ما وراء التقارب بين الناتو والدول العربية ؟
خلال الشهر الماضي عُقد الاجتماع الخامس والسبعون السنوي لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ظل حضور وزراء الخارجية وممثلي الكيان الصهيوني، ومصر، والأردن، وقطر، والإمارات العربية المتحدة.
خلال الشهر الماضي عُقد الاجتماع الخامس والسبعون السنوي لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ظل حضور وزراء الخارجية وممثلي الكيان الصهيوني، ومصر، والأردن، وقطر، والإمارات العربية المتحدة. وشهدنا في الوقت نفسه افتتاح مكتب ارتباط الناتو في عمّان، عاصمة المملكة الأردنية. وفي ذات السياق أثارت هذه الموضوعات ودعوة الولايات المتحدة لحضورٍ واسع للدول العربية [1]في هذا الاجتماع وزيادة مستوى العلاقات والتفاعلات تساؤلات على الصعيد العالمي حول أسباب مشاركة الدول العربية، وسبب تعميق العلاقات إلى مستوى استراتيجي وفائدة وإمكانية هذه التقارب.
في البداية يجب أن نبرز أن أهم عامل في هذه المشاركة والتقارب يعود إلى إنشاء طبقة دفاعية مزدوجة للكيان الصهيوني في مواجهة الرد العسكري القاطع من إيران ومحور المقاومة بعد الاعتداءات الإسرائيلية وخوف حلفائها من توجّه نحو حرب إقليمية أعمق. فقد شهدنا سابقاً خلال عملية "الوعد الصادق" نقطة تحول في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الكيان الصهيوني [2]مما أدى في النهاية إلى تعزيز ميزان القوى لصالح إيران، والآن أمام عرض القوة العسكرية والأهم من ذلك بروز إرادة إيران لتوجيه ضربة جدية ورادعة للكيان المحتل الصهيوني، لقد تم إقناع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في الناتو بأن استمرار المواجهة العسكرية المباشرة من قبل هذا الكيان مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيترتب عليه عواقب غير قابلة للتعويض وعليهم أن يبذلوا جهودهم من خلال تخطيط وتنفيذ مستويات دفاعية جديدة.
يجب أن نلاحظ أنه بعد عملية "الوعد الصادق" وُجه درس كبير للكيان الصهيوني وهو أن أي إجراء من جانبه ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيُقابل بكل قوة. وأدى ذلك إلى إضعاف الهيمنة الأمريكية والناتو في المنطقة والعالم وفقدان ثقة الحلفاء الإقليميين فيهم في الدفاع عن أجوائهم وأمنهم، الذين كانوا يعقدون آمالهم على دعم الولايات المتحدة والغرب مما تطلب ترميم ذلك بسرعة عبر استراتيجيات شعبوية[3]. ولكن عكس التوقعات الغربية، جذب الانتباه نحو التوسع المتزايد لنفوذ إيران في الشرق الأوسط ومنطقة العرب، حيث تتجلى مظاهره في تعزيز موقع إيران في العراق، ولبنان، وسورية، واليمن، وفلسطين. الآن وفي تلك الظروف أدت مخاوف الناتو من زيادة نفوذ إيران في المناطق العربية إلى اتخاذ سياسات تشمل توسيع الناتو نحو الدول العربية، وتعزيز التعاون الأمني والمعلوماتي والاقتصادي مع الدول العربية وخاصةً في منطقة الخليج العربي.
من المهم أن نُذكّر بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) وُلد في عالم ثنائي القطبية، ضمن صراع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في إطار الحرب الباردة، بهدف حماية أوروبا من التهديد السوفيتي. ومع ذلك أصيب هذا التحالف مع انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة بارتباك استراتيجي دام لفترة طويلة. ورغم أنه تولى لاحقًا أدوارًا في محاربة الإرهاب العالمي بدا وكأنه يحاول تغيير طبيعته بما يتناسب مع التحولات الجيوسياسية الجديدة.
الآن مع الانتقال من عالم ثنائي القطبية إلى العصر الجيوسياسي الجديد الذي يشهد حضور الصين وروسيا والهند وإيران وغيرها من القوى الناشئة والصاعدة نشهد جهودًا من الناتو لجذب الدول الغنية بالموارد والثروات. ومع ذلك يجب أن نتذكر أن الدول العربية في إطار الأزمة الأوكرانية وصراع روسيا أو صراع بين الصين وأمريكا، عمومًا تظهر كطرف محايد ولا يمكن أن تُعتبر مشاركتها في الاجتماع السنوي للناتو تجسيدًا لتأييد العرب للمعسكر الغربي ضد روسيا أو الصين أو إيران. وقد تم طرح فكرة تشكيل "ناتو بمشاركة العرب" أو ما يشبهها منذ سنوات لكنها فشلت ومع الظروف والتوترات في الشرق الأوسط فإن إعادة الطرح في هذا الشأن ستكون مصيرها الفشل أيضًا.
مع ذلك يمكن اعتبار افتتاح مكتب ربط للناتو في عمّان وبالتالي التوسع الأكبر للناتو في المنطقة جزءًا من التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والسعودية في إطار إنشاء درع دفاعي للناتو لحماية العرب من أي اعتداء من جيرانهم أو تهديدات أخرى.
أخيرًا يُذكر أن الأردن بعد ثلاثة عقود من التعاون خلف الكواليس مع الناتو أصبح الآن مضيفًا لأول مكتب لهذه المنظمة العسكرية في الشرق الأوسط والذي يعكس بالنظر إلى ظروف المنطقة موافقة المملكة الأردنية على إنشاء المكتب. يسعى هذا المكتب إلى تحقيق بُعدين أساسيين أولًا، سيتحول المكتب إلى مركز لتنسيق الأنشطة الاستخبارية والأمنية للقوات الغربية بقيادة أمريكا في غزة. بالإضافة إلى ذلك بعد عملية "الوعد الصادق" ودور الأردن في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي كانت تستهدف إسرائيل تعززت مكانة الأردن في تأمين نظام الاحتلال الإسرائيلي. في هذا السياق سيعمل مكتب الناتو في الأردن كمركز للقيادة والتنسيق لضمان فعالية مستوى الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي التي ستُفعل من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لتأمين نظام الاحتلال الإسرائيلي في الأوقات الحرج
[1] https://www.ft.com/content/5e8cc1ed-21df-480d-aeca-467fb11e22ff
[2] mehrnews.com/x34TtM
[3] https://kayhan.ir/001CXl