ترامب وتغيير الحكومات الأوروبية

تُنبئ حكومة ترامب الثانية بتغيرات ملحوظة في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، ويبدو أن هدفها هو إعادة تصميم المشهد السياسي في الدول الحليفة التقليدية، وخاصة في بريطانيا ودول أوروبا الأخرى.

فبرایر 3, 2025 - 03:01
ترامب وتغيير الحكومات الأوروبية

تُنبئ حكومة ترامب الثانية بتغيرات ملحوظة في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، ويبدو أن هدفها هو إعادة تصميم المشهد السياسي في الدول الحليفة التقليدية، وخاصة في بريطانيا ودول أوروبا الأخرى. وتعكس هذه الاستراتيجية تصحيحًا أساسيًا في العلاقات عبر الأطلسي يستند إلى توافقات أيديولوجية ومبادئ قومية، مع التركيز على المصالح الوطنية الأمريكية.  

تسعى حكومة ترامب الثانية إلى اتباع استراتيجية محددة لتعزيز الزعماء السياسيين المتشابهين في الفكر في أوروبا، خاصة أولئك الذين يؤكدون على القومية والسيادة الوطنية. يمكن رؤية هذه السياسة في مجالين: الأيديولوجي والاقتصادي. في الجانب الأيديولوجي يدعم ترامب السياسيين الذين يؤكدون على السيادة الوطنية لبلدانهم بدلاً من الالتزامات متعددة الأطراف ويعتمدون نهجًا مشككًا تجاه المؤسسات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.(1)
  
كما أنه يفضل العلاقات الثنائية على التعاونات متعددة الأطراف ويعمل على تعزيز القيم المحافظة التقليدية والسياسات القومية. في المجال الاقتصادي تسعى حكومة ترامب إلى إبرام اتفاقيات تجارية ثنائية تصب في مصلحة المصالح الاقتصادية الأمريكية، حتى وإن أدى ذلك إلى تقليل الاستقلال الاقتصادي لأوروبا. لقد تحدى إطار التجارة متعددة الأطراف الحالي ويدعم القادة الذين يميلون إلى تقليل القيود والتنمية الاقتصادية. تهدف هذه السياسات بشكل عام إلى زيادة نفوذ الولايات المتحدة على السياسات الاقتصادية والسياسية في الدول الأوروبية وقد تؤدي إلى تغيير النظام التقليدي للعلاقات الدولية بينما تسير أوروبا نحو مزيد من التبعية للولايات المتحدة.
  
تظهر استراتيجية حكومة ترامب الثانية تجاه أوروبا ولا سيما في بريطانيا تغييرًا جذريًا في العلاقات التقليدية للولايات المتحدة مع حلفائها على مستوى العالم. تم تصميم هذه السياسة بهدف تعزيز القادة القوميين وتقليل الاعتماد على المؤسسات متعددة الأطراف، مثل الاتحاد الأوروبي. وبما أن بريطانيا، بصفتها دولة تعيد تعريف مكانتها العالمية بعد "بريكست"، فهي تُعد هدفًا خاصًا للتأثير الأمريكي. في الواقع تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة التعاون الثنائي مع بريطانيا ولكن مع بريطانيا التي تواكب أهداف وأفكار ترامب.  

يعتبر كير ستارمر رئيس وزراء إنجلترا رغم محاولته إظهار نفسه كقائد يتماشى مع الولايات المتحدة، خيارًا قوميًا أكثر تفضيلًا بالنسبة لترامب مقارنة بممثل حزب العمل.

تستخدم إدارة ترامب لتحقيق أهدافها أدوات مثل الضغط الدبلوماسي والحوافز الاقتصادية والدعم الإعلامي لتوجيه السياسة الداخلية لهذه الدول. أدت هذه الاستراتيجية إلى زيادة الاستقطاب في السياسة الأوروبية وتعزيز الحركات المناهضة للاتحاد الأوروبي، مما يزيد من تحديات النظام التقليدي للعلاقات الدولية. تظهر عقيدة "أمريكا أولاً" بوضوح في هذه الاستراتيجية، حيث تتقدم المصالح الوطنية الأمريكية على الالتزامات التقليدية مع الحلفاء. ويعتبر استخدام القوة الاقتصادية كأداة للتأثير، وتوقع الولاء من الحلفاء وعدم الاكتراث بالمؤسسات الدولية، من أهم الخصائص البارزة لهذه السياسة.

في مثل هذه الأجواء يجب على الدول الأوروبية أن تسعى بشكل نشط للحفاظ على استقلالها السياسي والاقتصادي. إن تبني سياسات متوازنة، وتقليل الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية تُعتبر من بين الإجراءات التي يمكن أن تزيد من قدرة أوروبا على مواجهة هذه التدخلات. وعلى المدى الطويل قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى إعادة تعريف التحالفات التقليدية وتغيير موازين القوى العالمية وتحول في المعايير الدبلوماسية. 
 
تشير علامات التحذير مثل دعم الولايات المتحدة للسياسيين الوطنيين، وفرض الضغوط الاقتصادية على الحكومات المستقلة، والدعم لحركات تتماشى مع المصالح الأمريكية، إلى تحديات كبيرة قد تواجهها أوروبا. في ظل هذه الظروف ينبغي على الدول الأوروبية أن تتفهم هذه التطورات بشكل جدي، وأن تسعى للحفاظ على سيادتها بما يشمل إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة وتعزيز مسارات التعاون البديلة.  

لذلك يجب على الحكومات الأوروبية أن تدرك هذا التغيير وأن تتبنى استراتيجيات تحافظ على سيادتها بينما تتعاون مع الولايات المتحدة. ويستند نجاحها في ذلك إلى قدرتها على تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والاستقلال السياسي، وتعزيز التعاون مع حلفاء جدد. بالإضافة إلى ذلك فإن تعزيز المؤسسات الديمقراطية وزيادة القدرة على مواجهة الضغوط الخارجية يمكن أن يساعد في الحفاظ على الاستقرار السياسي.  

تتطلب هذه الحقيقة الجديدة اهتمامًا واستجابة دقيقة من جميع دول الاتحاد الأوروبي إذ إن عواقب هذا النهج لا تقتصر على تغييرات سياسية قصيرة الأمد بل تمتد أيضًا إلى تحولات طويلة الأمد في النظام الدولي. التحدي الذي يواجه القادة الأوروبيين سيكون كيفية الحفاظ على علاقاتهم مع الولايات المتحدة في حين يحافظون على استقلالهم الوطني وقيمهم الديمقراطية. لذلك ينبغي على أوروبا وخاصة بريطانيا أن تدرك أن الولايات المتحدة تمتلك قوة أكبر في التعامل الثنائي مع الدول مقارنة بوجودها ككتلة واحدة. ولهذا السبب تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق تغييرات بسلاسة وبدون صراع بناءً على مصالحها ويجب على الدول الأوروبية أن تكون على وعي جيد بهذا الخطر الذي قد يوقعها في فخ خطير له عواقب بعيدة المدى.


أمين مهدوي

1. independent