التوجه نحو نظم عالمي جديد!
علاوة على ذلك يمكن لموسكو أن تستخدم هذه المفاوضات لضمان مساعدات اقتصادية مقابل التعهد برفع أو تخفيف بعض العقوبات وبذلك تدعم اقتصادها على المدى الطويل.

في تحول جذري جديد قد يتغير المشهد الجيوسياسي للعالم من خلال إجراء مفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة في الرياض. إن موقع انعقاد هذه القمة يمثل رمزًا لنفوذ المملكة العربية السعودية المتزايد، حيث تتولى المملكة الوساطة في حوار قد يعيد تعريف مسار النزاع في أوكرانيا وتوازنات النظام العالمي الأشمل. وقد جرت هذه المفاوضات في خضم علاقات متوترة بين روسيا والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وقد يؤدي نتائجها المحتملة إلى تمهيد الطريق نحو اتفاق من شأنه أن يغير ميزان القوى على مستوى العالم.
تتميز هذه اللقاءات بوجود فائزين حيث ستكون روسيا واحدة من أكبر وأهم هذه الأطراف. لقد تحمّلت روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا عقوبات اقتصادية صارمة ووقعت في عدد كبير من التحديات السياسية والعسكرية. ومع ذلك من خلال هذا الحوار المباشر مع الولايات المتحدة قد تتمكن روسيا من تقليل الآثار السلبية للحرب. وذلك من خلال البحث عن حل يسمح لها بالحفاظ على السيطرة على بعض المطالبات الإقليمية أو الحصول على ضمانات بشأن عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. علاوة على ذلك يمكن لموسكو أن تستخدم هذه المفاوضات لضمان مساعدات اقتصادية مقابل التعهد برفع أو تخفيف بعض العقوبات وبذلك تدعم اقتصادها على المدى الطويل.
بالنسبة للولايات المتحدة فإن المكاسب متعددة الأبعاد. يمكن لأمريكا أن تؤكد أهداف سياستها الخارجية من خلال تحقيق اتفاق يقلل من التوترات مع روسيا ويمنع نشوب نزاع طويل الأمد. كما يمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تحظى بأداة إضافية لضغط على حلفائها الأوروبيين، وتقديم نفسها كمنسق رئيسي لأي اتفاق وتحديد شروط العلاقات الأمنية والاقتصادية المستقبلية مع روسيا وأوكرانيا حتى بالنسبة لشركائها الأوروبيين. كما أن إمكانية تقليل عدم الاستقرار العالمي خاصة في أسواق الطاقة، يمثل أمراً مهمًا لواشنطن في سعيها لهذا الاتفاق.
ومع ذلك فإن الأطراف الأكثر تضررًا ستكون أوكرانيا وأوروبا. قد تجد أوروبا بصفتها لاعبًا إقليميًا، نفسها في موقف ثانوي في هذه المفاوضات على الرغم من كون الاتحاد الأوروبي أحد أقوى داعمي أوكرانيا في مواجهة روسيا. لقد كانت أوروبا لفترة طويلة تعاني من انقسامات حول كيفية التعامل مع تهديد روسيا، حيث تدعم دول مثل ألمانيا وفرنسا الدبلوماسية، بينما تدعو بعض الدول الأخرى إلى تدخل عسكري أقوى. في هذا السياق قد تكون أوروبا غير قادرة على تشكيل نتائج النقاشات ما لم تقدم تنازلات كبيرة للولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك ستجد أوكرانيا كطرف مباشر في هذا النزاع نفسها في موقع هش، على الرغم من أن كييف قد حاربت بشجاعة ضد روسيا إلا أن مصيرها في النهاية مرتبط بالقرارات المتخذة في الرياض. قد تكون أوكرانيا مضطرة لقبول نتائج هذه المفاوضات، خاصة إذا لم تتمكن أوروبا من الضغط على الولايات المتحدة بشكل كافٍ لتحقيق شروط أكثر ملاءمة. قد تعطي الولايات المتحدة لأوكرانيا خيارًا بين دعم عسكري محدود ومساعدات اقتصادية مع شروط قد تشمل تنازلات إقليمية كبيرة بما في ذلك فقدان بعض المناطق المتنازع عليها التي تدعيها روسيا.
إن الدور السعودي في هذه المفاوضات محوري. فالمملكة باعتبارها مضيفة للحوار تبرز كفاعل جيوسياسي مهم في منطقة الشرق الأوسط. ومن خلال دورها كوسيط تعزز المملكة وضعها الدولي وتظهر نفوذها الدبلوماسي وقدرتها على التفاعل مع كلتا القوتين العظميين. وتسعى الرياض منذ فترة طويلة إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة والصين ومن شأن استضافة مثل هذه المحادثات الحساسة أن يعزز دورها كوسيط في الدبلوماسية العالمية.
وتكمن النقطة الأخيرة المثيرة للسخرية في هذه المفاوضات في تأثيراتها الأوسع على سياسات القوة العالمية والسعي إلى تحقيق المصالح الاستراتيجية. في حين قدمت الولايات المتحدة نفسها باعتبارها الداعم الرئيسي لأوكرانيا والمدافع عن القيم الديمقراطية فإن المحادثات في الرياض تكشف عن واقع مختلف. إن أوكرانيا التي كانت بمثابة ساحة معركة للمصالح الغربية تجد نفسها الآن عرضة لحسابات دبلوماسية تتجاوز مخاوفها المباشرة. إن الولايات المتحدة رغم دعمها الظاهري للقضية الأوكرانية استخدمت في الواقع الصراع لتعزيز أهدافها الاستراتيجية الخاصة وهي؛ إضعاف موقف روسيا العالمي، وتعزيز دورها القيادي في حلف شمال الأطلسي، وإظهار هيمنتها المستمرة في الشؤون الدولية. لكن هذه المناورة الاستراتيجية كانت لها تكاليف باهظة وخاصة بالنسبة لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي. إن النتيجة الفعلية للمفاوضات سوف تظهر أنه في حين اكتسبت الأطراف المختلفة مزايا دبلوماسية، فإن أوكرانيا أصبحت مجرد بيدق في لعبة جيوسياسية أكبر. وعلى الرغم من نجاحاتها الدبلوماسية الظاهرية، تبرز الولايات المتحدة باعتبارها المخطط والسجان في آن معاً للمؤامرات الاستراتيجية. في واقع الأمر ومن خلال سعيها إلى تحقيق أهدافها طويلة الأجل، خلقت الولايات المتحدة وضعا فقدت فيه بشكل متزايد مصداقيتها أمام حلفائها الاستراتيجيين في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وتُظهِر هذه الشبكة المعقدة من المصالح والعواقب أنه في السياسة العالمية الحديثة، غالباً ما يأتي النصر بتكاليف خفية وأن السعي وراء المزايا الاستراتيجية قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة لجميع الأطراف المعنية، وربما حتى تتغير مواقف الحلفاء والأعداء.
امین مهدوی