الخوف والانقسام يخييمان على الاتحاد الأوروبي!
يواجه الاتحاد الأوروبي موجة كبيرة و غير مسبوقة من التحديات التي تهدد تماسكه الأساسي و وحدته على المدى الطويل. إن ظهور حركات يمينية في الدول الأعضاء ونجاحها في تحقيق مكاسب سياسية من ألمانيا إلى المجر وبولندا إلى إيطاليا يتجاوز التغيير السياسي المؤقت.

تعمل الحركات الوطنية التي تعززت بفعل السخط العام من الهجرة، وعدم المساواة الاقتصادية والشعور بفقدان الهوية الوطنية على تحدي سلطة الاتحاد الأوروبي بشكل منهجي وعلى عدة جبهات. لقد أصبحت أزمة الهجرة نقطة الخلاف الأصلية، حيث تتجاهل عدة دول أعضاء في الاتحاد بوضوح سياسات الاتحاد الأوروبي وتعزز حدودها بشكل أحادي تجاه موجات المهاجرين.(1)
بالإضافة إلى ذلك فإن نمو الحركات اليمينية المتطرفة يخلق تحديات جدية لعلاقات الاتحاد الأوروبي الخارجية ودوره على الساحة العالمية. فقد يواجه اتحادٌ متفرقٌ يتبع أعضاؤه سياسات قومية أحادية صعوبة في التعبير عن صوت موحد في الشؤون الدولية. ومن شأن ذلك تقليل نفوذ الاتحاد الأوروبي في المفاوضات التجارية العالمية، والائتلافات الأمنية، والتفاعلات الدبلوماسية. علاوة على ذلك قد تؤدي النزاعات الداخلية إلى إعادة تعريف القوة داخل الكتلة، حيث تبدأ الدول المسيطرة في فرض مصالحها على حساب الأعضاء الأصغر والأكثر ضعفًا. قد يؤدي هذا التغيير إلى تآكل الثقة والتعاون المتبادل مما يساهم في إضعاف الاتحاد أكثر فأكثر.(2)
إلى جانب ذلك تستمر الفجوات الاقتصادية بين شمال وجنوب أوروبا على الرغم من عقود عديدة من سياسة التماسك، في حين تتحدى الدول الأعضاء الأحدث في الشرق الهيمنة الثقافية والسياسية لقيم أوروبا الغربية. ويضاف إلى ذلك الضغوط الخارجية الناجمة عن الموقف العدواني لروسيا والنفوذ المتزايد للصين والالتزام الهش للولايات المتحدة الأمريكية بالتحالف عبر الأطلسي، وهذه العوامل كلها تساهم في تعزيز القوى الانفصالية.
إن تقاطع هذه التحديات قد خلق انشقاقات عميقة في الهيكل السياسي للاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى توقف حركة الإصلاحات الحيوية وضعف قدرة الكتلة على اتخاذ قرارات حاسمة في القضايا العالمية.
وعلاوة على ذلك فإن ظهور "الديمقراطية غير الليبرالية" في عدة دول أعضاء يتحدى مباشرة القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، في حين يتزايد الشك في أوروبا الموحدة بين الأحزاب التقليدية السائدة مما يؤدي إلى تراجع الدعم لعملية التكامل الأوروبي. إن هذا السياق السياسي الصعب قد جعل من الصعب على مؤسسات الاتحاد الأوروبي بناء توافق حول القضايا الحيوية من السياسات المالية إلى الإجراءات المناخية، مما يثير تساؤلات جدية حول قدرة الكتلة على الحفاظ على وحدتها في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة.(3)
أحد العوامل المهمة الأخرى التي يمكن أن تحدد مصير الاتحاد الأوروبي هي قدرته على التكيف مع التغيرات السريعة والقضايا الاجتماعية. إن ثورة الذكاء الاصطناعي، والأزمات البيئية، والتغيرات السكانية تتطلب استجابات سياسية مبتكرة واستشرافية. ومع ذلك فإن البيئة السياسية الحالية التي تتميز بالاستقطاب والبرامج الشعبوية قصيرة المدى غالبًا ما تعيق التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد. وإذا لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من وضع سياسات متماسكة لمواجهة هذه التحديات الحديثة مع الحفاظ على الوحدة بين أعضائه المتنوعين فسيتم تهميشه على الساحة العالمية.
عند النظر إلى المستقبل نلحظ أن الاتحاد الأوروبي يقترب من نقطة تحول حاسمة قد تحدد بقائه ككيان سياسي متماسك. ويظهر هنا سيناريوهين محتملين: أولاً يمكن أن يمر الاتحاد الأوروبي بعملية تفكك جزئي حيث تسلك بعض الدول الأعضاء مسار الخروج مثل بريطانيا، مما يؤدي إلى اتحاد أصغر ولكنه قد يكون أكثر اتساقًا. ثانيًا يمكن أن ينهار المشروع بأكمله إذا استمرت الحركات اليمينية المتطرفة في تقدمها ونجحت في تعزيز العودة إلى السيادة الوطنية باعتبارها النموذج السياسي السائد. وقد تزداد احتمالية الانهيار الكامل أو ضعف القيم التقليدية أمام الانقسام بشكل ملحوظ.
إن تآكل المعايير الديمقراطية في عدة دول أعضاء، إلى جانب الدعم المتنامي للحماية الاقتصادية والمشاعر الوطنية، يشكل مزيجًا غير مستدام يمكن أن يعزز القوى الانفصالية. في الوقت نفسه تواجه قدرة الاتحاد الأوروبي تحديات عديدة أمام تقديم فوائد ملموسة لمواطنيه، حيث يشير النقاد إلى البطالة المستمرة والركود الاقتصادي في عدة مناطق والعجز المدرك للاتحاد في معالجة القضايا الأمنية. كما أن ظهور هياكل القوة الموازية يشير إلى مستقبل قد تحل فيه التحالفات الإقليمية محل التعاون عبر الاتحاد الأوروبي.
تتسبب هذه التطورات إلى جانب العودة المحتملة للقيادة القومية في الدول الأعضاء الرئيسية، في حدوث تأثير تراكمي قد يؤدي إلى تفكك فعلي للاتحاد الأوروبي ليُستبدَل بشبكة أضعف من الترتيبات الثنائية والإقليمية. إن مثل هذا السيناريو سيغير أساسًا سياسة أوروبا وديناميات القوة العالمية وقد ينهي التجربة التي تلت الحرب العالمية الثانية في الحوكمة العابرة للحدود ويعيد القارة الأوروبية إلى نظام تقليدي أكثر من التنافس بين الدول القومية أو ما يسمى بأسلوب الحوكمة في القرن التاسع عشر.
أمين مهدوي
1- Thetimes.com
2- Cfr.org
3- Chathamhouse.com