الصين و أوروبا، تنافسٌ أم توافق ؟
الصين و أوروبا، تنافسٌ أم توافق ؟
لطالما كانت العلاقات بين الصين وأوروبا علاقاتٌ تشهد تقلباتٍ كثيرةٍ. من التفاعل البناء والمتناغم في القضايا الدولية الهامة إلى نظرةٍ تنافسية ومحاولة لدفع بعضهم البعض بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية وطويلة الأجل. تراجعت هذه العلاقات إلى مستويات منخفضة في جائحة Covid-19 و أصبحت أوروبا تواجه إنزعاج الصين بعد احتجاجها على قضايا حقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت، مما أدى إلى انخفاض مستوى التعامل فيما بينهما. ولكن بعد الوباء والحرب في أوكرانيا ، يبدو أن الصين وأوروبا توصلتا إلى فهم مشترك للعالم القادم وتسعيا إلى زيادة التعاون مع بعضهما البعض في المجالات الاقتصادية. إن زيادة زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى الصين ووضع استراتيجيات جديدة للتعاون مع الصين في أوروبا، سواء في الاتحاد الأوروبي أو في الدول الأوروبية المستقلة مثل ألمانيا، تثبت أن أوروبا تعتبر أن تشكيل نظام متعدد الأقطاب في مستقبل العالم ليس بعيدًا عن الأذهان وهي تستعد لمواجهة التحديات المقبلة من أجل ذلك. يسعى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة دوره وقوته في بنية النظام الدولي و حالياً يمتلك كقوة عالمية طموحاته الخاصة ويسعى إلى الاستقلال الاستراتيجي، والجوانب الرئيسية لهذا الاستقلال الاستراتيجي هي:
القدرات التكنولوجية؛ يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر اكتفاءً ذاتيًا في التقنيات الرئيسية مثل الذكاء الاصطناعي و5G بسبب المخاوف التي لديه بشأن الاعتماد المفرط والمنافسة من قبل دول أخرى مثل الولايات المتحدة والصين.
القوة الاقتصادية؛ يهدف الاتحاد الأوروبي إلى الحصول على مزيد من القوة الاقتصادية على المستوى العالمي من خلال سياسات خاصة كالضرائب الرقمية والتدقيق في الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، فإن أحد القيود هنا هو أن سوق الاتحاد الأوروبي مندمجة بعمق مع الاقتصادات الكبرى الأخرى، مما يجعل الاستقلال الكامل أمرًا صعبًا للغاية.
تأثير الحوكمة العالمية؛ يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون جهة فاعلة جيوسياسية مستقلة يمكنها تعزيز مصالحها وقيمها. لكن نفوذها العالمي لا يزال محدودًا نسبيًا مقارنة بالقوى العظمى الأخرى ، ولا تتفق الدول الأعضاء دائمًا على السياسة الخارجية، مما يجعل من الصعب تحقيق الاستقلال الاستراتيجي الموحد[1].
وفي هذا السياق، حددوا سياسة البوابة العالمية التي تسعى إلى زيادة نفوذ أوروبا في البلدان الأقل حظًا. ويتم هذا التأثير من خلال الاستثمارات الاقتصادية في البنية التحتية والمساعدات الإنسانية لهم ، وفي هذا المجال قد يكون لمبادرة "الطريق والحزام الصينية" تعارضات محتملة، لكن بكافة الأحوال يمكنهم استخدامها بما يتماشى مع المصالح المشتركة.
تستند العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين في الغالب على المجالات الجيوسياسية المناخية، و تشابك الاقتصاد والتجارة، إلى جانب المجالات الأمنية والتكنولوجيا، فضلاً عن الزراعة والنقل. ومع كل ذلك، تعمل بروكسل وبكين تدريجياً على تطوير خطاب تنافسي. في 7 سبتمبر 2022 ، في حدث عام يركز على التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي في مجال إزالة الكربون، صرح وانغ هونغ جيان، القائم بأعمال بعثة جمهورية الصين الشعبية لدى الاتحاد الأوروبي بأنه "لا يمكن تعزيز التعاون الأخضر في الفراغ" وشدد على أن التعاون في مجال الطقس من وجهة نظر بكين لا يتوافق مع المواجهة الجيوسياسية[2].
