سورية بعد بشار الأسد والمصالح الأمريكية
لطالما كان الموقع الجغرافي الحيوي لسورية محط أطماع الكثير من الدول وخاصة الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، لذلك بلغت سورية درجة مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية واهتم معظم الساسة الأمريكيين بالشأن السوري وقضايا المنطقة المتعلقة بالملف السوري والقضية الفلسطينية ومالها من أهمية لحماية إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.
لطالما كان الموقع الجغرافي الحيوي لسورية محط أطماع الكثير من الدول وخاصة الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، لذلك بلغت سورية درجة مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية واهتم معظم الساسة الأمريكيين بالشأن السوري وقضايا المنطقة المتعلقة بالملف السوري والقضية الفلسطينية ومالها من أهمية لحماية إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.
وتأتي أهمية الملف السوري بالنسبة لأمريكا بسبب الأطماع والنفوذ المختلفة في ظل وجود أجندات لدول أخرى منافسة مثل روسيا وإيران وتركيا وبعض دول الخليج وخاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة سابقا، فكان لابد من وجود أمريكي على الأرض والذي تمثل بالوجود العسكري لها وانتشار القواعد الأمريكية في الشمال والشرق السوري على امتداد الحدود بين العراق والأردن مع سورية وهي المناطق التي تكثر فيها آبار النفط والغاز. وسنرى ماهي المصالح القادمة للولايات المتحدة بعد سقوط نظام الأسد وما مدى بقاء وتوسع نفوذها بعد تهافت الكثير من الدول العربية والأجنبية لمباركة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد هيئة تحرير الشام المصنفة على قائمة الإرهاب حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
سقط نظام الأسد وسقطت معه أجندات كثيرة وملفات معقدة لطالما كان الباب مغلقاً أمام فتح النقاش حولها وخاصة قضية الدعم الكامل لحزب الله في لبنان وتعزيز جبهة المقاومة التي كانت سورية من أهم حلقاتها لمواجهتها المباشرة مع اسرائيل ومجاورتها لدول العراق ولبنان وفلسطين باقي دول المحور والذي يمتد حتى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن هنا كانت تتعقد الملفات مع بعضها كلما ازداد نفوذ طرف على آخرعلى امتداد الجغرافيا السورية؛ فمثلا روسيا قبل 2015 ليس كما هي بعد هذا التاريخ وخاصة بعد تشكيل أكبر قاعدتين عسكريتين لها في شرق المتوسط.
وأما أمريكا نفسها والتي بدأت التدخل العسكري في سورية بعد إعلانها الحرب على ماتسمى داعش بعد تشكيل حلف عسكري يهدف للقضاء على الدولة الإسلامية في سورية والعراق وذلك بتاريخ 30 ديسمر 2014م، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مرحلة جديدة من المطامع الأمريكية لتقوية نفوذها والسيطرة على الثروات النفطية في شرق البلاد.
في ذات السياق تسعى القيادة الجديدة في سورية الممثلة بهيئة تحرير الشام بزعامة الجولاني إلى كسب الرضا الأمريكي وتركيا من أجل تقديم الدعم اللازم لها لحكم البلاد ورفع العقوبات الاقتصادية وقبل كل ذلك إلغاء تصنيفها ضمن قوائم الإرهاب، بالطبع هذا يتطلب تقديم الكثير من التنازلات للولايات المتحدة ووعود بتنفيذ مايخدم مصالحها وتطبيق مايخدم المجتمع السوري في إشراك جميع شرائحه ومكوناته في الحكم والحياة السياسية.
وفي حوار مع الجزيرة نت، يقول البروفيسور ستيفن هايدمان، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة سميث بولاية ماساتشوستس الأميركية، والخبير غير المقيم بمركز سياسات الشرق الأوسط في معهد "بروكينغز" بواشنطن إن "الولايات المتحدة تنظر إلى المرحلة الانتقالية في سورية على أنها فرصة لتعزيز تحول إستراتيجي كبير في المشرق العربي، وتهميش إيران وتقوية الأنظمة العربية المعتدلة الموالية للغرب المنفتحة على علاقات أقوى مع إسرائيل".
