القواعد الأمريكية مصدر للسلام أم للحرب؟

تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة لديها 750 قاعدة أمريكية في أكثر من 80 دولة ومنطقة مستعمرة، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد السفارات والقنصليات التي تمتلكها على مستوى العالم. ورغم أن عدد القواعد الأمريكية انخفض إلى النصف منذ نهاية الحرب الباردة، إلا أن عدد الدول التي تستضيف القواعد الأمريكية تزايد باستمرار و وصل إلى الضعف. وتزعم أمريكا أن هذه القواعد "العسكرية" تهدف إلى الحفاظ على السلام العالمي، ولكن في الحقيقة، الواقع شيء آخر.

مارس 20, 2024 - 10:28
القواعد الأمريكية مصدر للسلام أم للحرب؟
القواعد الأمريكية مصدر للسلام أم للحرب؟

تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة لديها 750 قاعدة أمريكية في أكثر من 80 دولة ومنطقة مستعمرة، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد السفارات والقنصليات التي تمتلكها على مستوى العالم. ورغم أن عدد القواعد الأمريكية انخفض إلى النصف منذ نهاية الحرب الباردة، إلا أن عدد الدول التي تستضيف القواعد الأمريكية تزايد باستمرار و وصل إلى الضعف. وتزعم أمريكا أن هذه القواعد "العسكرية" تهدف إلى الحفاظ على السلام العالمي، ولكن في الحقيقة، الواقع شيء آخر.

حتى تاريخ سبتمبر 2023، كان هناك أكثر من 228390 عنصراً عسكريًا أمريكيًا متمركزين في عدة دول أجنبية، منهم 168571 جنديًا في الخدمة الفعلية. بالإضافة إلى ذلك، يعمل 59.819 عنصراً من القوات الأمريكية في شكل قوات احتياطية ومدنية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في المكاتب والمختبرات وفي أماكن بناء السفن والمطارات والمراكز الطبية والمراكز التعليمية في هذه الدول.

تعد الدول التالية: اليابان بـ 53.246، وألمانيا بـ 35.188، وكوريا الجنوبية بـ 24.159، وإيطاليا بـ 12.405، والمملكة المتحدة بـ 9.949، الدول الخمس الأولى التي لديها أكبر عدد من القوات الأمريكية. وتمتلك الولايات المتحدة 119 قاعدة في ألمانيا، و119 قاعدة في اليابان، و73 قاعدة في كوريا الجنوبية، و44 قاعدة في إيطاليا. وبطبيعة الحال، قد يكون عدد تلك القواعد أكبر لأنه لا يتم نشر جميع البيانات من قبل البنتاغون.[1]

تم بناء العديد من القواعد العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية خارج هذا البلد بعد الحرب العالمية الثانية، أي عندما ادعت هذه الدولة القيادة العالمية وحماية السلام في اليابان وألمانيا ومحيطها، ولهذا السبب فإن هاتين الدولتين هما أكثر ما لديهم قواعد أمريكية في أراضيهم. وبعد ذلك، أعطت الحرب الباردة والحرب الكورية الولايات المتحدة سببًا آخر للتوسع العسكري العالمي، وهو احتواء الشيوعية. [2]

وتقدر التكلفة الأساسية السنوية للقواعد الأمريكية بنحو 55 مليار دولار، والتي تصل مع إضافة تكاليف الأفراد إلى إجمالي 80 مليار دولار. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، التي أعقبها إعلان أمريكا حربًا عالمية على الإرهاب على مدى العقدين الماضيين، أنفق الجيش الأمريكي أكثر من 100 مليار دولار على بناء قواعد جديدة، معظمها في دول مثل العراق وأفغانستان، والتي كانت بمثابة ثقوب سوداء ابتلعت كميات هائلة من الأموال التي أنفقها الجيش الأمريكي.

وهذه القواعد مكلفة بطرق عديدة: ماليا وسياسيا واجتماعيا وبيئيا. غالبًا ما تؤدي القواعد الأمريكية في الأراضي الأجنبية إلى زيادة التوترات الجيوسياسية، ودعم الأنظمة غير الديمقراطية، وتكون بمثابة أدوات تجنيد للجماعات المسلحة المعارضة لوجود الولايات المتحدة والحكومات المتحالفة معها. وفي حالات أخرى، سهلت هذه القواعد على الولايات المتحدة شن وتنفيذ حروب كارثية، بما في ذلك تلك الموجودة في أفغانستان والعراق واليمن والصومال وليبيا.[3]

إن وجود القوات الأمريكية على أراضي الدول الإسلامية هو الذي دفع أسامة بن لادن إلى استهداف أمريكا. ففي فبراير/شباط 2003، قبل غزو العراق، اعترف نائب وزير الدفاع الأميركي آنذاك بول وولفويتز بأن الوجود الأميركي في المنطقة كان سبباً في استقطاب قوات وعناصر مسلحة إلى جماعة أسامة بن لادن وهذا كان أهم من زيادة الموارد المالية. وبعد الغزو المخطط له للعراق، قال: "لا أستطيع أن أتخيل أن أحداً هنا يريد أن يبقى هناك لمدة 12 عاماً أخرى للمساعدة في تجنيد المزيد من الإرهابيين".

ربما كانت النتيجة الأكثر خطورة لوجود القواعد الأمريكية والتي لا نهاية لها هي الحروب التي ستدوم مع بقاء تلك القواعد. إن وجود قواعد قريبة من مناطق الصراع يقلل من تكاليف التدخل المباشر ويزيد من التورط في الصراعات المحلية والدخول في النزاعات. منذ عام 1980، تم استخدام القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط 25 مرة على الأقل لشن حروب أو أعمال حربية أخرى في 15 دولة على الأقل في المنطقة. ومنذ عام 2001، شارك الجيش الأمريكي في حروب في 25 دولة على الأقل حول العالم.[4]

لقد انخرطت أميركا في حروب مباشرة وبالوكالة في الخارج طوال 232 عاماً من عمرها البالغ 248 عاماً، ولم تمر عقداً كاملاً دون حرب. إن النزعة العسكرية الأمريكية تضر بالاستقلال العسكري والسياسي للدول، لأن هذا التهديد موجود دائما من القواعد التي تعتبر رمزا للتدخل السياسي في الدول، ويجب على الحكومات تعديل مطالبها بما يتوافق مع الرغبات والأهداف الأمريكية حتى تحمي نفسها منها ومن ضررها المحتمل.

ولا يقتصر الأمر على أن الأميركيين لا يخفضون عدد قواعدهم، بل إنهم يبنون قواعد جديدة في شرق آسيا بحجة احتواء الصين، وهذا يجعل المستقبل غير متفائل. وقد أثبتت التجربة أن هذه القواعد غالبا ما تؤدي إلى الحروب، والمزيد من القواعد يؤدي إلى المزيد من الحروب.

 محمد صالح قرباني


[1]   https://usafacts.org/articles/where-are-us-military-members-stationed-and-why/

[2] https://www.overseasbases.net/fact-sheet.html

[3]   https://globalaffairs.org/bluemarble/us-sending-more-troops-middle-east-where-world-are-us-military-deployed

[4] https://www.cato.org/commentary/750-bases-80-countries-too-many-any-nation-time-us-bring-its-troops-home