القرار التعسفي بحق أمريكا!

القرار التعسفي بحق أمريكا!

Aug 15, 2023 - 10:24
القرار التعسفي بحق أمريكا!
القرار التعسفي بحق أمريكا!

      خبرٌ أذهل الأوساط الإقتصادية على مستوى العالم وصدم الكثيرين وعلى رأسهم البيت الأبيض، وكالة "فيتش" للتصنيف الإئتماني تخفض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة الأمريكية من (AAA)  إلى (AA+)، هذا التخفيض يعتبرُ الأول من نوعه في تاريخ أمريكا، عدا التخفيض الذي حصل بسبب أزمة رفع سقف الدين العام في 2011م وكان من قبل وكالة أخرى.

     البيت الأبيض أعلن أنه يرفض "بشدة" قرار وكالة فيتش بتخفيض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة الأمريكية. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار: "إن خفض تصنيف البلاد في وقت حقّق الرئيس جو بايدن أقوى تعافٍ اقتصادي بين كل الاقتصادات الكبرى في العالم، هو أمر يُخالف الواقع".[1] أما وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، صرحت "بأن قرار خفض التصنيف "قرار تعسفي" وقالت : أختلف بشدة مع قرار فيتش بشأن التصنيف الإئتماني معتبرة أن التغيير الذي أعلنته الوكالة كان "تعسفياً" ويستند إلى بيانات قديمة. [2]

     لابد لنا أن نعرف بدايةً قبل تحليل مجريات الخبر، ماذا يعني التصنيف الإئتماني للدول؟ يقول الخبراء أن التصنيف الإئتماني هو مؤشر يبين مدى قدرة الدولة على سداد ديونها على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد، بالتالي يؤثر التصنيف على قدرة الدولة على الإقتراض وسعر الفائدة الذي تقترض بموجبه، وبالتالي كلما انخفض التصنيف أزدادت صعوبة الإقتراض وارتفع سعر الفائدة[3]، وهذا يذكرنا بالإئتمان الشخصي كمثال واقعي لذلك، كلما زاد التصنيف الإئتماني للشخص المقترض ازدادت سهولة حصوله على القرض بدون شروط صعبة وبفائدة أقل، وطالما أن التصنيف هو مؤشر قدرة السداد فإنه يعتبر أولوية للبنوك العالمية في تحديد شروط منحها القروض والموافقة على إعطائها للدولة المستدينة، الجدير بالذكر أن وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني هي وكالة أمريكية ولكنها تعمل بشكلٍ محايد ومن قلب الولايات المتحدة، وقد تأسست قبل أكثر من مائة عام في 1913م من قبل مؤسسها "جون نولز فيتش" في مدينة نيويورك باسم شركة فيتش للنشر، وحالياً لديها مكتب رئيسي في لندن ونيويورك.[4]

في ذات السياق، ذكرت الوكالة نفسها أسباب اتخاذ هذا القرار وأوضحت في بيان لها في نفس اليوم الذي أعلنت فيه عن قرارها أن " خفض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة يعكس التدهور المتوقع للمالية العامة خلال السنوات الثلاث المقبلة، و العبء المرتفع والمتزايد للدين العام الحكومي ، وتآكل الحوكمة ". وأضافت "أنه ليس لدى الحكومة إطار مالي متوسط الأجل ولديها آلية ميزانية معقدة، وقد ساهمت هذه العوامل إلى جانب كثير من الصدمات الإقتصادية والتخفيضات الضريبية ومبادرات الإنفاق الجديدة في زيادات متتالية في الديون على مدى العقد الماضي".[5]

أي أن السبب المباشر هو ارتفاع حجم الديون، وأعقب ذلك على الفور انخفاض في الأسهم الأمريكية وانخفضت قيمة الدولار الأمريكي وتبعه ارتفاع في سعر الذهب. كما أن الخلافات بشأن رفع سقف الدين بعد وصول حجم الديون إلى 31 تريليون دولار أمريكي قبل شهرين، ووصوله إلى 130% مقارنة بحجم الناتج المحلي السنوي، خلق خلافات واسعة في الولايات المتحدة، وأنتج اتفاقاً في اللحظات الأخيرة قبل حدوث عواقب اقتصادية سلبية، وهذا ما أعطى مبرراً لفيتش بقرار خفض التصنيف.

