تهديد سعودي بفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة على أمريكا.. هل من الممكن اتساع الفجوة بين الرياض وواشنطن؟
تهديد سعودي بفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة على أمريكا.. هل من الممكن اتساع الفجوة بين الرياض وواشنطن؟
كشفت إحدى وثائق "ديسكورد" التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” مؤخراً، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هدد بفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة على أمريكا إذا ما نفذ الرئيس "جو بايدن" تهديداته بتطبيق قانون "منع الاحتكار" وفرض الحصار على الدول التي التزمت بقرار "أوبك بلس".
حيث قالت صحيفة "واشنطن بوست"، في تقرير لها، أنه بعد تعهد بايدن، في الخريف الماضي، بفرض "عواقب" على السعودية لقرارها خفض إنتاج النفط وسط ارتفاع أسعار الطاقة والانتخابات التي تقترب بسرعة في الولايات المتحدة، هدد بن سلمان بشكل خاص بقطع العلاقات بين البلدين، والانتقام اقتصادياً، وفقا لوثيقة مخابرات أمريكية سرية.
وأشارت إلى أنه "في العلن، دافعت الحكومة السعودية عن أفعالها بأدب من خلال البيانات الدبلوماسية. لكن في السر، هدد ولي العهد بتغيير العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية التي دامت عقوداً، وفرض تكاليف اقتصادية كبيرة على واشنطن إذا ردت على تخفيضات النفط. (1)
بدوره، قلل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان من أهمية التحليلات التي تفيد بأن بلاده تتقرب من بكين على حساب العلاقة مع واشنطن. وقال: "لا يزال لدينا شراكة أمنية قوية مع يتم تجديدها بشكل يومي تقريبا"، رغم ترجيحه تنامي التعاون مع الصين.
وردت الصين، على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن الولايات المتحدة لا تطلب من المملكة العربية السعودية أن تختار بين إقامة علاقات معها أو بكين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وينبين، "لقد أخذنا علما بكلمات بلينكن، ونأمل أن تعمل البعثات الدبلوماسية الأمريكية في جميع أنحاء العالم وفقا لهذا الالتزام الذي قطعه بشأن "عدم مطالبة أي شخص بالاختيار بين الولايات المتحدة والصين". (2)
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن العلاقات الأمريكية - السعودية مهمة ولا يمكن تركها تتراجع، نظرا لقوة السعودية السياسية والاقتصادية ومحاولات الصين التقرب من حلفاء أمريكا التقليديين بالشرق الأوسط.
وفي رد على سؤال حول العلاقة مع الصين، قال وزير الخارجية السعودي في المؤتمر الصحفي مع بلينكن إن العلاقة مع الصين ليست تهديدا فهي ثاني أكبر اقتصاد عالمي و ”الصين هي أكبر شريك تجاري لنا، وبشكل طبيعي هناك اتصال مستمر ومن المتوقع أن ينمو التعاون” و ”لا تزال لدينا شراكة أمنية قوية مع الولايات المتحدة، ويتم تجديد هذه الشراكة الأمنية بشكل يومي تقريبا”.(3)
وعلق الباحث السياسي الكويتي مشعل النامي، على التهديد السعودي المتداول، وقال، إن هذه المعلومات وردت في وثيقة مسربة، ليس مصدرها السعودية، لكنها جاءت من قبل الإعلام الأمريكي وتحديداً صحيفة واشنطن بوست، التي لا تملك علاقات جيدة مع الرياض، على خلفية اغتيال الصحفي المعارض والكاتب بالصحيفة جمال خاشقجي.
وأضاف أن الأمر لا يعتبر دعاية سعودية، وأن المملكة لم تكن ترغب في إعلان هذا الأمر، مشيراً إلى أنّ محمد بن سلمان لا يريد اتباع سياسات أسلافه لكنه يريد استكشاف بنفسه وذلك ما هو متاح وفقاً لقدرات المملكة، والمساحة التي يمكنها التحرك فيها.
وأشار إلى أنّ محمد بن سلمان يعتبر سياسات أسلافه عفا عليها الزمن وتغيرت ظروفها، ولذلك يرسم سياسات دون أن يكون لديه الوقت لإعداد دراسات، لكنه يريد التعلم من هذه السياسات.
ولفت الباحث السياسي الكويتي إلى أن ابن سلمان تعلم من تعامله مع الولايات المتحدة، أن عليه تهديدها بهذا الشكل، لا سيما بعدما أظهرت واشنطن تصرفات هوجاء ضد المملكة، ومحاولتها فرض ضغوط غير مبررة على الرياض.
وتابع: “السعودية تقول للولايات المتحدة قفي عندك.. أنت الآن تتجاوزي حدودك”، مشيراً إلى أن السعودية غير مستعدة لتحقيق المصالح الأمريكية على حساب مصالحها.
ونوه بأن سياسات ابن سلمان هي تحقيق مصالح المملكة، ورفع شعار السعودية أولاً كما رفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شعار أمريكا أولاً. (4)
كما يبدو لا يعرف مدى صدقية هذه الوثيقة، والتهديدات التي وردت فيها، ولكن بالنظر إلى الخطوات العملية التي اتخذتها السعودية ضد واشنطن، مثل تخفيض إنتاج النفط للمرة الثانية، وتوسيع التبادل التجاري مع الصين، تؤكد بطريقة غير مباشرة ما ورد فيها، والأهم من ذلك أن "البنتاغون" الذي صدرت عنه الوثائق اعترف بمصداقيّة محتواها. (5)
لا شك في أن التسريبات الأخيرة وزيارة بلينكن للسعودية، والإجماع على فشلها في تحقيق معظم أهدافها، وخاصة التطبيع السعودي الإسرائيلي، وعدم تخفيض إنتاج النفط، وتعزيز العلاقات مع إيران، جميعها تؤكد اتساع فجوة التباعد في العلاقات السعودية الأمريكية وفقدانها زخمها التاريخي.
ختاماً يمكن القول إن عدم إدراك الإدارة الأمريكية الحالية لحجم التغييرات المتسارعة في السعودية، على أرضية تقديم مصالحها، على أي مصالح أُخرى، وكسر الاحتكار والهيمنة الأمريكية على القرار السعودي، بالإضافة إلى وجود بدائل حليفة جاهزة، وخاصة مجموعة "بريكس"، يؤكد عدم الالتزام السعودي بالإملاءات الأمريكية والعمل عكسها. وبالتالي إن استمرار هذه المواقف السعودية، سيقود التباعد الواضح الراهن في العلاقات بين الرياض وواشنطن إلى مزيد من الاتساع.
المصادر:
1_ https://cutt.us/SNeln
2_ https://cutt.us/dy6OW
3-https://cutt.us/CbF30
4- https://cutt.us/CcXCE
5- https://cutt.us/3gdpf