الوجود أمريكي والخلاف عراقي.. الذرائع والمستقبل

يسيطر على الأوساط السياسية والاجتماعية في العراق انقسام حاد في الموقف من وجود القوات الأمريكية على الأراضي هذا البلد، فبرزت أصوات تنادي بإنهاء أي وجود أجنبي على الأراضي العراقية ولا سيما القوات الأمريكية، بينما يرى آخرون ضرورة بقاء هذه القوات ولو بالحدود الدنيا.

نوفمبر 25, 2023 - 07:17
الوجود أمريكي والخلاف عراقي.. الذرائع والمستقبل
الوجود أمريكي والخلاف عراقي.. الذرائع والمستقبل

يسيطر على الأوساط السياسية والاجتماعية في العراق انقسام حاد في الموقف من وجود القوات الأمريكية على الأراضي هذا البلد، فبرزت أصوات تنادي بإنهاء أي وجود أجنبي على الأراضي العراقية ولا سيما القوات الأمريكية، بينما يرى آخرون ضرورة بقاء هذه القوات ولو بالحدود الدنيا.

وقد تراجع عدد القوات الأمريكية بالعراق منذ بداية الغزو في 2003 من نحو 130 ألفاً وبقي متذبذباً بين 100 ألف و150 ألفاً، إلا أنه عاد إلى الارتفاع إلى نحو 170 ألفاً في 2007، وفي 2023 بلغ عدد القوات الأمريكية نحو 2500 وألف جندي مما تسمى قوات "التحالف الدولي".

فعقب تولي الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما زمام الأمور في البيت الأبيض عام 2009، تعهد بسحب القوات الأمريكية من العراق إذ بدأ خفض عدد الجنود الأمريكيين بشكل مطرد، إلا أن ظهور داعش في العراق وسوريا عام 2014 أعاد ذريعة حاجة العراق لاستمرار الدعم العسكري الأمريكي مرة أخرى.

وقد أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن العراق لم يعد بحاجة إلى وجود قوات مقاتلة أجنبية على أراضيه، وأن القيادة تجري حوارات متقدمة لتحديد شكل العلاقة المستقبلية والتعاون مع التحالف، إذ نتجت عن تلك الحوارات زيارة وفد عسكري عراقي رفيع المستوى لواشنطن، لتفضي تلك الزيارة إلى اتفاق على تشكيل لجنة عليا مشتركة مع التحالف الدولي للبدء بتنفيذ مخرجات الحوار المشترك الذي جرى بين الطرفين.

وجود القوات الأمريكية في العراق.. تحت أي بند

بعد نحو 20 عاما من الغزو الأمريكي للعراق قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن واشنطن ملتزمة بالإبقاء على وجودها العسكري في العراق، فما المبرر لهذا الوجود، بعد أن انتهت قصة أسلحة العراق، وانكشف التضليل الذي سعن من خلاله أمريكا للسيطرة على العراق لغايات عديدة، ترتبط بالنفوذ، والثروات، والمكاسب الجيوسياسية.

تثير الرغبة الأمريكية في البقاء على الأراضي العراقية تساؤلات عدة ولا سيما في الشارع العراقي، والمستويات الرسمية في البلاد، فهل القوات الأمريكية في العراق بعد عام 2011 هي قوات احتلال أم قوات حليفة؟ ولمَ تريد أمريكا البقاء؟ ولماذا تتصاعد المطالبات؟ وهل هناك إجماع شعبي حول خروجها من البلاد؟

إذ يشعر الكثير من العراقيين والمراقبين للشأن العراقي بالحيرة بشأن توصيف طبيعة الوجود العسكري الأمريكي "الحالي" في العراق، إذ مر بمراحل مختلفة ومتناقضة، فبعد الغزو الأمريكي-البريطاني للعراق، في أبريل/ نيسان 2003، كانت القوات الأمريكية في العراق كما وصفها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483، الصادر في 22 مايو/ أيار 2003 بإجماع الأعضاء، "قوات احتلال".

توصلت الحكومتان العراقية والأمريكية في أكتوبر/ تشرين أول 2008 إلى اتفاقية تعاون أمني استراتيجي تنص على إكمال انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية 2011، وإبقاء عدد "محدود" من الجنود الأمريكيين في قواعد عسكرية "محدودة"، لأغراض تدريب القوات العراقية وتقديم الدعم اللوجستي لها، وتم تنفيذ الاتفاقية، وانسحبت القوات الأمريكية رسميًا من العراق بحلول نهاية 2011.

وبعد ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي وسيطرته على مدن وأراضٍ واسعة من العراق، في يونيو/ حزيران 2014، طلبت الحكومة العراقية من الولايات المتحدة مساعدتها للوقوف بوجه تهديدات ومخاطر هذا التنظيم، وضرورة زيادة حجم ونوع الدعم العسكري الأمريكي المقدم للعراق، تطبيقًا لاتفاقية التعاون الأمني الاستراتيجي، وفي سبتمبر/ أيلول 2014، تشكل التحالف الدولي لمحاربة "داعش" من 82 دولة، بقيادة الولايات المتحدة، وتطلبت ظروف الحرب ضد "داعش" زيادة أعداد القوات الأمريكية في العراق وزيادة قواعدهم العسكرية، فبحلول نهاية الحرب على "داعش" في 2017، وصل عدد الجنود الأمريكيين في العراق إلى أكثر من 5000 جندي، ينتشرون في 9 قواعد عسكرية في وسط وغرب وشمال العراق.

