الحرب الرمادية!
يخوض الغرب وروسيا معركة كبيرة ضد بعضهما البعض وتعتبر هذه المعركة جزءًا من مواجهة عسكرية مباشرة في أوكرانيا، بينما القسم الأكبر والأكثر تعقيدًا يتمثل في الصراع في المنطقة الرمادية ودون عتبة الحرب المباشرة في شرق أوروبا. حيث تسعى روسيا للحفاظ على فضائها الاستراتيجي، بينما يحاول الغرب توسيع حدود نفوذه وتقليص دور روسيا. الآن تخوض جبهة الصراع في شرق أوروبا أيامًا حساسة ومصيرية حيث تُعَد مولدوفا إحدى ساحات اللعب لكلا الطرفين.
يخوض الغرب وروسيا معركة كبيرة ضد بعضهما البعض وتعتبر هذه المعركة جزءًا من مواجهة عسكرية مباشرة في أوكرانيا، بينما القسم الأكبر والأكثر تعقيدًا يتمثل في الصراع في المنطقة الرمادية ودون عتبة الحرب المباشرة في شرق أوروبا. حيث تسعى روسيا للحفاظ على فضائها الاستراتيجي، بينما يحاول الغرب توسيع حدود نفوذه وتقليص دور روسيا. الآن تخوض جبهة الصراع في شرق أوروبا أيامًا حساسة ومصيرية حيث تُعَد مولدوفا إحدى ساحات اللعب لكلا الطرفين.
إلى أين تتجه مولدوفا؟
تُعتبر مولدوفا بلدًا صغيرًا في شرق أوروبا على حدود أوكرانيا، في الانتخابات الرئاسية السابقة استطاعت السيدة مايا ساندو المؤيدة للغرب والراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أن تصبح رئيسة للبلاد. وفي هذه الفترة أيضًا تبدو لديها فرص كبيرة للفوز رغم وجود منافسها القوي ألكسندر ستويانوغلو من حزب الاشتراكيين التقليديين المؤيدين لروسيا الذي يمتلك بدوره فرصًا جيدة للنجاح.[1]
تعتقد الحكومة الغربية في مولدوفا أن الحكومة الروسية تتدخل بشكل منظم في عملية الانتخابات في البلاد، وأن الروس يسعون للحفاظ على مولدوفا كدولة قريبة من روسيا، لذا فإنهم ينفقون ملايين الدولارات لتوجيه وتحريك الرأي العام نحو المرشح الذي يفضلونه. ورغم أن روسيا ترفض هذه الاتهامات وتعتبرها مجرّد إدعاءات ضدها إلا أنه لا شك أن وجود حكومة تتبنى سياسات الكرملين في مولدوفا يُعتبر أفضل بالنسبة لروسيا من وجود حكومة غربية.
في الواقع بدأت روسيا والغرب حربًا بالوكالة أو حربًا هجينة ضد بعضهما البعض، حيث تعتبر مولدوفا إحدى ساحات الصراع الخاصة بهم. وقد بدأت هذه المعركة قبل الحرب في أوكرانيا، حيث استطاع الغربيون من خلال تعبئة واسعة لأدواتهم فيها ومن خلال المغتربين من مولدوفا إدراج خطة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ضمن إطار الدستور في البلاد، وفي المرحلة الأولى من المعركة تَغَلَّبوا على الروس بفارق ضئيل جدًا.[2]
علاوة على ذلك أعلنت حكومة السيدة ساندو عن منع أنشطة بعض الأحزاب المؤيدة لروسيا في البلاد، بحجة أنهم يتلقون التمويل من جهات خارجية لتحدي الأمن والاستقرار في البلد.[3] يبدو أن مولدوفا تسعى جاهدةً لتحقق انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بأي طريقة ممكنة. لم تدّخر الحكومة المستقرة جهداً في منع أنشطة التيارات المعارضة للاتحاد الأوروبي تحت ذريعة مختلفة. ومع ذلك يبدو أن مؤيدي الانضمام إلى أوروبا يمتلكون عددًا أقل من المعارضين خاصة أن المعارضين غالبًا ما يكونون مقيمين في الخارج وقد لا يكون لديهم إلمام كافٍ بالأوضاع الداخلية لبلادهم وهم تحت تأثير الأجواء الإعلامية.
حرب كبيرة!
لا تقتصر معركة روسيا والغرب على أوكرانيا ومولدوفا فقط، بل هي معركة أكبر للتحرك نحو إدارة مستقبل أوروبا، وفي نظرة أوسع نحو إدارة الموارد وطرق التجارة في منطقة أوراسيا. تتمتع روسيا في هذه المعركة بحلفاء يمكنها الاعتماد عليهم، مثل هنغاريا وصربيا وحتى جورجيا. يبدو أن دول شرق أوروبا لا تتماشى كثيرًا مع القيم الغربية، حيث تلتزم ببعض المبادئ التي لا مكان لها في قوانين الاتحاد الأوروبي، وهذا هو منبع التحديات بينها وبين الاتحاد الأوروبي. استطاعت روسيا أن تستفيد من هذه الاختلافات لصالحها، مما يمنح سياساتها في شرق أوروبا قدرًا من النجاح. تسعى روسيا للحفاظ على مجالها الحيوي وفي الوقت نفسه توسيع نطاق نفوذها لتكون لديها المزيد من الأوراق الرابحة في المفاوضات المقبلة مع الأطراف الغربية.
من ناحية أخرى يسعى الغرب مع إدراكه لهذه القضية إلى زيادة الضغوط على روسيا من جبهات متعددة لكي يتمكن من تحقيق أكبر قدر من المكاسب. يتخذون من سياسة الخوف من روسيا حجة حيث قد تقوم روسيا بشن هجوم على أوروبا بكاملها. في الواقع هذه مباراة كبيرة بين روسيا والغرب على عدة مستويات، والفائز هو من يستطيع استخدام الأدوات غير العسكرية المتاحة بشكل أفضل. تُعتبر وسائل الإعلام والدبلوماسية والاقتصاد والثقافة من أهم هذه الأدوات التي يحاول كلا الطرفين التأثير من خلالها على المناطق الرمادية مثل مولدوفا. وعلينا أن نراقب ونرى ما إذا كانت هذه المناطق تجتاز العتبة الرمادية وتصبح ساحة صراعٍ مباشر مثل أوكرانيا أم أن المعركة ستستمر في هذه المنطقة الرمادية وسيتوصل الطرفان إلى سلام دائم.
[1] euronews.com
[2] reuters.com
[3] euronews.com