أكثر من ثلاثة قرون على وجود العنصرية

أكثر من ثلاثة قرون على وجود العنصرية

يوليو 18, 2023 - 15:51
أكثر من ثلاثة قرون على وجود العنصرية
أكثر من ثلاثة قرون على وجود العنصرية

  إن الحوادث والمواقف التي يقوم بها البيض خلال تعاملهم مع المهاجرين والمقيمين غير البيض الذين يعيشون في أوروبا أو أمريكا، أو التمييز وعدم الاحترام والمواجهات العنيفة التي تحدث من وقت لآخر وتتحول في كثير من الحالات إلى مواقف عنصرية، تؤدي دائماً إلى أعمال شغبٍ على مستوى المدن والبلاد كاملة، والتي هي في الواقع المحاولة الأخيرة لهذه الأقلية، والتي لم تعتبر أقلية، لنيل حقوقها العادلة ومحاولة لكسر أصول هذه الأفكار العنصرية. حتى نفهم أكثر هذا الموضوع لابد أن نعود في التاريخ قليلاً لمعرفة المزيد عن أسباب تكوين هذه النظرة للتفوق العرقي والعنصري.

 إن جذور العنصرية الأنجلوسكسونية والأوروبية أو العنصرية البيضاء، عميقة جداً، وكانت المفاهيم الدينية والفلسفية والأخلاقية هي المجالات الأساسية التي ساعدت في تشكيلها، لذا لن يكون من السهل حل هذه المشكلة، خاصة وأن المتعصبين العنصريين عملوا جاهدين للحفاظ على معاييرها في مختلف مجالات الجماليات والأخلاق والثقافة وما إلى ذلك...

ويستند تشكل النماذج النمطية للعنصرية في أوروبا على أفكار الكتاب المقدس، إلى جانب الرغبة في التفوق الأوروبي نفسه، استنادا إلى تعريفاتها للجمال والمعايير الجمالية التي تشكلت في القرن ال 18 وهو موضوع يستمر حتى يومنا هذا .

ربما تكون القضية المهمة التي يجب معالجتها هي تشكيل الصور النمطية الذهنية والتصنيف العرقي كمسألة عميقة ومتجذرة. أدرج علماء الطبيعة والباحثون في العلوم الطبيعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر معاييرهم غير البيئية ونظرياتهم العقلية في طيف تصنيف الجنس البشري[1]. على سبيل المثال، عرّف عالم الطبيعة السويدي كارل لينيوس (كارل لينينه) الحكم العقلي غير العلمي بأنه مثل التوابل في تصنيفه العرقي واعتبر أن العرق الأبيض مبتكر ومليء بالعبقرية ومنظم وقائم على الأسس والقواعد. بالنسبة له كان هذا العِرقُ متفوقًا لأنه يعكس مكانة وقيمة الطبقة الوسطى. في المقابل كان للسود كل الصفات السلبية التي جعلتهم أدوات مناسبة للتمييز عن العرق المتفوق: فقد كان يُنظر إليهم على أنهم كسالى ومخادعون وغير قادرين على إدارة أنفسهم.[2] هنا وجهة نظره المتعصبة اجتماعياً تتغلب على وجهة النظر العلمية، وهو الموضوع الذي بدأ قبله في القرن ال16 واستمر بعده أيضاً، وهذه هي هيمنة المعيار الظاهر والجمالية غير العلمية على أساس الرأي الشخصي أو على أساس بيئة الحياة التي أصبحت هي المعيار الأساسي لتحديد تفوق البشر.

