الرياض وتل أبيب هل بات التطبيع قريبا ؟
الرياض وتل أبيب هل بات التطبيع قريبا ؟
قضية التطبيع بين الرياض وتل أبيب والمحاولات المتكررة من قبل النظام الإسرائيلي لإقناع السعودية بالتماشي مع أخواتها للتوقيع على اتفاقية ابراهام، أصبحت من السيناريوهات السياسية التي يتم التداول بها كملف أساسي من الملفات المثارة في منطقة الشرق الأوسط، فمنذ أن " تمهلت" السعودية في التوقيع على الإتفاقية مع تل أبيب مقابل شروطٍ طالبت الطرفين (الولايات المتحدة وإسرائيل) بتنفيذها، أصبحت القضية محط اهتمام الجميع بانتظار أي تطور للأحداث، وفي هذا الشان يأتي دور المحللين السياسيين ومحطات الأخبار، وتكثر التأويلات لتحليل المواقف التي تحدث بين الطرفين من حينٍ لآخر على إنها مؤشرات تفيد بتطور هذا المسار أو تراجعه.
تداولت مواقع التواصل الإجتماعي مؤخراً مقطعاً لفيديو يظهر مجموعة لاعبين إسرائيليين من فريق اللعب المشاركين في بطولة الفيفا الإلكترونية المقامة في المملكة العربية السعودية، وأثارت صفحة إسرائيل بالعربية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية تفاعلاً بين نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي عقب تغريدة تناولت مقطع الفيديو حيث رفع العلم الإسرائيلي أثناء عزف النشيد الإسرائيلي مع بداية مراسم افتتاح البطولة.[1]
لاشك أن هذا تطور بالغ الأهمية خصوصاً أنه لم يحدث سابقاً، فهذه المرة الأولى التي يتم بها عزف النشيد الإسرائيلي على أرض سعودية وراية الكيان الصهيوني مرفوعة أمام العلن. وكانت السعودية نشطت مؤخراً على مختلف الأنشطة الرياضية لاحتضان وإقامة البطولات العالمية، كما إنها تمهد لإستضافة أهم حدث عالمي بدأت ترسم مخططه وهو "إكسبو 2030" الذي تقدمت السعودية بطلب استضافته في مدينة "نيوم" التي لم ترى النور بعد.
وعلى الصعید العام، یشیر المحللون إلى أن الموقف السعودي التقلیدي ھو أن العلاقات السلمیة الطبیعیة مع إسرائیل لا یمكن أن تأتي إلا كنتیجة طبیعیة لتنفیذ اقتراح دبلوماسي صاغته السعودیة وهو " مبادرة السلام العربية" وأقرته "جامعة الدول العربیة". وتدعو ھذه الخطة، التي وضعت منذ عشرین عاما إلى انسحاب إسرائیل الكامل من جمیع الأراضي العربیة المحتلة منذ حزیران/یونیو 1967وإقامة دولة فلسطینیة مستقلة عاصمتھا القدس الشرقیة، ویؤدي الاعتراف بھا إلى التزام الدول العربیة كافة بـإنشاء علاقات طبیعیة من جمیع الدول الأعضاء لتوسیع ھذه الصیاغة لتشمل التزاما مع إسرائیل في إطار السلام الشامل.[2]
اللاّفت في الأمر أن الإعلام العبري نشر مرات عدة أخباراً تؤكد أن تطبيع العلاقات مع السعودية سيتحقق قريبا، ولهذا تحاول الحكومة تمرير هذه الخطة تدريجيا وتوفير الأرضية اللازمة لها من وراء الكواليس. وقد تبين أنه من ضمن هذه الخطة، هي أن تروج الحكومة السعودية له تدريجياً أمام الرأي العام الذي مازال يشكل عائقاً أمام التطبيع بسبب عدم قبول الأغلبية بذلك، فمن الأمثلة على ذلك؛السماح للحاخام اليهودي يعقوب هرتسوغ، بزيارة المملكة وتسميته بزعيم اليهود في السعودية، والسماح للصهاينة بزرع النخلة في المدينة، وحذف المحتوى الذي يرتبط بالمعاداة السامية من الكتب المدرسية، وأخيراً وليس أخرا رفع علم الكيان الغاصب في البطولة المقامة في الرياض وعزف النشيد الخاص به. وقد يتطور الأمر مستقبلاً إلى الإنفتاح أكثر أمام الشعبين لتصبح العلاقة المحظورة حالياً، أمراً طبيعياً مع مرور الزمن لتمهد الطريق أمام التوقيع والإعلان الرسمي عن التطبيع، وبالطبع بمباركة أمريكية كما جرت العادة مع باقي الدول العربية.
