نمو سوق الأسهم في السعودية بعد تغيير سياسة ترامب التجارية
في أعقاب عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية وتغيرات في توجهاته التجارية مقارنة بفترة رئاسته الأولى، شهدت الأسواق المالية في بعض دول منطقة غرب آسيا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية تحركات وتغيرات إيجابية.

في أعقاب عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية وتغيرات في توجهاته التجارية مقارنة بفترة رئاسته الأولى، شهدت الأسواق المالية في بعض دول منطقة غرب آسيا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية تحركات وتغيرات إيجابية. ومن بين الأمثلة الواضحة على هذه التحولات، نمو مؤشرات سوق الأسهم في الرياض خلال الأسابيع الأخيرة وهو ما يعتبره المحللون دليلاً على زيادة ثقة المستثمرين؛ وهي ثقة تأثرت إلى حد كبير بالدعم غير الرسمي الذي قدمه ترامب للمشاريع الاقتصادية الكبرى في السعودية، وخاصة برنامج رؤية 2030.
على عكس النهج التصادمي لترامب تجاه الصين والاتحاد الأوروبي، فإن تصريحاته الأخيرة تعكس جهودًا لإقامة علاقات اقتصادية تفضيلية مع حلفاء واشنطن التقليديين، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وقد تم الترحيب بهذا التغيير في النهج من قبل المملكة العربية السعودية مما أرسل رسالة إيجابية إلى الأسواق المالية في البلاد.
شهد المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم في السعودية خلال الأسابيع الماضية نموًا في عدة نقاط مئوية، ليصل إلى أعلى مستوى له في الأشهر الأخيرة. يُعزى هذا النمو بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط إلى التفاؤل بتعزيز التعاون الاقتصادي بين الرياض وواشنطن، وتقليل المخاطر الجيوسياسية وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سوق المال السعودي.
يُعتبر برنامج رؤية 2030 الذي طرحه محمد بن سلمان ولي العهد السعودي من أكبر مشاريع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في تاريخ السعودية المعاصر. وتم تصميم هذا البرنامج بهدف تقليل الاعتماد على النفط وتطوير القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية وتحديث البنية التحتية.
في الأشهر الأخيرة أشاد ترامب مرارًا في خطاباته ومقابلاته بالمشاريع الكبرى الاقتصادية في السعودية، وخاصة مدينة نيوم ومشاريع الطاقة المتجددة ووصفها بأنها نموذج "تقدم الشرق الأوسط تحت قيادة أصدقاء أمريكا". ورغم أن هذه الدعم لم يكن في إطار اتفاقيات رسمية فقد تم اعتباره إشارة سياسية للمستثمرين العالميين مما أدى إلى زيادة الثقة بشأن استقرار ومستقبل الاقتصاد السعودي.(1)
بينما كان ترحيب سوق المال السعودي بهذه التطورات ملحوظًا، حذر بعض المحللين من ازدياد الاعتماد الاقتصادي المفرط للسعودية على الولايات المتحدة، خاصة في ظل ارتباط العديد من المشاريع الاستراتيجية في السعودية بالتكنولوجيا والاستثمارات والدعم السياسي من الشركات والمؤسسات الأمريكية.
وقد أدت هذه الوضعية إلى جعل الأسواق المالية السعودية عرضة للغاية للقرارات المفاجئة من البيت الأبيض. إذ يمكن للتغيرات في السياسات التجارية أو الضريبية للولايات المتحدة أو فرض قيود جديدة على التجارة الخارجية، أو حتى تغيير الحكومة في أمريكا أن تؤثر بشكل مباشر على استقرار سوق الأسهم في السعودية.
