مولدوفا وسلوفاكيا ضحايا اللعبة الأمريكية
قضية الغاز الروسي ومنع انتقاله إلى أوروبا عبر أوكرانيا يُعدّ تحولاً مهماً ليس فقط في مجال الطاقة في أوروبا بل يعكس أيضاً تصاعد التوترات الجيوسياسية بين روسيا والغرب.
قضية الغاز الروسي ومنع انتقاله إلى أوروبا عبر أوكرانيا يُعدّ تحولاً مهماً ليس فقط في مجال الطاقة في أوروبا بل يعكس أيضاً تصاعد التوترات الجيوسياسية بين روسيا والغرب. هذه الخطوة التي تأتي في سياق زيادة الضغوط الغربية على روسيا وفي إطار العقوبات والسياسات التقييدية ضد موسكو ستترتب عليها عواقب واسعة لكل من مولدوفا وسلوفاكيا حيث عبّرت حكومات هذين البلدين بالفعل عن اعتراضها وقلقها.
لطالما كان نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا واحداً من المسارات الرئيسية لتأمين الطاقة في القارة منذ عقود. ومع ذلك فقد وضع النزاع في أوكرانيا عام 2022 وتبعاته المتمثلة في العقوبات الغربية ضد روسيا هذا المسار المهم أمام تحديات جسيمة. إن قطع إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" والانخفاض الحاد في الإمدادات عبر أوكرانيا يشكلان أبعادًا جديدة من الحرب الاقتصادية بين روسيا والغرب.
تسعى روسيا من خلال استخدام ورقة الطاقة إلى الضغط على أوروبا لتقليل دعمها لأوكرانيا وإلغاء العقوبات الغربية. من جهة أخرى كان الغرب يحاول تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية وتضعيف اقتصاد هذا البلد وزيادة الضغوط على موسكو من خلال البحث عن مصادر بديلة للطاقة.
في هذا السياق أصبحت دول مثل مولدوفا وسلوفاكيا التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي عبر أوكرانيا من أكبر الضحايا لهذه التوترات والخلافات.
تعتبر مولدوفا وسلوفاكيا بلدين صغيرين يرتبطان تاريخيًا وجغرافيًا بروسيًا وأوكرانيا. كما إن الاعتماد الشديد على الغاز الروسي عبر أوكرانيا يجعل هذين البلدين عرضة للعقبات الناتجة عن قطع إمدادات الغاز.
تأمين مولدوفا لأكثر من 90% من إمدادات الغاز المطلوبة من روسيا يجعلها تتعرض لأزمة طاقة غير مسبوقة مع قطع إمدادات الغاز عبر أوكرانيا. وفي هذا السياق سيتعين على مولدوفا أن تلجأ إلى استيراد الغاز المسال (LNG) من الأسواق الدولية مما سيؤدي إلى تكاليف أعلى بكثير.
إن هذه الزيادة في التكاليف تعني ارتفاع أسعار الطاقة للمواطنين والشركات في مولدوفا، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستياء العام والضغوط السياسية على الحكومة. بالإضافة إلى ذلك فإن البنية التحتية الضعيفة في هذا البلد لتخزين ونقل الغاز المسال ستجعل تنفيذ هذه الخطة المقترحة أكثر صعوبة. وبالتالي تواجه مولدوفا أزمة خطيرة للغاية سيكون لها آثار عميقة على هذا البلد الصغير.
أما بالنسبة لسلوفاكيا فإن الوضع مشابه للغاية لمولدوفا حيث تعتمد أيضًا بشكل كبير على الغاز المستورد من أوكرانيا. إن قطع الإمدادات الغازية سيؤدي ليس فقط إلى زيادة أسعار الطاقة في سلوفاكيا بل سيقلل أيضًا بشكل كبير من إيرادات البلاد من عبور الغاز مما قد يترك عواقب عميقة على الوضع الاقتصادي وحياة سكان هذا البلد.
إن منع وصول الغاز الروسي إلى أوروبا يعد جزءًا من السياسات الأشمل التي تعتمدها الدول الغربية بهدف إضعاف مكانة روسيا في سوق الطاقة العالمي. ومع ذلك فإن هذه السياسات ألحقت أضرارًا أكبر بالدول الأوروبية نفسها، وبالتحديد مولدوفا وسلوفاكيا أكثر مما أضرّت بروسيا. فقد استفادت الولايات المتحدة التي تُعتبر من أبرز داعمي هذه السياسات من هذه الفرصة لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال (LNG) إلى أوروبا مما جعل الأسواق الأوروبية للطاقة تعتمد بشكل كبير على الغاز الأمريكي. وقد حقق هذا الوضع فوائد اقتصادية ملحوظة للولايات المتحدة حيث أدت زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا إلى تحقيق أرباح كبيرة لشركات الطاقة الأمريكية وساهم في تعزيز اقتصاد البلاد.
إن هذه الاعتمادية لا تقتصر على تحميل الدول الأوروبية أعباء اقتصادية فحسب بل جعلتها أيضًا أكثر ضعفًا من الناحية الاستراتيجية. فاعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي يضعف استقلالها في مجال الطاقة ويجعل القارة أكثر عرضة للضغوط السياسية من جانب واشنطن.
يعتبر قطع إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا وآثاره على مولدوفا وسلوفاكيا مثالًا على التحديات الأكبر التي يواجهها الاتحاد الأوروبي. حيث أن هذا الاتحاد الذي يسعى لتحقيق الاستقلال عن الطاقة الروسية يجب أن يدرك أن السياسات الحالية أكثر انسجامًا مع المصالح الأمريكية بدلاً من أن تلبي المصالح طويلة الأجل لأوروبا. من خلال إضعاف العلاقات المرتبطة بالطاقة ومواردها بين أوروبا وروسيا لم تقم الولايات المتحدة بتوسيع أسواقها فحسب بل حولت أوروبا أيضًا إلى أداة في سياساتها طويلة المدى.
هذا الوضع يستدعي أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استراتيجيات جديدة للحد من اعتماده على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي وتعزيز استقلاله في مجال الطاقة. فعليًا يجب على أوروبا أن تفكر في تنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة لكي تستطيع الاستمرار في لعب دور فاعل في النظام الدولي مستقبلاً. وإلا يمكن القول إن أوروبا تسير نحو الانحسار والضعف.