لغز القوقاز الجنوبي
أدّت الحرب في أوكرانيا إلى حدوث تغييرات واسعة في النظام الدولي. ومن بين تلك التغييرات الحرب بين أرمينيا وأذربيجان. لقد أحدثت حرب ناغورنو كاراباخ تعقيدات عديدة في العلاقات بين الدول والقوى الكبرى. في الواقع يمكن دراسة وتحليل مجريات هذه الحرب في إطار التوتر بين روسيا والغرب، حيث تخلّت روسيا عن دعم أرمينيا وأعطت الفرصة لقوى كبرى أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة. يمكن أن يؤدي هذا الحدث إلى تشكيل جبهة جديدة في المنطقة مما يجعل القوى الإقليمية والعالمية تولي اهتمامًا أكبر للقوقاز.
أدّت الحرب في أوكرانيا إلى حدوث تغييرات واسعة في النظام الدولي. ومن بين تلك التغييرات الحرب بين أرمينيا وأذربيجان. لقد أحدثت حرب ناغورنو كاراباخ تعقيدات عديدة في العلاقات بين الدول والقوى الكبرى. في الواقع يمكن دراسة وتحليل مجريات هذه الحرب في إطار التوتر بين روسيا والغرب، حيث تخلّت روسيا عن دعم أرمينيا وأعطت الفرصة لقوى كبرى أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة. يمكن أن يؤدي هذا الحدث إلى تشكيل جبهة جديدة في المنطقة مما يجعل القوى الإقليمية والعالمية تولي اهتمامًا أكبر للقوقاز.
اللاعبون الرئيسيون
على مر التاريخ شهدت منطقة القوقاز وجود ثلاثة لاعبين رئيسيين، وهم روسيا والولايات المتحدة وفرنسا. لقد حاولت هذه الدول دائمًا أن تحافظ على توازن الأوضاع في هذه المنطقة. ومع ذلك بعد الحرب الثانية على ناغورنو كاراباخ وعدم قيام اللاعبين في هذه المنطقة بدورهم الكامل اتخذت أرمينيا خطوات لتغيير نهجها وخرجت من المعادلات التقليدية. وفي هذا السياق قامت أرمينيا بتقليل علاقاتها مع روسيا وزيادة تعاملاتها مع فرنسا والهند واليونان وبالطبع الولايات المتحدة.[1]
تسعى أرمينيا، بعد خيانة روسيا لها إلى ملء الثغرات الأمنية والعسكرية ولذا توجهت أولاً إلى حليفها التقليدي فرنسا. وتعتبر فرنسا أيضًا ذلك فرصة مناسبة لتعزيز وجودها في القوقاز. في الواقع بعد الخسارة التي تكبدتها فرنسا أمام روسيا في أفريقيا والتي أدت إلى تآكل أو تقليص مصالحها تسعى فرنسا لتحقيق توازن ضد روسيا. لذا فإن زيادة الوجود الفرنسي في القوقاز تمثل فرصة نادرة يمكن استخدامها كأداة ضد روسيا. ومع ذلك يجب أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار أن فرنسا قد لا تمتلك الكثير من قدرة المناورة في هذه المنطقة، لأن جزءًا من الطاقة في أوروبا يتم تأمينه عبر أذربيجان، والتي تمتلك ورقة ضغط مناسبة يمكن استخدامها ضد فرنسا إذا دعت الحاجة. بالإضافة إلى ذلك فإن فرنسا لا تستطيع وحدها تأمين كافة احتياجات أرمينيا الأمنية، وإذا لم تكن الولايات المتحدة إلى جانبها ستواجه فرنسا وأرمينيا مشاكل كبيرة.
في المقابل تسعى أذربيجان أيضًا لتعزيز مستوى علاقاتها مع المنافسين ودول أرمينيا الصديقة. لقد بدأوا في التفاوض مع باكستان لتوفير بعض المعدات العسكرية، وهم يسعون لزيادة التعاون العسكري مع هذا البلد[2].
إلى أي اتجاه تسير الأمور؟
إن التحولات الواسعة التي حدثت في النظام الدولي مرتبطة ببعضها البعض بطريقة تسلسلية ومن المرجح أنه لا يمكن فهم الظروف دون مراعاة القوى الكبرى والإقليمية. إن القوقاز الجنوبي ليس استثناءً من هذه المعادلة، ويجب علينا التنبؤ بمسار مستقبله بناءً على المصالح المحددة. كذلك فإن قضية القوقاز مهمة بالنسبة للقوى الكبرى حيث يسعون لزيادة نفوذهم وقوتهم في هذه المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب الانتباه إلى أن القوقاز منطقة مهمة من حيث تأمين الطاقة وطرق الترانزيت والممرات. فالبلد الذي يستطيع تحقيق أكبر قدر من المصالح هناك سيكون لديه قدرة تفاوضية عالية.
تقوم الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا بدور نشط في هذه المنطقة إلى جانب القوى الإقليمية. تركيا وإسرائيل تقفان مع أذربيجان، حيث تسعيان إلى زيادة نفوذهما الاستراتيجي في المنطقة عبر توفير الأسلحة والدعم السياسي. تركيا بالإضافة إلى النظرة القومية التركية وإحياء الإمبراطورية العثمانية تسعى لتعزيز نفوذها السياسي في المنطقة من خلال التحكم في ممرات الطاقة، وذلك لتقديم نفسها كلاعب مهم وكبير. كما تسعى إسرائيل لزيادة الضغط على الجمهورية الإسلامية، وتحاول الاقتراب من حدود إيران لتكون في موقف متساوٍ أمنيًا معها مما يمكنها من تحقيق مصالحها بشكل أفضل.
وعلى الجانب الآخر، تقف اليونان وإيران. هذان البلدان يحاولان الحفاظ على الوضع الإقليمي دون حدوث أحداث صعبة. اليونان تسعى لزيادة الضغط على تركيا وتحاول من خلال تعزيز العلاقات مع أرمينيا أن تساهم في الضغط على تركيا خاصة فيما يتعلق بالقضايا المتنازع عليها لاسيما القضايا الحدودية وقضية قبرص[3].
إيران أيضاً تسعى لمنع التغيرات الحدودية، لأن أرمينيا هي المدخل إلى البحر الأسود بالنسبة لإيران، ومن المهم لإيران أن تبقى الحدود دون تغيير، لأنها تستطيع من خلال ذلك إقامة علاقات متوازنة مع كلا جارتها. أما بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة، فإن المسألة أكثر اتساعاً وتعقيداً. روسيا تسعى للحفاظ على حيويتها والحفاظ على اعتماد الطاقة العالمي إلى حد كبير على مجال نفوذها، بينما تسعى الولايات المتحدة لزيادة الضغط على روسيا وتضييق الخناق عليها للسيطرة عليها، وربما تدفعها للتراجع والانسحاب من أوكرانيا. من خلال ذلك تستطيع أمريكا مرة أخرى أن تبرز نفسها كقوة عظمى في النظام الدولي، وقد تمنع تغيير في هيكل النظام الدولي وهو أمر لا ترغب روسيا فيه بالتأكيد.
لذا يبدو أن معضلة النزاعات في القوقاز ستحددها ساحة اللعب للقوى الكبرى، وهي ساحة واسعة ومتعددة المستويات حيث توجد مصالح عديدة مدفونة فيها. إذا لم تقم دول القوقاز والقوى الإقليمية بدورها بشكل صحيح في هذا النزاع فسيتعين عليها دفع ثمن باهظ وصعب في المستقبل.
[1] reuters.com
[2] iras.ir
[3] cepa.org