هل تُفتح صفحةٌ جديدة في العلاقات الروسية السورية !
لم يكن لقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مجرد اجتماع اعتيادي، بل جاء مليئاً بالنقاشات والتساؤلات حول العلاقات الثنائية بين البلدين بعد انهيار نظام بشار الأسد.
لم يكن لقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مجرد اجتماع اعتيادي، بل جاء مليئاً بالنقاشات والتساؤلات حول العلاقات الثنائية بين البلدين بعد انهيار نظام بشار الأسد. وبينما ركزت وسائل الإعلام الغربية على مسألة تسليم الأسد بالرغم من غياب أي تصريح رسمي في هذا الشأن مع احتمالية مناقشته "بدون شك"، ولكن كان هناك مسائل أكثر أهمية تم تناولها أثناء اللقاء وأهمها قضايا تتعلق بوجود القواعد العسكرية الروسية في سورية والاتفاقيات الموقعة وكيفية استمرار العمل بها أو تنظيمها.
عُقد اللقاء الثلاثاء الماضي، حيث ناقشت الإدارة السورية الجديدة بشكل غير مباشر ملف تسليم الأسد مشيرة إلى ضرورة "دور روسيا في إعادة بناء الثقة مع الشعب السوري من خلال إجراءات ملموسة مثل التعويضات وإعادة الإعمار". وتزامن ذلك مع تعبير عن أهمية مناقشة "آليات العدالة الانتقالية" لتحقيق المساءلة وحقوق ضحايا الحرب التي تسبب فيها نظام الأسد.(1)
مناقشات صريحة حول التحديات الجديدة
وكانت روسيا قد أعلنت الأربعاء أنها أجرت مناقشات "صريحة" مع القيادة السورية الجديدة وسط مساعيها للحفاظ على وجود قاعدتيها العسكريتين في البلاد، حيث أكد الطرف السوري أن "استعادة العلاقات تتطلب معالجة أخطاء الماضي" واحترام إرادة الشعب لكنها لم تكن القضية الوحيدة المطروحة حيث شملت المفاوضات تفاصيل معقدة أخرى.
من المهم الإشارة إلى أن هذه الجولة من الحوار كانت التجربة الرسمية الأولى لمسؤول روسي مع القيادة الجديدة في دمشق، وقد سبقها العديد من اللقاءات الدبلوماسية والعسكرية في ضوء الوساطات الإقليمية. فهذا يعني أن القضايا الخلافية لم تكن مفاجئة للطرفين بل كانت نتيجة للمساعي الدبلوماسية المستمرة. وقد أظهرت الاختلافات في الأولويات بين الجانبين صعوبة المحادثات مما يدل على التحديات الكبيرة التي تحتاج إلى المزيد من الحوار والعمل لتحقيق توافق في الآراء.
ملفات أساسية للنقاش
شمل الحوار حول ثلاث قضايا رئيسية من زوايا مختلفة:
1. الوجود العسكري الروسي في سورية وآفاقه وحلوله المستقبلية.
2. مستقبل التعامل مع الأسد وحلفائه المحميين حالياً من روسيا.
3. وثيقة العلاقات الثنائية بما في ذلك دور الشركات الروسية الكبرى في إعادة إعمار سورية وتطوير بنيتها التحتية.
و وصف الكرملين هذه الزيارة الأولى للوفد الروسي إلى دمشق "بالمهمة"، بينما وصفت وزارة الخارجية اللقاء بأنه "بنّاء". ومع ذلك بقيت المسائل المتعلقة بمصير القواعد العسكرية الروسية محاطة بالتساؤلات، وهو ما يعد التحدي الأكبر في هذه المرحلة حتى أكثر من مصير الأسد نفسه.
تطورات متسارعة في السياق الإقليمي
إن ماتشهده الساحة السورية مؤخراً من مناقشة معظم الملفات العالقة مع الدول الحليفة أو التي كانت تعد طرفاً معادياً والآن فتحت لها الأبواب لإعادة العلاقات، كدول الإتحاد الأوروبي وأمريكا وباقي الدول العربية وتركيا، يعطينا إشارة واضحة إلى أين تسير دفة الحكم. فمن الطبيعي أن تظهر مصالح الدول التي تتحالف وتؤيد الإدارة الحالية وهذا بطبيعة الحال يحول دون تطور وتنامي مصالح الدول الصديقة سابقاً كروسيا وإيران ونضيف إليها مصر والسعودية والإمارات وهي دول تجامل المرحلة الحالية إن صح التعبير حتى تتبين مصداقية السلطة الحالية في إدارة البلاد بشكل يتناغم مع مصالح تلك الدول.
وفقًا للخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي أنطون مارداسوف فإن ملف القواعد العسكرية مرتبط بمجموعة من المتغيرات الإقليمية والدولية. وقد تغيرت الديناميكيات حول القواعد الروسية منذ سقوط الأسد حيث كانت موسكو قريبة من اتفاق بشأن الحفاظ على قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية بعد انهيار النظام. لكن الوضع سرعان ما تغير مجددًا مع ورود معلومات تفيد بضلوع القواعد الروسية في تسهيل هروب ضباط من نظام الأسد. مما دفع الإدارة السورية الجديدة إلى اتخاذ خطوات حاسمة شملت تعليق الحوار وتكثيف الدوريات حول القواعد وبالتالي فرض قيود على حركة السفن الروسية في ميناء طرطوس.(2)
الجدير بالذكر أن الأسابيع الماضية شهدت تبادلاً للرسائل الإيجابية بين البلدين، حيث عبَّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن رغبة بلاده في إقامة علاقات مع الإدارة السورية الجديدة، وأن ذلك يتطلب البحث من الطرفين عن أرضية مشتركة. في المقابل، قال قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع إن روسيا هي ثاني أقوى دولة في العالم، ولها أهمية كبيرة، كما شدد على أن لدمشق مصالح استراتيجية مع موسكو، معبِّراً عن تطلع إدارته إلى تحقيق مصالح الشعب السوري أولاً.
وكان واضحاً منذ تسلُّم الإدارة الجديدة للسلطة في دمشق تجنب الاصطدام مع روسيا حليفة النظام السابق التي هرب إليها بشار الأسد وعائلته، حيث أبقت الإدارة الجديدة على القاعدتين الروسيتين مع وضع حراسة في محيطهما، كما أن موظفي السفارة الروسية في دمشق بقوا في دمشق. بينما سحب الجانب الروسي بعض الآليات والأفراد من سورية خلال الفترة الماضية ولكنه فتح باباً للتفاوض فيما يخص ملفات كثيرة أبرزها كان القاعدتان العسكريتان ومصيرهما.
في المجمل، يظل مستقبل العلاقات بين روسيا وسورية معقدًا ويلفه الغموض ويتطلب المزيد من الوقت والمناقشات والتفاهم المتبادل بين الأطراف المعنية. وتخضع هذه العلاقة بمجملها بين موسكو ودمشق لمراجعة شاملة حالياً وأن كانت خطواتها لا تبدو متسارعة. وإذا كانت زيارة بوغدانوف قد فتحت باب الحوار وكسرت الجليد بين الطرفين، فإنها مجرد جولة أولى "استكشافية" فقط ينتظر أن تليها جولات من الحوار الشائك والمليء بالصعوبات.
1. https://asharq.com/politics/114485/%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D
2. https://acpss.ahram.org.eg/News/21334.aspx