 ماهو أثر خفض التصنيف على الولايات المتحدة؟

إن تصنيف (AAA) هو أعلى تصنيف إئتماني في العالم، ولا يتمتع به إلا عدد محدود جداً من الدول التي تمتلك إجماعاً عاماً من ثلاث وكالات تصنيف عالمية، هذه الدول هي : استراليا ، الدانمارك ، ألمانيا ، لوكسمبورغ ، هولندا ، نرويج ، سنغافورة ، السويد ، سويسرا. وكانت أمريكا معهم في القائمة قبل ذلك القرار.[6]

إن خفض تصنيف الولايات المتحدة إلى (AA+) ليس نهاية العالم بالنسبة لها، فهو تصنيف جيد جداً وقوي لكنه ليس ممتاز مثل (AAA)  وفي كلا الحالتين تبقى بعيدة عن التأثّر بالأزمات الإقتصادية الكبرى. ولدى أمريكا تصنيف مماثل بالنسبة لوكالة " ستاندرد آند بورز" (STANDERD&POORS) والذي هو نفسه ((AA+، بينما تحافظ على أعلى تصنيف إئتماني بالنسبة لوكالة "موديز" (MOODYS) وهو (AAA).

على العموم، لايعتبر هذا الإنخفاض مؤشر واضح على أنهيار إقتصادي كبير لدى أمريكا، لكنه ربما ينبء بأزمة إقتصادية قادمة وخاصة مع الركود القادم في ظل استمرارها في رفع الفائدة، ضف إلى ذلك وهو الأهم إعلان مجموعة البريكس والعملة القادمة التي ستلغي الدولار ولهذا تأثيرٌ كبير على الإقتصاد الأمريكي وفي ذالك الحين ستكون مسألة تصنيف الولايات المتحدة إئتمانياً مهمة جداً بعد ظهور بوادر انهيار عملة الدولار. حيث يرى العديد من الخبراء الإقتصاديين أنه في حال ترافق قرار تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة مع استمرار الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار مصارف أخرى في الولايات المتحدة بالإضافة إلى المزيد من الارتفاع في أسعار الذهب والنفط.[7]

وإلى جانب التأثيرات الأخرى مثل ضعف النظام المالي والمخاوف على النظام المالي الأميركي تحديداً ومع الانخفاض الذي نشهده في سوق الأسهم يلجأ المستثمرون إلى الشراء في ملاذات أكثر أماناً مثل الذهب ما يعني أن الذهب سيكون مزاحماً لسوقي السندات والأسهم مع بدء ارتفاع الطلب عليه، ولكن هذا التأثير سيكون على المدى القصير بينما التأثير على المدى الطويل سيكون هامشياً على سوق الذهب والنفط وذلك تبعاً لإجراءات قد تلحق هذا القرار مثل التصنيفات الائتمانية للوكات العالمية الأخرى المعتمدة الأخرى مثل موديز و ستاندرد آند بورز .

 د. حسام السلامة

 

 [1] https://2h.ae/vBjO

[2] www.skynewsarabia.com/world/1641926-فيتش-تخفض-التصنيف-الائتماني-لأميركا-والبيت-الأبيض-يرد

[3] www.snabusiness.com/article/1642166-التصنيف-الائتماني-ولماذا-تخشى-الدول-تراجع-تقييمها؟

[4] ar.wikipedia.org/wiki/وكالة_فيتش

[5] https://2h.ae/kdNA

[6] www.aljazeera.net/encyclopedia/2022/5/30/3-وكالات-كبرى-ومستويات-متعددة-كل-ما

[7] https://2h.ae/dUOV