الولايات المتحدة وجنون العقوبات

إن الاستخدام المتكرر للعقوبات الدولية من قبل المشرعين ورؤساء الولايات المتحدة هو إحدى ميزات السياسة الخارجية الأمريكية حيث تعتبر وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. لقد زاد استخدام فرض العقوبات في السياسة الخارجية الأمريكية إلى درجة أن بعض الباحثين في العلاقات الدولية أصبحوا يطلقون عليها وصف "وباء العقوبات" أو "جنون العقوبات".

Aug 3, 2024 - 08:21
الولايات المتحدة وجنون العقوبات
الولايات المتحدة وجنون العقوبات

إن الاستخدام المتكرر للعقوبات الدولية من قبل المشرعين ورؤساء الولايات المتحدة هو إحدى ميزات السياسة الخارجية الأمريكية حيث تعتبر وسيلة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. [1]لقد زاد استخدام فرض العقوبات في السياسة الخارجية الأمريكية إلى درجة أن بعض الباحثين في العلاقات الدولية أصبحوا يطلقون عليها وصف "وباء العقوبات" أو "جنون العقوبات".

لقد تعزز استخدام العقوبات في السياسة الخارجية للكونغرس إلى درجة جعلت الكيان الصهيوني يقيم لوبيات من أجل التواصل مع المشرعين في الكونغرس وفرض عقوبات واسعة النطاق ضد الدول التي تقف في وجه هذا الكيان وجرائمه. إن إدمان الولايات المتحدة على فرض السياسات العقابية صار خارجًا عن السيطرة حيث صرحت "واشنطن بوست" بأن "الولايات المتحدة تفرض عقوبات ثلاثة أضعاف ما تفرضه أي دولة أو هيئة دولية أخرى، وتستهدف ثلث الدول بالعقوبات المالية على الأفراد والأموال والمنظمات".

لماذا تستخدم الولايات المتحدة سياسة العقوبات؟

بشكل عام تدعي الولايات المتحدة أنها تفرض عقوبات على الدول التي تدعم الإرهاب أو تنتهك حقوق الإنسان ضد شعوبها و حلفائها الآخرين. ومع ذلك فإن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تفرض العقوبات على الدول التي تهدد مصالحها مثل الإجراءات التجارية التي تضر بها. عادةً ما تشمل أهداف العقوبات الأمريكية مجابهة السلوكيات غير المرغوبة والحفاظ على الأمن القومي، وتغيير السياسات ودعم الأصدقاء والحلفاء وجذب الانتباه الدولي.

خلال عام 2024 فرضت الولايات المتحدة برامج عقوبات شاملة ضد كوبا وكوريا الشمالية وإيران وروسيا وسورية، بالإضافة إلى عشرات عقوبات الأخرى ضد أفراد وهيئات مرتبطة بأزمات سياسية معينة أو أنواع محددة من السلوكيات المشكوك فيها (من وجهة نظر الأمريكية). بشكل عام تضع OFAC أكثر من اثني عشر ألف فرد وشركة ومجموعة (المعروفة باسم "الأفراد المعينين بشكل خاص" أو SDN) ) على قائمة سوداء يتم منعهم من التعامل مع أمريكا. خلال فترة رئاسة جو بايدن فرضت OFAC عقوبات على آلاف الأفراد والشركات من عدة دول في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا.[2]

تتواصل العقوبات الأمريكية مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدول، وتأثيراتها تختلف اعتمادًا على السياق ونوع العقوبات، ومن بين هذه التأثيرات:

1. تقليل الصادرات والواردات 2. نقص في سلسلة التوريد 3. تقليل الاستثمار الأجنبي 4. زيادة معدل البطالة 5. اضطراب في الخدمات العامة  6. ارتفاع الأسعار والتضخم 7. تدهور العملة الوطنية 8. إضعاف النظام السياسي والاجتماعي للدول. واليوم هناك مجموعة من الأدلة التي توضح أن العقوبات الواسعة والنوعية غالبًا ما تتسبب في قتل المدنيين الأبرياء في جميع أنحاء العالم أو تتسبب لهم بأضرار جسيمة.[3]

