اليثيوم حرب أوروبا المقبلة؟

يسعى الاتحاد الأوروبي في إطار خططه الاستراتيجية حول الاستقلال في الاحتياجات الاستراتيجية إلى تحقيق الاستقلال في إنتاج المواد الأولية والمعادن المهمة. ويُعتبر الليثيوم واحداً من هذه المواد الحيوية في العصر الحالي حيث يلعب دوراً رئيسياً في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.

Aug 16, 2024 - 11:18
اليثيوم حرب أوروبا المقبلة؟
اليثيوم حرب أوروبا المقبلة؟

يسعى الاتحاد الأوروبي في إطار خططه الاستراتيجية حول الاستقلال في الاحتياجات الاستراتيجية إلى تحقيق الاستقلال في إنتاج المواد الأولية والمعادن المهمة. ويُعتبر الليثيوم واحداً من هذه المواد الحيوية في العصر الحالي حيث يلعب دوراً رئيسياً في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. ولهذا السبب يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تأمين هذه المادة المعدنيّة من داخل الأراضي الأوروبية لتقليل اعتمادها على دول العالم الأخرى.

ما هي خطة أوروبا؟

يعمل الاتحاد الأوروبي على تحديد مناجم الليثيوم في القارة، وبعد التعرف عليها يهدف إلى استغلالها. في هذا السياق قام الاتحاد الأوروبي بالاستثمار في البرتغال وأصبح هذا البلد واحداً من منتجي الليثيوم في أوروبا. وفي إطار خططها الطموحة أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقية مهمة مع صربيا لاستغلال مناجم الليثيوم في هذا البلد. وقد اعتبر قادة أوروبا وصربيا هذه الاتفاقية حدثاً تاريخياً ومهماً. تم الاتفاق على أنه بعد مرور 20 عاماً من تحديد شركة "ريو تينتو" لموقع منجم الليثيوم في صربيا سيتم إعادة منح ترخيص استخراج الليثيوم لهذه الشركة.[1]

في الواقع إن أهمية استخراج الليثيوم وتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاجه تعتبر ذات قيمة كبيرة بالنسبة لأوروبا، حيث لديها برامج استثمار طويلة المدى لهذا الغرض. يعود ذلك لعدة أسباب اقتصادية وسياسية. بعد زيادة التعريفات على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين وزيادة أسعار الليثيوم العالمية، تحتاج أوروبا إلى تقليل تكاليف الإنتاج للبقاء في المنافسة في سوق بطاريات السيارات الكهربائية وصناعة السيارات الكهربائية.[2] وبالتالي تبحث عن مادة الليثيوم القيمة في الأراضي الأوروبية لتقليل تكاليف الإنتاج ومن جهة أخرى لتعزيز قدرتها على التفاوض مقابل الصين ومنافسيها الآخرين. إذا تمكنت أوروبا من أن تصبح مُصدّراً لليثيوم فإن قواعد اللعبة على مستوى العالم ستتغيّر بشكل كبير، مما سيمكنها من الدخول في حوار قوي مع المنافسين في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا المتقدمة.

فضلاً عن أن استخراج الليثيوم يحمل فوائد سياسية وأمنية اقتصادية، تسعى أوروبا إلى تنفيذ خطط تقليل استهلاك الكربون في القارة الخضراء مما يرتبط ارتباطاً مباشراً بتقليص عدد السيارات التي تعمل بالديزل والبنزين وزيادة عدد السيارات الكهربائية. في الواقع تسعى أوروبا لتحقيق عدة أهداف متنوعة ومهمة من مشروع استخراج الليثيوم في الدول الأوروبية وإذا تمكنت من النجاح ستتجاوز تحديات كبيرة.

قضية صربيا

توحي قضية استخراج الليثيوم في صربيا التي استمرت لمدة عقدين من الزمن بوجود حساسيات عديدة حول هذا الموضوع في البلاد. ويُعزى قلق الشعب الصربي إلى عدة أسباب رئيسية وأهمها المخاوف البيئية. حيث يشعر الناس بالقلق من أن بدء استخراج الليثيوم في بلادهم سيؤدي إلى تدمير الزراعة والطبيعة. إذ يعتقد المواطنون أن تجارب دول مثل البرتغال والدول الأخرى التي تم فيها استخراج الليثيوم قد صاحبتها تلوث بيئي وأضرار بالطبيعة مما يثير مخاوفهم من أن يتعرضوا لنفس المصير. استنادًا إلى هذه المخاوف بدأت احتجاجات واسعة في صربيا تطالب الحكومة بإلغاء عقد استخراج الليثيوم[3]. ورغم أن السيد فوسيتش رئيس جمهورية صربيا قد طمأن المواطنين بأن الحكومة ستدافع عن مصالحهم وأكد أنه لن يسمح بتدمير البيئة إلا أن المواطنين لا يشعرون بالتفاؤل حيال هذا الأمر في ظل استمرار الاحتجاجات.[4]

بالإضافة إلى ذلك يشير رئيس جمهورية صربيا إلى أن هذه الاحتجاجات قد تم تنظيمها بواسطة مجموعات معينة تعمل ضده وتسعى إلى الإطاحة به. وقد استند في ذلك إلى معلومات وردته من أجهزة الأمن الروسية التي أخبرته بذلك. إذا صحت هذه الادعاءات فإنها قد تضع الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍ كبير وقد تؤدي إلى تعكير صفو العلاقات بين الأعضاء.

مخاوف أوروبا

هذه الاحتجاجات جعلت القادة الأوروبيين يتابعون الوضع بقلق وهم يخشون من أمرين رئيسيين؛ الأول هو أن تمتد هذه الاحتجاجات إلى دول أخرى تحتوي على الليثيوم مما قد يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي فيها ويكون مسببًا لوقوع أحداث مؤلمة. الثاني هو أن تسبب الاعتراضات الشعبية والمجموعات البيئية في توقف مشاريع تطوير واستخراج الليثيوم في القارة الأوروبية ما سينجم عنه أضرار كبيرة لأوروبا.

علاوة على ذلك إذا كانت ادعاءات رئيس جمهورية صربيا حول محاولة الإطاحة به صحيحة فإن ذلك سيفتح فصلًا جديدًا من التحديات في العلاقات بين الدول الأوروبية مما يعكس عدم الاهتمام بتطوير ونمو أوروبا الموحدة إذ أن الأولوية ستكون للتماسك السياسي بين الحكومات وفي حال لم يكن أي حكومة متماشية مع السياسات الكبرى الأوروبية، فقد تتعرض لعواقب عقود اقتصادية تبدو ربحية في مظهرها لكنها تخفي في باطنها أضرارًا خطيرة.

امین مهدوی


[1] euronews.com

[2] bbc.com

[3] aljazeera.com

[4] bbc.com