ما هي أفق العلاقات العسكرية بين تركيا ودول الخليج الفارسي؟
ما هي أفق العلاقات العسكرية بين تركيا ودول الخليج الفارسي؟
اختتمت السعودية، يوم الجمعة الماضي، مشاركتها في معرض الصناعات الدفاعية الدولي "آيدف 2023"، الذي أقيم في مدينة اسطنبول التركية.
وأشارت وكالة الأنباء السعودية "واس" إلى أن الجناح السعودي شهد على هامش فعاليات المعرض اجتماعات للشركات المنضوية تحته مع نظيرتها التركية والعالمية في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية بهدف تعزيز سبل التعاون وتبادل الخبرات.
وبنهاية اليوم الرابع والأخير من معرض آيدف 2023، فاق عدد الزوار 4,000 زائر قام بزيارة جناح المملكة للاطلاع على أحدث التقنيات المشاركة بالمعرض، حيث تم استعراض 8 منتجات دفاعية سعودية الصنع بسواعد وطنية، الأمر الذي يؤكد أن المورد البشري يعد العامل الأكبر والأهم في دفع عجلة توطين الصناعات العسكرية بالمملكة. وفق "واس".
ومؤخرا اختتم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة خليجية هي الأولى له منذ إعادة انتخابه رئيساً في 28 مايو/أيار الماضي، وقد شملت الجولة أبرز دول مجلس تعاون الخليج الفارسي وهي السعودية وقطر والإمارات.
ولا يخفى على أحد أنّ الأجندة التي بُنيت عليها الزيارة كانت أجندة اقتصادية بالدرجة الأولى، لكنها تضمنت أبعاداً أخرى مهمة، منها أنها ألقت وراء ظهرها مرحلة سابقة من التوترات، ومهدت لمرحلة انتقالية لترميم العلاقات الإقليمية اشتملت على خطوات لبناء الثقة.
وتبني هذه الزيارة على زيارة أردوغان السابقة للإمارات قبل أكثر من عام، والتي فتحت فصلاً جديداً لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين قبل انتخابات تركيا في مايو 2023.
ومع صفقة مبيعات الطائرات المسيرة التي أبرمتها تركيا مع المملكة العربية السعودية، وهي أكبر صفقة في تاريخ صناعة الدفاع التركية، والاهتمام الإماراتي المتزايد في الاستثمار في صناعة الأسلحة التركية، وشراء الكويت طائرات مسيرة تركية، فضلا عن التعاون الدفاعي الوثيق بين تركيا وقطر؛ فإن أنقرة تقدم نفسها اليوم لمنطقة الخليج الفارسي بوصفها شريكا جديدا يُمكن الاعتماد عليه في مجالات الأمن والدفاع أيضا.
في الواقع، تتجاوز مبيعات الأسلحة التركية للخليج الفارسي الأهداف التجارية البحتة، وتعكس سعي تركيا للعب دور جديد كقوة استقرار وتوازن إقليمي.
لم تساعد الاضطرابات التي دخلتها علاقات أنقرة مع الرياض وأبو ظبي في السنوات الماضية في مواءمة السياسات الإقليمية بين تركيا والخليج الفارسي عموما، لكن الظروف اليوم تبدو مساعدة للدفع بهذا الاتجاه. لم تعد سياسات التنافس الإقليمي جذابة بأي حال لمختلف القوى الفاعلة في المنطقة، كما أن هناك قناعة تشكلت في أنقرة والعواصم الخليجية بأن التعاون الثنائي في القضايا الإقليمية يجلب مزايا أكبر لهما ويضمن لهما تأثيرا أقوى على مساراتها.
وفي الوقت الذي تعمل فيه أنقرة على الاستفادة من الصراع الروسي الغربي لتعزيز تموضعها الجيوسياسي كقوة وازنة بين الشرق والغرب، فإن دول الخليج الفارسي تعمل أيضا على تبني هوية جيوسياسية جديدة توازن بين تحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة وبين بناء شراكات مع قوى أخرى مثل روسيا والصين وتركيا.
وأثبتت حروب السنوات الأخيرة أهمية الأسلحة غير التقليدية في حسم الصراعات حول العالم، وعلى رأسها الطائرات المسيرة والصواريخ ذاتية التوجيه. وباتت كل من الإمارات والسعودية تضع على رأس أولوياتها حيازة تلك الطائرات وامتلاك تقنيات تشغيلها وتطويرها، وهو ما وجدته لدى تركيا.