وشدد على أن هذا الاعتماد التكنولوجي لا ينبغي أن يصبح سلاحاً لإحداث توتر أو للضغط على الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يعرف الاتحاد الأوروبي جيدًا أن اعتماده على الصين في بعض المجالات المحددة يمكن أن يكون مزعجًا بالنسبة له ، لذلك يسعى لتقليل هذه التبعيات. في الواقع ، أكبر مخاوف أوروبا هو أن الصين يمكن أن يكون لها تأثيرات ثقافية واجتماعية واسعة النطاق على أوروبا وثقافتها بطرق مختلفة، من خلال إنشاء خطاب محوره الصين، يمكن أن يكون له تأثير عميق على المقاربات والقيم الأوروبية وتغيير هذه القيم لصالح النظام كما هو المطلوب. و هذا ما يجعل أوروبا تصرُّ على نهجها البراغماتي الجديد وتسعى إلى زيادة التوترات مع الصين. في الواقع، ومع الفهم الصحيح للتوترات والتحديات يسعى الأوروبيون إلى توسيع التعاون مع الصين وبالمقابل تبدي الصين مرونة كبيرة تؤدي إلى جذب وتشجيع بروكسل للتعاون معها.
من الصعب التنبؤ بتلك العلاقات للسنوات القادمة، حيث يعتمد ذلك على عوامل مختلفة، ولكن بشكل عام يمكن القول: إذا استمرت التوترات الحالية حول التجارة والاستثمار والتكنولوجيا وحقوق الإنسان أو اشتدت، فإن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين قد أكثر قتامة وأكثر قدرة على المنافسة، وقد يصبح التعاون محدودًا في بعض المجالات لكن الصراع والتوتر يبقيان في مجالات أخرى.
إذا تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة والصين، فقد يشعر الاتحاد الأوروبي بمزيد من الضغط للانضمام إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك إذا تدهورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فقد يسعى الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من الاستقلال الاستراتيجي ويكون على استعداد للعمل بشكل أوثق مع الصين بشأن قضايا مثل تغير المناخ وغيره.
كما أن التنمية الاقتصادية المحلية في الصين ستؤثر على مستوى العلاقات. فإذا كان اقتصاد الصين يعاني أو يواجه مزيدًا من الانتقادات الدولية، فقد يدفع ذلك الصين إلى الترحيب بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك ، إذا شعرت الصين بأنها أكثر قوة، فقد تتوقع من الاتحاد الأوروبي أن يعكس ذلك في ديناميكيات القوة من خلال تقوية أو تخفيض العلاقة. من المحتمل أيضًا أن تؤثر التغييرات في القيادة على كلا الجانبين (بما في ذلك انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة في عام 2024) على الديناميكيات الاقتصادية للعلاقة في المستقبل القريب. وكيفية تعامل فريق قيادة الاتحاد الأوروبي الجديد والجيل القادم من القيادة الصينية مع بعضهم البعض ستؤدي إلى تحديد مستوى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين إما لمزيد من الصراع أو مزيد من التعاون .[3]
لذلك لا يوجد مسار محدد مسبقًا. وتعتمد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين على التعاملات المعقدة للاتجاهات الجيوسياسية والاقتصادية. قد تصبح العلاقات أكثر توتراً أو تنافسية، ولكن التعاون الأعمق ممكن أيضاً، خاصة في القضايا العالمية. حيث تعتمد الكثير من القضايا على كيفية تطور الديناميكيات الأخرى وكيف يختار كلا الطرفين علاقتهما طويلة الأمد.
[1] www.merics.org
[2] www.eeas.europa.eu
[3] www.research.kent.ac.uk