تغير سياسة أوروبا تجاه فلسطين بعد حرب غزة
منذ 7 أكتوبر وعملية طوفان الأقصى، حدثت تغيرات واسعة جداً على مستوى النظام الدولي. ابتدءاً من تدمير اسطورة جيش إسرائيل وقوته العسكرية إلى حقيقة أن القضية الفلسطينية أصبحت الأولوية الرئيسية للمنطقة وحتى بالنسبة القوى العظمى. وفي هذا الشأن، شهدت مواقف أوروبا والدول الأوروبية أيضًا تغيرات واسعة النطاق.
منذ 7 أكتوبر وعملية طوفان الأقصى، حدثت تغيرات واسعة جداً على مستوى النظام الدولي. ابتدءاً من تدمير اسطورة جيش إسرائيل وقوته العسكرية إلى حقيقة أن القضية الفلسطينية أصبحت الأولوية الرئيسية للمنطقة وحتى بالنسبة القوى العظمى. وفي هذا الشأن، شهدت مواقف أوروبا والدول الأوروبية أيضًا تغيرات واسعة النطاق.
حتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان الاتحاد الأوروبي، يغض الطرف عن تصرفات إسرائيل ويدعمها بشكل مطلق، وكذلك من خلال رفع مستوى علاقاته معها، قد أضعف إلى حد كبير احتمالات حل الدولتين وتشكيل دولة فلسطينية. والحقيقة أن عدم الالتفات إلى سلوك إسرائيل المتطرف والخطير وعدم التحذير منه أو الحديث عنه أدى إلى الانفجار الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوب[1]. أوروبا بقدر ما هي قارة كبيرة مقصرة بحق القضية الفلسطينية. والآن، بعد أن أدركت هذا التقصير يجب أن نرى كيف تصحح نهجها، وهي القضية التي يبدو أن الدول الأوروبية بدأت تسير نحوها وتسعى إلى قبول فلسطين كدولة مستقلة.
وبالإضافة إلى هذا التغيير في النهج، والذي كان ينبغي لأوروبا أن تفكر فيه قبل ذلك بكثير، لا تزال هناك شكوك بينهم. وجعلت بعض الدول الأوروبية قبول الدولة الفلسطينية المستقلة مشروطا بخفض العنف، وأن ذلك سيؤدي إلى حوار ثنائي بينها وبين إسرائيل[2].
هل النهج الأوروبي صحيح؟
يبدو أن السياسة الأوروبية أصبحت على خلاف كبير مع الواقع على الساحة في ظل الظروف الحالية . وكما تظهر التوترات والصراعات المتكررة، فإن هذا النهج لن يؤدي إلا إلى الإضرار بمصالح أوروبا في إبقاء الباب مفتوحاً أمام التوصل إلى حل تفاوضي وتجنب الهجمات العنيفة المنتظمة التي يصعب احتواؤها.
ومن خلال عدم فهم الوضع الفلسطيني وإخراج حماس من العملية الدبلوماسية، أغلق الاتحاد الأوروبي الحوار مع هذه الحركة. أما بالنسبة لحماس، فقد كان النفور من الحركات الإسلامية سبباً في منع أوروبا من التوصل إلى توجه أكثر إيجابية لفترة طويلة. منذ التصويت الأخير في عام 2006، عندما فازت حماس، حافظ الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء على سياسة عدم الاتصال مع الحركة و ربطوا التعامل مع الجماعة - وإدراجها لاحقا في حكومة وحدة وطنية بقيادة عباس - بالإمتثال للمبادئ الرباعية، التي صاغتها في ذلك الوقت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي: الالتزام بعدم العنف والاعتراف بإسرائيل والقبول بالاتفاقيات الفلسطينية السابقة. وحماس نفسها ترفض الشروط الرباعية. ولكن زعماءها يعتقدون أنهم راجعوا ميثاقهم لمعالجة المخاوف الأوروبية، وأن الخطوات التالية تتطلب الحوار مع الأوروبيين، وهو الأمر الذي رفض الجانب الأوروبي مناقشته[3].
إضافة إلى ذلك، اعتبر الدبلوماسيون الأوروبيون المتمركزون في القدس ورام الله، منذ فترة طويلة، أن هذه السياسة نهايتها ستؤدي لطريق مسدودة. وقد أدت هذه السياسة إلى تقليص النفوذ الدبلوماسي الأوروبي بشكل كبير وعرقلة الجهود الأوروبية لإقامة دولة فلسطينية مستقرة وديمقراطية. كما أن أوروبا لم يكن لها موقف واضح من أداء إسرائيل التي كانت ترفض دائما خطة الدولتين. إلى جانب ذلك، فإن عدم الالتفات إلى التصرفات غير البناءة لمنظمة السلطة الفلسطينية، مثل إلغاء محمود عباس للانتخابات عام 2021، زاد من إحباط الفلسطينيين وقلل من القوة السياسية للاتحاد الأوروبي في المنطقة بالنسبة للقضية الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى، يؤكد العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين في جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا على أن النهج الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي لابد أن يتغير. وهم يعتقدون أن أوروبا لابد وأن تضع إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الخطوة التالية فيما يتعلق بأدائهما. ويتعين على أوروبا أن تكون قادرة على العمل كلاعب مهم في هذه الأزمة من خلال استخدام أدواتها الاقتصادية والسياسية المختلفة وتحسين موقفها في بنية النظام الدولي. لكن القادة الأوروبيين لم يتفقوا مع الدبلوماسيين في الميدان ولم يبذلوا أي جهد لتصحيح ممارساتهم. والحقيقة أن سوء تقدير الزعماء الأوروبيين ينبع من حقيقة مفادها، أولاً، أن فلسطين لم تكن من بين الأولويات الرئيسية بالنسبة لهم، وثانياً، أنهم اعتقدوا أن الوضع الراهن يمكن الحفاظ عليه من خلال تقديم بعض المساعدات المالية لمنظمات الحكم الذاتي في السلطة. إن هذا الافتقار إلى الفهم المناسب للموقف في غزة، وتجنب الحوار مع حماس، كشف بوضوح الآن عن خطأ السياسة الذي تتبناها أوروبا. والآن يبدو أن أوروبا تتطلع إلى تحسين ظروفها واستراتيجياتها تجاه فلسطين. ومن قضية الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة إلى إدانة أعمال العنف والجرائم الإسرائيلية، يمكن رؤيتها في هذا الإطار الجديد.
وبالمثل، ينبغي لأوروبا أن تتوصل إلى خطة عملية ومحسوبة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأن تستمع هذه المرة إلى توضيحات وتوصيات دبلوماسييها أكثر من ذي قبل، حتى لا تتضرر سمعتها كجهة فاعلة داعمة لحقوق الإنسان، وتتمكن من أن تحمي نفسها من التهديدات، وتحافظ على أمنها من التيارات المتطرفة، وفي النهاية تستطيع أن تذكر حل القضية الفلسطينية كإنجاز عظيم. لكن يبدو أنه لا يوجد حتى الآن تصميم حازم بينهم على حل القضية الفلسطينية، وهم في الغالب يتخذون إجراءات دراماتيكية تحت ضغط الرأي العام.
[1] carnegieeurope.eu
[2] dw.com
[3] crisisgroup.org