تحديات السجون في بريطانيا!
تواجه السجون في بريطانيا منذ عام 2024 أزمة واضحة وغير قابلة للإنكار، فقد أدت الازدحامات المفرطة ونقص الكوادر وعدم التركيز على إعادة التأهيل إلى إنشاء نظام سيء لم يتمكن فقط من تخفض نسب تكرار الجريمة ولكنه فرض أيضاً ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد والبنية الاجتماعية لهذا البلد.

تواجه السجون في بريطانيا منذ عام 2024 أزمة واضحة وغير قابلة للإنكار، فقد أدت الازدحامات المفرطة ونقص الكوادر وعدم التركيز على إعادة التأهيل إلى إنشاء نظام سيء لم يتمكن فقط من تخفض نسب تكرار الجريمة ولكنه فرض أيضاً ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد والبنية الاجتماعية لهذا البلد.
حتى تاريخ نوفمبر 2024 وصلت أعداد سجون إنجلترا وويلز إلى 86,038 سجينًا، وهذا تقريبًا يقترب من قدرتها الاستيعابية البالغة 88,876 سجينًا. وتأتي هذه الكثافة العددية للمساجين نتيجة للسياسات الصارمة في إصدار الأحكام و زيادة معدل عودة السجناء مرة أخرى بسبب المخالفات البسيطة. وقد صرح بذلك كبير مفتشي الإفراج المشروط أن 88% من السجناء الذين تم الإفراج عنهم لم يعودوا إلى السجن بسبب جرائم جديدة بل بسبب انتهاك شروط الإفراج المشروط مثل عدم الحضور إلى الجلسات أو تعاطي المخدرات .(1) ويعكس هذا الوضع التحديات التي تواجه نظام الحرية المشروطة وتأثيرها على اكتظاظ السجون.
علاوة على ذلك فإن احتجاز مثل هذه الأعداد الكبيرة في السجون يحمل عبئًا ماليًا ثقيلاً على كاهل البلاد. وقد قدرت لجنة الجريمة والعدالة لدى صحيفة التايمز أنه إذا تم تحقيق مزامنة لعدد السجناء مع متوسط دول أوروبا الغربية، فإن ذلك قد يوفر لبريطانيا حوالي 2.5 مليار جنيه إسترليني سنويًا. ويمكن تحقيق مزيد من التوفير، يتراوح بين 330 مليون إلى 810 مليون جنيه إسترليني في السنة، من خلال إعادة إدماج الأفراد في سوق العمل بدلاً من احتجازهم. بالإضافة إلى ذلك تحمّلت الحكومة تكاليف قدرها 10 مليارات جنيه إسترليني لمواجهة مشكلة اكتظاظ السجون، مما زاد الضغط على الميزانية العامة.(2)
كما أدى الازدحام العالي في السجون إلى ظهور تحديات اجتماعية كبيرة. فقد كان معدل العودة العالي إلى السجن يعرقل جهود إعادة التأهيل، حيث كان الأفراد يعودون إلى نظام الاعتقال مرة أخرى بسبب المخالفات البسيطة. وقد حالت هذه الظاهرة المعروفة بـ "الباب الدائر" دون عودة الأفراد إلى المجتمع لهذا استمرت عملية تكرار الجرائم. علاوة على ذلك، فإن الضغط الكبير على موارد السجون كان يمنع قدرة هذه المؤسسات على تقديم برامج إعادة التأهيل الفعالة، مما يؤثر على مستقبل السجناء بعد الإفراج عنهم.
بذلت الحكومة الحالية وهي حكومة العمل، جهودًا لمواجهة هذه الأزمة المتعددة الأبعاد. وعلى الرغم من أنهم قد أقروا بالمشاكل وتعهدوا بمعالجتها، إلا أن إجراءاتهم كانت حتى الآن غير كافية بشكل كبير. فقد أعاقت المشاكل في ضعف الميزانية وغياب الاستراتيجية المنسجمة وعدم معالجة الأسباب الجذرية للجريمة، خطوات الحل لهذه القضية، الحلول قصيرة المدى مثل بناء المزيد من المساحات المخصصة للسجناء، دون معالجة القضايا المتعلقة بالموظفين وإعادة التأهيل، لا تؤدي سوى لاستمرار المشكلة وتفاقمها.
يبدو أنه هناك حاجة ملحة لتغيير جوهري في النهج السياسي للحكومة، نهج يضع إعادة التأهيل في مقدمة الأولويات ويتصدى لمشكلة الاكتظاظ وسوء توزيع الكوادر، ويعالج العوامل الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في زيادة الجرائم. من بين الإجراءات التي اتخذتها حكومة العمل تحت قيادة رئيس الوزراء ستارمر هو إطلاق سراح أكثر من 3000 سجين بشكل مبكر للتخفيف من الضغوط الفورية. كما تم الإعلان عن خطط لبناء 14,000 مكان جديد في السجون حتى عام 2031، وإعادة النظر في سياسات إصدار الأحكام. ومع ذلك أثارت خطة الإفراج المبكر مخاوف بشأن الزيادة المحتملة في تكرار الجريمة، خاصة بالنظر إلى التحديات التي يواجهها السجناء السابقون في توفير السكن والتوظيف. بالإضافة إلى ذلك يُعتبر التركيز على توسيع قدرة السجون من قبل بعض المراقبين حلاً قصير الأمد لا يتناول القضايا الأساسية مثل إجراءات إصدار الأحكام ودعم برامج التأهيل. (3)
إلى جانب ذلك طالب خبراء ومسؤولون سابقون بتغيير جذري في النهج المتبع لمواجهة الأزمة. فقد اقترح اللورد هاوارد وزير الداخلية البريطاني السابق وديفيد غوك وزير العدل السابق، تقليل عدد السجناء من خلال البدائل مثل السجون المفتوحة واستخدام العلامات الإلكترونية. تم ذكر نجاح نماذج مماثلة في مناطق مثل تكساس، حيث انخفض كل من عدد السجناء ومعدلات الجريمة، كدليل على الفوائد المحتملة لمثل هذه الأساليب. إضافةً إلى ذلك تم طرح دعوات لإعادة تقييم الشروط الصارمة للإفراج المشروط التي أدت إلى ارتفاع معدلات العودة إلى السجن، لتمكينها من مواجهة هذه الأزمة.
في النهاية يواجه نظام السجون في بريطانيا أزمة خطيرة تتجلى في الاكتظاظ المفرط، ونقص الطاقم وعدم التركيز على برامج إعادة التأهيل. لهذه الأزمة آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة حيث تؤدي إلى زيادة تكرار الجرائم والضغط على الموارد العامة وانهيار الثقة العامة. وحتى الآن فشلت الحكومة العمالية الحالية في تنفيذ حلول فعالة لهذه المشكلات المستمرة. هناك حاجة ماسة لاستراتيجية شاملة وطويلة الأمد تركز على إعادة التأهيل، وتعالج الأسباب الجذرية للجريمة وتستثمر في الموارد اللازمة لكسر هذه الدائرة المدمرة وبناء نظام سجون أكثر عدلاً وفاعلية. وفي الواقع دون إجراء هذا التغيير ستستمر الأزمة في التفاقم، مما سيؤدي إلى عواقب مدمرة للأفراد والعائلات والمجتمع البريطاني بصورة عامة.
1. statista
2. thetimes
3. murrayhughman