ما تأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

تشير الأدلة إلى أن العقوبات الاقتصادية تلحق أضرارًا خطيرة بالسكان المدنيين في الدول. فالعقوبات الواسعة توقف جزءًا من النمو الاقتصادي لدولة ما وأحيانًا تؤدي إلى الركود أو حتى تطيل فترة الركود. كما أن العقوبات تعطل الوصول إلى السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة والدواء، وتمنع وصول المساعدات الإنسانية مما يؤدي إلى انتشار الفقر والجوع والمرض وزيادة الوفيات القابلة للتجنب.

العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة يمكن أن تعرقل أيضًا الاستجابات المشتركة للأزمات العالمية. فعلى سبيل المثال عندما أصدر صندوق النقد الدولي 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة لدعم الاقتصاد العالمي في عام 2021، حالّت العقوبات الأمريكية على العديد من البنوك المركزية في الدول من استخدامها لحصتها في هذا الشأن.[4]

في الواقع، الهدف الرئيسي من فرض العقوبات من قبل الأمريكيين هو تعزيز مصالحهم الاستعمارية والتوسعية مثل دعم نظام إسرائيل وفرض عقوبات على الدول التي تدعم الشعب الفلسطيني البائس والمظلوم، مما أدى إلى أزمة المجاعة ونقص المعدات الصحية والطبية في فلسطين المحتلة، وهو ما يهدد حياة العديد من النساء والأطفال بالإضافة إلى ويلات الحرب. كما أن التأثيرات السلبية للعقوبات على الأمن الغذائي والصحي في اليمن وسورية والدول الإفريقية كانت واضحة تمامًا في السنوات الأخيرة.

على سبيل المثال، أظهرت الدراسات الحديثة أن العقوبات الأمريكية ضد فنزويلا أدت إلى وفاة عشرات الآلاف من الناس في غضون عام واحد. كما أن العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية تسببت في مقتل حوالي 4000 مدني فقط في عام 2018.  تدفع هذه العواقب الاقتصادية والإنسانية المدمرة المدنيين للبحث عن حياة أفضل في أماكن أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد تم طرح هذا الارتباط بين العقوبات والهجرة كأحد التحديات الجديدة من قبل علماء الاقتصاد وأعضاء الكونغرس والقادة الأجانب،[5] مما تسبب في مشاكل للولايات المتحدة نفسها.

بشكل عام، يمكن القول إن العقوبات يمكن أن تؤثر اقتصاديًا واجتماعيًا على الدول والأفراد الذين تخضع للعقوبات، وغالبًا ما تُفرض بهدف تغيير سلوك أو سياسات معينة. ولكن معظم هذه العقوبات لا تتمتع بأثر رادع وقد أثرت سلبًا على حياة الناس الأبرياء في تلك الدول. وكان للعقوبات الأمريكية تأثيرات سلبية مباشرة وغير مباشرة على الوضع الغذائي والمجاعة في الدول الخاضعة للعقوبات. فقد حدت هذه العقوبات من الوصول إلى المواد الغذائية والمعدات الزراعية، مما أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية. كما أن العقوبات أثرت سلبًا على اقتصاد الدول الخاضعة لها مما قلل من قدرة الحكومات على تأمين الغذاء.

حکیمه زعیم باشی


[1] https://www.investopedia.com/financial-edge/0410/countries-sanctioned-by-the-u.s.---and-why.aspx

[2] https://www.cfr.org/backgrounder/what-are-economic-sanctions

[3] https://www.cepr.net/report/us-sanctions-policy-frequently-asked-questions/

[4] https://www.cepr.net/report/us-sanctions-policy-frequently-asked-questions/

 

[5] https://www.cepr.net/report/us-sanctions-policy-frequently-asked-questions/