ويضيف هايدمان "تشمل المصالح الأميركية كما حددتها إدارة بايدن حكومة سورية مستقرة وشاملة تستجيب لمجتمع متنوع، وقادرة على احتواء خطر تنظيم الدولة والتهديدات المتطرفة الأخرى، وأن تكون مندمجة جيدا في العالم العربي، وقادرة على إبقاء النفوذ الخارجي تحت السيطرة بما في ذلك نفوذ تركيا".
وقال وزير الخارجية الأميركية توني بلينكن في حوار موسع مع دانيال كورتز من مجلة فورين أفيرز "أعتقد أن لدينا مصلحة حقيقية في التأكد من أننا نبقى على معرفة بما يمكن أن تصبح عليه سورية إذا تركناها أرضا خصبة للإرهاب، ومصدرا للنزوح الجماعي للسكان، وكلاهما كان لهما عواقب وخيمة على بلدان خارج سورية".
كما كشف بلينكن أنه "لا توجد ضمانات على الإطلاق. لقد رأينا مرات عديدة يمكن استبدال ديكتاتور بآخر، ويمكن استبدال مجموعة من التأثيرات الخارجية بمجموعة أخرى من التأثيرات الخارجية. ويمكن لجماعة متطرفة أن تفسح المجال لجماعة متطرفة أخرى". ومن جانبه، قال السفير فريدريك هوف وهو أول مبعوث أميركي لسورية بعد قيام الثورة عام 2011 والخبير بالمجلس الأطلسي والأستاذ بجامعة بارد، للجزيرة نت " أفترض أن سياسة الرئيس ترامب تجاه سورية ستسعى إلى تعزيز تحييد إيران واستكمال تدمير تنظيم الدولة".
وإذا كانت هذه هي الأهداف يقول هوف "فسيوجّه ترامب فريقه للعمل عن كثب مع حكومة سورية جديدة وشاملة لتعزيز فعاليتها وشرعيتها من خلال تعزيز إعادة الإعمار وتقديم المساعدة الإنسانية عند الحاجة، وحتى المساعدة الأمنية لا يمكن استبعادها. وسيميل إلى إخراج القوات الأميركية من شمال شرق سورية، لكنه قد يؤجل هذا الانسحاب لمساعدة السلطات الجديدة على استكمال هزيمة تنظيم الدولة".
كل ما قرأناه حول التصريحات المعلنة الرسمية وشبه الرسمية من قبل المسؤولين والخبراء الأمريكيين تدل على أن أمريكا لها مصالح كبيرة في سورية وتسعى ليكون لها موضع قدم في السياسة القادمة وفي رسم خطوط عريضة تتماشى مع المصالح الأمريكية، ولهذا فإن سورية الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد تعد حالياً بمثابة أرض خصبة أمام جميع الدول التي ترى أن لها مصالح مع سورية، وقد بدأت بشق طرق وقنوات تواصل جديدة مع القيادة الحاكمة الحالية والتي تتمثل بحكومة الجولاني الإنتقالية المؤقتة والتي تدير شؤون البلاد اليوم بحسب المصالح المستقبلية التي تتوافق معها من حيث الأفكار، وإعادة الإعمار وتنفيذ المشاريع الإستثمارية وكسب المساعدات الدولية من بعض الدول الداعمة للجولاني كدول قطر وتركيا والكويت وربما السعودية قريبا كما يشاع و أيضاً دول الاتحاد الاوروبي، التي تنشط وتتهافت لتأخذ حصتها من الكعكة السورية. والمستقبل القريب سيظهر لنا ما هي نتائج كل هذه العلاقات المعلنة وسيكشف حقيقتها من زيفها على أرض الواقع.
1. www.aljazeera.net/encyclopedia/2024/6/25/الوجود-العسكري-الروسي-بسورية-أسبابه
2. www.france24.com/ar/20191007-سورية-تدخل-واشنطن-نزاع-انسحاب-أكراد-تركيا-الولايات-المتحدة