أوروبا تحاول الحفاظ على هيبتها  

تسلط هذه الوضعية الضوء على الديناميات المعقدة للعلاقات عبر المحيط الأطلسي وجهود أوروبا للحفاظ على استقلاليتها الدبلوماسية في عالم يتجه نحو تعددية القطبين.

فبرایر 18, 2025 - 17:20
 1.5k
أوروبا تحاول الحفاظ على هيبتها  

أوروبا تحاول الحفاظ على هيبتها  

    إن التحولات الأخيرة حول مفاوضات السلام حول أوكرانيا والتي تسارعت بفعل المحادثات بين ترامب وبوتين، وضعت أوروبا في وضع حساس يتطلب منها إظهار نفوذها الدبلوماسي أو مواجهة خطر التهميش في نزاع يؤثر مباشرة على أمنها ومصالحها الاستراتيجية. 
تسلط هذه الوضعية الضوء على الديناميات المعقدة للعلاقات عبر المحيط الأطلسي وجهود أوروبا للحفاظ على استقلاليتها الدبلوماسية في عالم يتجه نحو تعددية القطبين. 
كانت المكالمة الهاتفية بين ترامب وبوتين لحظات مهمة ومؤثرة في الدبلوماسية الدولية المتعلقة بحرب أوكرانيا. وأظهرت العلاقات المباشرة بين ترامب وبوتين أن الولايات المتحدة قد تغير نهجها نحو التفاوض لإنهاء النزاع. في حين قدمت الولايات المتحدة سابقًا دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا لأوكرانيا، وتشير مكالمة ترامب وبوتين إلى الرغبة في الوصول إلى حل سلمي. ومع ذلك فإن طبيعة المحادثة وآفاق الحوار بين واشنطن وموسكو أثارت مخاوف في أوروبا بشأن استبعادها من عملية اتخاذ القرار. 
يقف زعماء أوروبا الذين تحملوا جزءًا كبيرًا من العبء الدبلوماسي والاقتصادي والإنساني للحرب الأوكرانية، في مفترق طرق حيث يتعين عليهم الاختيار بين السماح للولايات المتحدة بقيادة المسار أم السعي ليكونوا جزءًا من معاهدة السلام. 
استجابةً لهذه التحولات سعى المسؤولون الأوروبيون لتولي دور بارز في مفاوضات السلام. لطالما كانت القوى الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تسعى للتوسط في النزاعات الأوروبية. 
ومع ذلك قد أبرزت أزمة أوكرانيا الضعف المحتمل لأوروبا حيث إن الأوروبيين أيضًا ضحايا لسياسات الولايات المتحدة. بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تُعتبر تقليديًا قوة عظمى عالمية، فإن القيادة الأوروبية تتأثر بنفوذ واشنطن العسكري والاقتصادي خاصة في حلف الناتو. وقد سلطت مكالمة ترامب وبوتين الضوء على حقيقة أنه قد يُرمى بأوروبا جانبًا في عملية السلام النهائية ما لم تحدد موقفها وتطالب بالحضور إلى طاولة المفاوضات. 
وشدد الزعماء الأوروبيون على أن أي عملية سلام يجب أن تشمل جميع أصحاب المصلحة المعنيين بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الأخرى. وتشكل مشاركتهم أهمية حيوية ليس فقط لتحقيق التوازن الجيوسياسي بل وأيضاً لضمان أن أي اتفاق سلام يعكس القيم الأوروبية للديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقرار الإقليمي.
وبالإضافة إلى ذلك يتعين على أوروبا أن تتعامل مع العواقب الطويلة الأمد المترتبة على الحرب وخاصة فيما يتصل باعتمادها على روسيا في مجال الطاقة وعلاقاتها مع الدول المجاورة والبنية الأمنية الأوسع في المنطقة. وباعتبارها الجار الأكبر والأكثر مباشرة لروسيا، فإن أوروبا لديها مصلحة راسخة في كيفية تطور الحرب والهيئة التي سيبدو عليها اتفاق السلام النهائي.
إلا أن الجهود التي تبذلها أوروبا لتأمين دورها في محادثات السلام تواجه عدة عقبات. واتخذت الولايات المتحدة موقفا قويا ضد روسيا وقدمت مساعدات عسكرية كبيرة ودعما سياسيا لأوكرانيا. كما استخدمت الولايات المتحدة مكانتها وثقلها السياسي لحشد الدعم الدولي لأوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا. ورغم أن هذا النهج كان ناجحًا إلى حد ما إلا أنه خلق أيضًا وضعًا تتمتع فيه الولايات المتحدة بنفوذ كبير على مسار مفاوضات السلام.
وعلى النقيض من ذلك فإن أوروبا منقسمة حول أفضل السبل للتعامل مع الوضع. ودعت دول مثل بولندا ودول البلطيق إلى اتخاذ إجراءات أقوى ضد روسيا في حين فضلت دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا الحوار الدبلوماسي والمفاوضات. وهذا الانقسام الداخلي يجعل من الصعب على أوروبا أن تشكل جبهة موحدة في عملية السلام.
ويتعين على أوروبا أن تتوصل سريعاً إلى نتيجة في هذه الحالة حتى تتجنب الوقوف على هامش المفاوضات. وإذا فشلت أوروبا في كسب دور لها  كلاعب رئيسي في مفاوضات السلام، فإنها تخاطر بخسارة مكانتها العالمية والتحول إلى مجرد متفرج في حل الصراع الذي يؤثر بشكل مباشر على أمنها واستقرارها.
إن فشل أوروبا في التحرك بفعالية من شأنه أن يؤدي إلى انجرار أوروبا إلى أجندة طويلة الأمد بقيادة الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعميق الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة. ويمكن لهذه الفجوة أن تتجلى في تصعيد التوترات حول قضايا مثل السياسة الدفاعية والعقوبات الاقتصادية والعلاقات مع روسيا. ومع تزايد انخراط أوروبا في السعي لتحقيق مصالح الولايات المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف قوة أوروبا وخسارة مصالحها الأساسية ضد مصالح الولايات المتحدة.
ولا ينبغي لأوروبا أن تسمح للولايات المتحدة باحتكار محادثات السلام بشأن أوكرانيا. وإذا فشلت أوروبا في أداء دورها كلاعب دبلوماسي رئيسي، فإنها تخاطر بخسارة نفوذها وتصبح عرضة للأهداف السياسية الأميركية التي قد لا تتماشى مع أهدافها. إن احتمال تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا قد يؤدي إلى سيناريو تصبح فيه أوروبا ضحية لمصالح الولايات المتحدة وهو ما من شأنه أن يقوض قدرة أوروبا على توجيه المستقبل وتأمين مكانها في النظام العالمي المتغير. ولذلك فمن الضروري أن تؤكد أوروبا الآن سلطتها وأن تضمن وضع مصالحها في الاعتبار في سعيها إلى تحقيق السلام الدائم في أوكرانيا.
امین مهدوی