بوتين يستعيد نشاطه!
بعد بداية الحرب في أوكرانيا، أصبح الرئيس بوتين تحت ضغط وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين، وكان لديه رحلات خارجية محدودة للغاية. لكن يبدو الآن أنه استعاد الثقة الكافية للعودة إلى الساحة الدولية، وأصبحت رحلاته أكثر تكرارًا وأهمية. في هذا السياق قام بزيارة لمدة يومين إلى أذربيجان، والتي كانت زيارة مهمة من جوانب عدة وستكون لها آثار مباشرة وغير مباشرة على مستقبل المنطقة والنظام الدولي.
بعد بداية الحرب في أوكرانيا، أصبح الرئيس بوتين تحت ضغط وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين، وكان لديه رحلات خارجية محدودة للغاية. لكن يبدو الآن أنه استعاد الثقة الكافية للعودة إلى الساحة الدولية، وأصبحت رحلاته أكثر تكرارًا وأهمية. في هذا السياق قام بزيارة لمدة يومين إلى أذربيجان، والتي كانت زيارة مهمة من جوانب عدة وستكون لها آثار مباشرة وغير مباشرة على مستقبل المنطقة والنظام الدولي.
زيارة مهمة إلى القوقاز الجنوبي!
تأتي زيارة بوتين إلى أذربيجان في وقت قامت فيه أرمينيا بتقليص علاقاتها مع روسيا، وتعتبر روسيا مسؤولة عن هزيمة الحرب في ناغورنو كاراباخ. بالإضافة إلى ذلك كانت روسيا وأذربيجان قد وقعتا اتفاقية تعاون استراتيجي في عام 2022، والتي تم تأجيلها خلال فترة الحرب في أوكرانيا، وتأتي زيارة علييف إلى روسيا والآن زيارة بوتين إلى أذربيجان في إطار إحياء وتوسيع هذه الاتفاقية.[1]
كانت أجندة هذه الزيارة تتعلق بالقضايا الإقليمية والعالمية، حيث تسعى روسيا لتحديد مكانتها في أذربيجان. قدمت جمهورية أذربيجان مساعدات إنسانية لأوكرانيا خلال الحرب، وأظهرت دعمها لأوكرانيا. على الرغم من أن هذا لا يعني تحديًا لروسيا، إلا أنه إذا اتجهت أذربيجان نحو توفير الأسلحة ودعم أوكرانيا سياسيًا بشكل أكبر، فقد تتعرض العلاقات بين البلدين للتحدي. لذلك تسعى روسيا لمنع حدوث ذلك، ويدرك بوتين جيدًا أنه يجب الحفاظ على نفوذه في القوقاز الجنوبي.
تعتبر زيارة بوتين، بالإضافة إلى كونها تتماشى مع المصالح الاقتصادية والسياسية لروسيا في أذربيجان، تذكيرًا لمنافسي روسيا بأن هذه المنطقة هي مجال نفوذ سياسي تقليدي لها. وقد تم طرح هذا الأمر بشكل واضح من قبل روسيا، حيث حذرت حتى أرمينيا من أنه إذا توسعت علاقاتها مع الغرب بشكل مفرط، فقد تواجه مصيرًا مشابهًا لأوكرانيا. لذلك جاء بوتين إلى أذربيجان في وقت تسعى فيه روسيا لاستعادة مكانتها في هيكل النظام الدولي.
إلى جانب هذه الأمور، تعتبر هذه الزيارة مهمة لروسيا من جوانب أخرى أيضًا. من بينها أن عقد الغاز بين روسيا وأوروبا سينتهي في نهاية عام 2024، ولا ترغب أوكرانيا في تجديده. بدلاً من روسيا تبحث أوروبا عن بديل أرخص مثل أذربيجان. من المتوقع أن يكون عقد توفير الغاز من أذربيجان إلى أوروبا ساريًا اعتبارًا من عام 2027، بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية مثل سلوفينيا ترغب في شراء الغاز من أذربيجان قبل عام 2027. يسعى بوتين لإقناع الجانب الأذربيجاني بأن جزءًا من الغاز الروسي يتم تصديره إلى هذا البلد[2]. في الواقع تسعى روسيا لبيع غازها بطرق مختلفة، وأذربيجان تمثل فرصة مناسبة لذلك. لذا فإن هذا الأمر مهم وذو قيمة بالنسبة لروسيا، حيث يمكنها الحفاظ على مكانتها كمورد رئيسي للطاقة في العالم. بالإضافة إلى ذلك، إذا تمكنت روسيا من بيع غازها إلى أذربيجان، فإنها ستتمكن فعليًا من تقليل آثار العقوبات الأوروبية وتجنب التحديات الاقتصادية. يجب الإشارة أيضًا إلى أن أذربيجان تستضيف المؤتمر العالمي للمناخ (كوب 29)، [3]وهو أمر مهم جدًا للدول النفطية، حيث يجب أن تكون القرارات المتخذة فيه غير موجهة ضدها. كما أن روسيا تولي اهتمامًا كافيًا لهذا الموضوع وتسعى إلى التأثير عليه بشكل غير مباشر، حتى لا تتعرض مصالحها طويلة الأمد للتهديد.
لذا كانت هذه الزيارة ذات أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا، وإذا تمكنت روسيا من تحقيق أهدافها خلال هذه الزيارة، فإنها تستطيع استعادة هيمنتها على القوقاز الجنوبي وزيادة تكاليف المنافسة على الآخرين. خاصة وأن بوتين قد أعلن أنه سيطرح نتائج هذه الزيارة مع باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا، وأن روسيا تسعى لحل كامل للنزاع بين أرمينيا وأذربيجان. إذا تمكنت روسيا من إزالة الشكوك لدى أرمينيا واستعادة دورها كضامن للأمن في هذه المنطقة، فإنها يمكن أن تأمل في الدخول في مفاوضات ناجحة مع دول مثل فرنسا وتحسين علاقاتها معها.
كما أن توقيت هذه الزيارة كان بحيث تسعى روسيا لإحياء مكانتها، حتى في الوقت الذي تتعرض فيه أوكرانيا لهجوم من قبل هذا البلد، إلا أن ذلك لم يؤثر على نهج موسكو، ولا تخشى موسكو من هذه المسألة. في الواقع، تعتبر هذه الزيارة نوعًا من رسالة القوة من روسيا إلى منافسيها، حيث إن هذا الحدث لا يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة لروسيا، وتواصل موسكو نهجها في استعادة مكانتها وعودتها القوية.
[1] aa.com.tr
[2] scmp.com
[3] kyivindependent.com