يعتقد بعض الاقتصاديين العرب، بالاستناد إلى الأدلة المتاحة أن الاعتماد المفرط للحكومة السعودية على الدعم الخارجي قد يؤدي إلى إبطاء سير الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد السعودي. ووفقًا لهؤلاء الخبراء فإن نجاح رؤية 2030 يعتمد على إصلاح النظام الضريبي، وتعزيز المؤسسات الرقابية وزيادة الإنتاجية في القطاع العام، ونمو القطاع الخاص المحلي؛ وهذه الأمور تتطلب جهودًا داخلية وليست اقتصارًا على الاعتماد على الدعم الخارجي.(2)
هناك قلق من أنه إذا شعرت الحكومة السعودية بارتياح متزايد تجاه الدعم الكبير من واشنطن، فقد يظهر لديها دافع أقل لتطوير القدرات المحلية، وتعزيز الابتكار المحلي وإصلاح الهياكل الاقتصادية التقليدية. إن مثل هذا التوجه قد يؤدي على المدى الطويل إلى فشل الأهداف الأساسية لرؤية 2030.
وأظهرت علاقات أميركا مع حلفائها الإقليميين أن سياسات واشنطن يمكن أن تخضع لتغيرات مفاجئة. وكانت هذه التحولات في كثير من الحالات نتيجة لتغيير الحكومة أو تغير الأولويات المحلية أو الضغوط السياسية الدولية.
ويحذر بعض المراقبين الاقتصاديين، مشيرين إلى التقلبات السابقة في العلاقات الأميركية مع دول مثل مصر وباكستان، أو حتى المملكة العربية السعودية خلال عهد بايدن من أن تغيير الحكومة في الولايات المتحدة أو مراجعة سياسات التجارة العالمية قد يشكلان تحديا خطيرا لاستقرار الأسواق المالية السعودية.(3)
وبناء على ذلك فمن المستحسن أن تتبنى المملكة العربية السعودية، بدلاً من الاعتماد بشكل أحادي على الولايات المتحدة استراتيجية متوازنة تعمل على تقليص تعرض اقتصاد البلاد للتطورات الخارجية.
وقد اقترح خبراء اقتصاديون عدة حلول لتقليل اعتماد السعودية على السياسات الأميركية:
تنويع شركاء الأعمال
إن توسيع التعاون الاقتصادي مع دول شرق آسيا، وخاصة الصين وكوريا الجنوبية واليابان فضلاً عن زيادة المشاركة مع الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يقلل من اعتماد المملكة العربية السعودية على الولايات المتحدة.
جذب الاستثمارات الأجنبية المتنوعة
إن تسهيل بيئة الأعمال وتحسين قوانين حماية المستثمرين، وتطوير سوق رأس المال من شأنه أن يسمح للمملكة العربية السعودية بجذب الاستثمارات من مختلف المصادر العالمية.
تعزيز القطاع الخاص المحلي
إن تقليص دور الحكومة في الاقتصاد وتشجيع ريادة الأعمال هو وسيلة مستدامة لتحقيق النمو الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الجهات الأجنبية.(4)
تطوير التكنولوجيا الأصلية
إن الاستثمار في التعليم والبحث والتطوير ودعم الشركات المحلية المبتكرة من شأنه أن يزيد من الاستقلال التكنولوجي للمملكة العربية السعودية.
وأخيرا، ينبغي أن يقال إنه على الرغم من أن النمو الأخير لسوق الأسهم السعودية المتأثر بدعم ترامب الضمني وتفاؤله بشأن العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، يعتبر علامة إيجابية للأسواق المالية، فإن تحليلا أكثر تفصيلا يظهر أن الاعتماد المفرط على الدعم السياسي الأجنبي قد يشكل تحديات خطيرة لمسار المملكة العربية السعودية نحو الإصلاحات الاقتصادية.
ويعتمد المستقبل الاقتصادي المستدام للمملكة العربية السعودية على تبني سياسات متوازنة، وتعزيز القدرات المحلية، والحد من التعرض لتقلبات السياسة الخارجية. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من المضي قدماً في برنامج رؤية 2030 بإرادة محلية ونظرة واقعية للعلاقات الدولية.
1-https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/one-hundred-days-of-trumps-middle-east-policy-money-mediation-and-military-force/
2-https://www.tradingnews.com/news/saudi-arabias-oil-dependency-faces-new-challenges
3-https://thebftonline.com/2025/01/13/saudi-arabias-vision-2030-transforming-the-kingdoms-economy-and-society/
4-https://www.centuroglobal.com/article/saudi-arabia-vision-2030