بناء على ذلك، تعتبر الشراكة بين الجانبين مثمرة على مختلف الأصعدة، لاسيما مع استعداد أنقرة لنقل التقنية وتوطين تلك الصناعة في دول الخليج الفارسي، والتعاون المشترك على تطويرها.
وفي هذا السياق، قوبل الطلب الخليجي على تلك التقنيات برغبة تركيا في زيادة صادراتها وحاجتها إلى تدفقات مالية، فأثمرت زيارة أردوغان الأخيرة عن صفقات عسكرية هي الأكبر في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية، بحسب رئيس شركة بيرقدار، خلوق بيرقدار، الرئيس التنفيذي لشركة بيرقدار.
فقد صرَّح بيرقدار بأن السعودية وقَّعت اتفاقًا لتحسين أداء الطائرات المسيرة “أكنجي 2” ذات المدى المتوسط والتحمل طويل الأمد، إلى جانب عدد آخر من اتفاقيات التعاون العسكري.
وجاء في تصريحه أيضًا أن هذه الاتفاقيات تشمل نقل التقنية والإنتاج المشترك من أجل التقدم في الصناعة عالية التقنية وتعزيز القدرات التصنيعية في كلا البلدين.
وأكد بيرقدار أن السعودية “أعربت عن اهتمامها ببناء خط إنتاج للطائرات المسيرة في جدة للإنتاج الكثيف للمسيرات التركية، وأنها ستقوم بشراء كميات كبيرة من الذخيرة الذكية والشحنات العسكرية الأخرى من تركيا بالإضافة إلى إنتاجها محليًّا في المستقبل”.
وسيؤدي نقل التقنية إلى إحداث نقلة في الصناعات الدفاعية السعودية، كما ستزيد من عائدات صناعة الدفاع التركية. فقد حصلت شركة بيرقدار على 75% من أرباحها من عمليات التصدير منذ إنشائها عام 2003، وفي العام 2022 تمكنت من تصدير ما قيمته 1.18 مليار دولار بأرباح وصلت إلى 1.4 مليار دولار.
إلى جانب ذلك، وقَّعت السعودية وتركيا على ثلاث مذكرات تعاون في مجالات الطاقة والاستثمار المباشر والتعاون الإعلامي، كما اتفقا على خطة تنفيذية للتعاونِ في مجالات القدرات والصناعات الدفاعية والأبحاث والتطوير إلى جانب عقدين مع شركة “بايكار للتكنولوجيا” للصناعات الدفاعية والجوية، لاسيما الطائرات المسيرة.
وستستفيد السعودية من خلال شراكاتها العسكرية مع تركيا بتخفيف القيود المفروضة عليها لشراء السلاح. فإلى جانب توطين التقنية التركية والتعاون في إنتاج المعدات والذخائر، فإن تركيا لن تشترط إعادة بيع معداتها أو تصنيعها المشترك مع طرف ثالث كما يحدث مع شركات البلدان الأخرى.
ولكن بما أن واشنطن، بصفتها المورد القديم للأسلحة إلى السعودية ودول الخليج الفارسي، لا يمكنها تصدير بعض أنظمة أسلحتها إلى الرياض بسبب تفضيلاتها السياسية.
حيث يأمل أردوغان أن يؤدي هذا التعاون مع السعودية وكذلك الدول العربية في جنوب الخليج الفارسي إلى صفقات تجارية مربحة، فتركيا، بالإضافة إلى ديونها الخارجية، تحتاج أيضاً إلى عملة للبنك المركزي، وبالتالي يحتاج الاقتصاد التركي إلى إعادة هيكلة.
في الختام يمكن القول إن أنقرة تأمل في تحسين هذه الفجوة الاقتصادية إلى حد ما من خلال خلق طفرة في الصادرات. بالإضافة إلى ذلك، إذا تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ومجلس تعاون الخليج الفارسي، ستتاح للشركات السعودية الفرصة للوصول ليس فقط إلى السوق التركية، بل أيضا إلى الأسواق العالمية، وتلعب تركيا دور جسر الاتصال للسعودية.
المصادر:
1- https://cutt.us/pyr0z
2- https://cutt.us/uMGVF
3- https://cutt.us/iDMlp
4- https://cutt.us/cLYtE