بدأت الأصوات تتعالى تنادي بخروج القوات الأمريكية من العراق، وازادت حدة المطالبات بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد، وذلك ربما نجم عن طبيعة العلاقات العراقية الإيرانية، والخشية العراقية من جعل العراق منطلقاً لأي تهديد ممكن أن ينطلق من العراق تجاه إيران، لذا رأت أطراف سياسية عراقية أن من مصلحة العراق أن لا يلبي هذه الرغبة الأمريكية حين يتخذ أي قرار بهذا الشأن، فبعد اغتيال الشهيد سليماني بيومين أصدر مجلس النواب العراقي بعد جلسة طارئة قرارًا يلزم الحكومة بالبدء بمفاوضات لإخراج القوات الأمريكية.

ولم تعلن الحكومة العراقية بشكل واضح طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وما إذا تم بالتنسيق مع القيادات العراقية، غير أن مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الأمنية خالد اليعقوبي نفى وجود تحشيد للقوات الأميركية داخل الأراضي العراقية، مؤكدا أن هناك استبدالا للقطعات الأميركية الموجودة في سوريا، مشيرا إلى أن القيادة العراقية ركزت في مفاوضاتها مع الجانب الأميركي على حفظ سيادة العراق، إذ تم توقيع محضر اجتماع بين البلدين يقضي بطيران الطائرات المسيّرة بالمناطق الأمنية بموافقة الحكومة العراقية حصرا.

التيارات العراقية في اتجاهين

يرى الفريق الداعي لرحيل الأمريكيين، أن الحاجة إلى الوجود الأمريكي في العراق بعد الانتهاء من قتال تنظيم داعش قد زالت، وإنّ مثل هذا الوجود سيكون مكرساً ضدّ إيران خلافاً للأسباب الموجبة لطلب الحكومة العراقية بعد أحداث الموصل 2014 المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة لقتال التنظيم.

وتصف فصائل الحشد الشعبي القوات الأمريكية بأنّها "قوّة احتلال" يتوجب عليها الانسحاب من العراق فوراً بعد أنْ انتهت من مهمتها بالقضاء على داعش؛ وتعتقد هذه الفصائل أنّ العراق لن يستقر أمنياً بوجود قوات أمريكية دخلت إليه دون موافقة مجلس النواب العراقي في الوقت الذي تملك فصائل الحشد الشعبي ما يكفي من الأسلحة لقتال التنظيم ومواجهة تهديداته "المفترضة".

وقد شغلت قضية خروج الأمريكيين قادة العراق منذ اليوم الأول لدخوله البلاد، وبدأت تتعاظم مع مرور الوقت، ففي عام 2018، صوت المجلس النيابي العراقي على مشروع قرار يطلب من الحكومة وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق.

إن الممارسات الأمريكية في العراق تجعل المطلب العراقي برحيل الأمريكيين مطلباً ملحّا، إذ قال القيادي بائتلاف دولة القانون، سعد المطلبي: إن مجلس النواب عليه التحرك باتجاه طرد القوات الأجنبية من العراق والتخلص منها، وإلا فإن البلد سيفقد سيادته بهذا الشكل، وإن موقف الحكومة الأخير من الاعتداء الأمريكي على مواقع تابعة للحشد الشعبي، مُعيب جدا لأن القوات التي تمتلك الشرعية الشعبية، ومصوت عليها داخل مجلس النواب، يتم قصفها بهذه الطريقة وبدون أي مبرر.

وأوضح أن الاعتداء على سيادة العراق وقواته بهذا الشكل أمر لا يجوز ولا سيما أن حادثة الاستهداف حصلت بالقرب من العاصمة بغداد، وليس في مناطق حدودية، ومعتبرا ذلك "تعدياً واضحاً جداً".

أما التيار الآخر فيرى أن القوات الأمنية العراقية ما زالت بحاجة لدعم القوات الأمريكية لمواجهة خطر الإرهاب المتنامي، إذ إن الانسحاب الأمريكي سيجعلهم ومناطقهم مكشوفين أمام تهديدات خطيرة، إضافة إلى تخوف حقيقي من جدية تهديدات أمريكا والتي جاءت على لسان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي هدد بأنه إذا أجبر العراقيون القوات الأمريكية على الانسحاب، فسيفرض عقوبات اقتصادية قاسية على العراق، ومن جهة أخرى يرى هذا الفريق أن الفاعلية العراقية على الساحة الدولية مرهونة بالاتفاقيات مع الأمريكي، وبحضوره في الساحة العراقية.

فهل سيستطيع العراقيون إنهاء الوجود الأمريكي على أرضهم، أم ستبقى ذرائع وجوده عليها قائمة، يخلقها الأمريكي مرة تلو مرة، لضمان بقائه؟

مجد عيسى

 

المصادر:

 

1- https://cutt.us/68yU1

2- https://cutt.us/y6RRC

3- https://cutt.us/pi49P

4- https://cutt.us/rBZ9K

5- https://cutt.us/ogUaz