ربما يكون القادة السعوديون قلقين بشأن رد الفعل الشعبي إزاء التطبيع مع إسرائيل، وهذا ما دلت عليه المؤشرات الأخيرة، أن نسبة كبيرة من السعوديين لمستطلعي الرأي مازالت لاتؤيد إقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل، وغالباً سيكون الأمر أكثر تقبلاً من دون وجود علاقات رسمية معلنة كما هو شأن العلاقات التجارية والرياضية والتي لايغلب عليها الطابع السياسي أو الديني في ظل الإنفتاح الذي تشهده السعودية في عصر الأمير بن سلمان. [3]
لكن كما يبدو أن احتمالات التطبیع تراجعت نتیجة الأحداث الأخیرة، ابتداءاً من استئناف السعودیة علاقاتھا مع إیران و وصولاً إلى تداعیات الانعطاف الإسرائیلي إلى الیمین بعد استبدال حكومة بینیت-لابید الوسطیة بائتلاف ووصولا یمیني/دیني بقیادة بنیامین نتنیاھو. وفي الواقع، كان من المتوقع أن یتم الإعلان عن خطوة رئیسیة ثانیة في موسم الحج في حزیران/یونیو 2023 على الأرجح، تنطوي على السماح للمسلمین الإسرائیلیین المشاركین في الحج بالقیام برحلات جویة مباشرة خاصة إلى مكة، ولكن یبدو الآن أن ھذه الخطط أصبحت معلقة، وأن المملكة ليست مستعجلةً على ذلك في ظل تطور علاقاتها مع جيرانها ومع الصين وروسيا الذي سيتيح لها فرصاً أكبر وأوراقاً تفاوضية أكثر قوة على الصعيد الدولي في ظل معاندة أمريكية لسياسة السعودية الحالية، والتي تلعب مع أمريكا نفس اللعبة مقابل مماطلة الأخيرة على قبول شروط المملكة من أجل قبولها التطبيع مع إسرائيل.
وعطفاً على ماسبق تؤكد بعض المصادر أن التطبيع بين كيان الاحتلال وبين المملكة العربيّة السعوديّة ما زال بعيدًا جدًا، والضغوط التي مارستها وما زالت الإدارة الأمريكيّة بقيادة الرئيس جو بايدن لم تثمر حتى اللحظة، هذا ما أقرّت به محافل سياسيّة رفيعة ومطلعة جدًا في تل أبيب، لافتةً في ذات الوقت إلى أنّ الشروط التي وضعتها السعوديّة للتطبيع تمنع إحداث اختراق أو تمهيد للاتفاق مع إسرائيل.
وشدّدّت المصادر عينها، وفق ما أكّدته صحيفة (هآرتس) العبريّة، على أنّ المطلب السعوديّ الذيْ يُعيق التقدّم يتعلّق بانضمام المملكة إلى ما يُسّمى بـ "النادي النوويّ الدوليّ" وإقامة محطّة نوويّة مدنية في الرياض، وهو الأمر الذي ترفضه كلٌّ من الولايات المُتحدّة وإسرائيل بسبب خشيتهما العميقة من تداعياته.[4]
في نهاية المطاف وكما يتوقع الكثيرون أن المملكة العربية السعودية تتخذ مساراً تعزيزًا تدريجيًا للعلاقة مع إسرائيل وستتقدم في ظل ظروف وشروط مواتية لها ووفقًا لشروطها، وفي نفس الوقت الحفاظ على العلاقات السرية مع اسرائيل وفي مختلف المجالات استمراراً للتطبيع الزاحف.
[1] https://arabic.cnn.com/sport/article/2023/07/12/israel-flag-video-in-saudi-social
[2]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9
[3] https://hodhodpal.com/post/95329/
[4] https://2h.ae/hmje