في الواقع، كان الجمال مفهوماً عنصرياً شمل تعريفه ومعناه "المجتمع الأبيض" فقط، وكان مفهوم الجمال هذا علامة على مُثل الاعتدال والنظام. وتحدد المنحوتات اليونانية فيه النسب التشريحية المناسبة. كان الجمال مرادفاً لعالم مقيم وسعيد وصحي من الطبقة الوسطى وبدون تطورات عنيفة، وعالم لا يمكن تحقيقه إلا من قبل البيض الأوروبيين. لا أحد يستطيع أن يدعي أن السود لديهم وجوه تعكس المثل الجمالية لليونان [3]. هذه النظرة أصبحت تدريجيا صورة نمطية، والمجتمع الأبيض يعتبر نفسه عرقاً متفوقاً، وبالتالي فإن القرن ال 18 أصبح بداية لتشكيل العنصرية الحديثة. قرنٌ أخذت فيه شبهةُ العلم تدريجياً مكان العلم نفسه و تبدل فيه العلماء الحقيقيون بعلماء زائفين لديهم آراء عنصرية. في غضون ذلك، العودة إلى الجمال والمبادئ اليونانية رغم أنها لم تكن مبنية على أفكار مسيحية، إلا أنها كانت سهلة المنال ومقبولة بقليل من الود والتواضع، وكانت مقياسًا للقيم و الجمال عند اليونان. وكان العديد من العلماء المعاصرين في القرنين ال18 وال19 من دون سبب علمي، يصنفون معيار علم الجمال بالمنحوتات اليونانية والصور أو الكتابات. هذا النهج يؤدي إلى تكوين التفوق البشري بناء على شكله ومظهره الأوروبي وعيونه الزرقاء! إنه شيء يتطلع المدافعون عن العنصرية الأنجلوساكسونية إلى الحفاظ عليه اليوم، لأن تغيير هذه المقاييس يمكن أن يدمر تماما البنية العظيمة لتفوقهم العرقي ويخلق مقاييس ومؤشرات جديدة غير مرغوب فيها للغاية. لهذا السبب يحاولون إثبات التفوق على أساس العرق والمظهر لأن هناك خلفية علمية ومعايير علمية يتم استخلاصها بالطبع من العلوم الزائفة بالنسبة لهم. وإذا أصبحت هذه المعايير عاى أساس الفضائل الإنسانية، فمن المرجح أن ينكسر تفوق البيض، ولم يعودوا متفوقين، لذلك يسعون إلى غرس الصورة النموذجية التي لا يستحقها غير البيض والمهاجرون للعيش في الجنة الأوروبية. و هذا ينطبق بشكل خاص على المعاملة الاستفزازية للمهاجرين ومحاولة إغضابهم في بعض الحالات بالإستفادة من وسائل الإعلام وأدوات متاحة ليحاولون غرس هذا الموضوع، وهو موضوع شوهد مرات عديدة في وسائل الإعلام التابعة لهذه التيارات حتى بعد الاحتجاجات في فرنسا، ومنذ مدة قصيرة كانت هناك محاولة للمواجهة مع الأمن وأن المهاجرين يهددون الأمن الأوروبي بدلاً من التنديد بالعنصرية، تماما كما يريدون ذلك. هذه الإجراءات المدفوعة باستفزاز الجماعات المهاجرة يبدو وبدون شك أنها منظمة، مما يؤدي إلى زيادة الضغط على الحكومات للسيطرة على موجة الهجرة. بهذه الطريقة، من الممكن الحفاظ على تفوق البيض وإثبات أنهم متفوقون ومتميزون، وأن تصرفات غير البيض قبيحة ومدانة. لذلك يمكن القول أن العنصرية قضية داخلية في أوروبا، قد تكون مصحوبة بالإعلام في الموجة الأولى، لكنها فيما بعد تنحرف أكثر، تمامًا مثل ما حدث في فرنسا أو ما شابه ذلك في أجزاء أخرى من أوروبا، لذا فإن الحل لهذه المشكلة العميقة يحتاج إلى وقت، ودعم المثقفين والعلماء، والإرادة السياسية، لربما في المستقبل يتم ترقية المعايير من لون العيون وزاوية الفك إلى مبادئ أكثر قيمة، وحينها لن تواجه أوروبا والعالم بعد ذلك مشكلة الاحتجاجات حول العنصرية والمساواة.

 امين مهدوى


[1] Wilhelm E. Mühlmann, Geschichte der Anthropologie (Frankfurt-amMain, 1968)

[2] Linnaeus, A General System of Nature Through the Three Grand Kingdoms of Animals, Vegetables and Minerals (London, 1806

[3] J. L. Buffon, Buffon’s Natural History of Man (London, 1801)