحصل في الساحل السوري في الفترة الماضية عار على جبين الإنسانية فقد تمت تصفية عائلات بأكملها ومناطق قتلوا فيها جميع الذكور وفي رواية أحد سكان اللاذقية: "لقد تنقل رجال مسلحون من منزل إلى آخر وهاجموا الناس كنوع من التسلية... لقد أعلنوا علينا الجهاد من كل أنحاء سورية" وقال أيضاً لقد هربت من المدينة السبت بعد 30 عاما من العيش فيها، وقال لـCNN إن السكان بدأوا برؤية الجثث في جميع الشوارع. وقال: "كان الناس يهربون، ومن لم يستطع فعل ذلك قُتل"، في حين قال أحد المقيمين في اللاذقية، واسمه بشير، لـCNN: "عمي الذي يبلغ من العمر 70 عاما وهو بروفيسور في التاريخ وزوجته البالغة من العمر 60 عاما قُتلا بدم بارد". كلاهما كان من الطائفة العلوية ويقيمان في مدينة بانياس غربي محافظة طرطوس. [2]
تحذيرات من قبل الدول والمنظمات الخارجية
خلال الفترة الماضية، دعت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها، مواطنيها إلى عدم السفر إلى سورية بسبب تزايد احتمال وقوع هجمات في سورية، خلال عطلة عيد "الفطر".وأوضح البيان أن التحذير هو "من المستوى الرابع- لا تسافر"، وقال: "نحذر مواطنينا من السفر إلى سورية نظراً إلى المخاطر الكبيرة المتمثلة في الإرهاب والاضطرابات المدنية والاختطاف واحتجاز الرهائن والصراع المسلح والاحتجاز غير العادل". ولفت البيان إلى أن الهجمات "قد تستهدف السفارات والمنظمات الدولية والمؤسسات العامة في دمشق"، موضحاً أن "أساليب الهجوم قد تشمل المهاجمين الأفراد والمسلحين أو استخدام الأجهزة المتفجرة ".[3]
الخلاصة
بلاشك أن معظم الشعب السوري بات يعلم تماماً حقيقة هؤلاء الإرهابيين الذين جاؤوا واستولوا على السلطة بطرق غير شرعية وغير دستورية، وقد سُمح لهم بالوصول إلى دمشق وبدون أي مقاومة بعد إعطاء الأوامر للجيش بعدم القتال ضدهم، وهذا يعني أنهم ينفذون أوامر خارجية ولهم دورٌ محدد سيقومون بفعله خدمة لمصالح الدول المعنية بسورية، وأن مايحصل من قتل وخطف وتصفيات عرقية وطائفية هو مخطط له لإشعال المنطقة باقتتال طائفي ومذهبي وانقسام بين فئات المجتمع السوري، ولكن نسيوا أن تاريخ سورية أكثر من عشرة آلاف عام وأن هذا البلد مهما تعرض للعواصف سيعود أقوى وأجمل بمحبة شعبه وتلاحمه بعد الخلاص من هذه الشرور والعصابات الإرهابية والتي باتت نهايتها حتمية مهما طالت الأيام.