الأطماع المستمرة

بعد مرور فترة على حدوث التغييرات الجديدة في سورية تسعى الحكومة التركية التي كانت الداعم الرئيسي لمجموعات المعارضة السورية الآن إلى الاستفادة من الوضع السوري وتحقيق أهدافها المنشودة. ومن بين آخر الخطط التي تسعى الحكومة التركية إلى تحقيقها هي إعادة إحياء خط السكة الحديد التاريخي للحجاز.

ينايِر 6, 2025 - 04:45
الأطماع المستمرة
خط حديد الحجازعام 1914

بعد مرور فترة على حدوث التغييرات الجديدة في سورية تسعى الحكومة التركية التي كانت الداعم الرئيسي لمجموعات المعارضة السورية الآن إلى الاستفادة من الوضع السوري وتحقيق أهدافها المنشودة. ومن بين آخر الخطط التي تسعى الحكومة التركية إلى تحقيقها هي إعادة إحياء خط السكة الحديد التاريخي للحجاز.

كان خط السكة الحديدي الحجاز، الذي كان يربط تركيا عبر دولتي سورية والأردن مع المدينة المنورة أثناء العهد العثماني، أحد الطرق الرئيسة للتواصل في ذلك الوقت، ولكن بعد انهيار الدولة العثمانية بدأ هذا الطريق والسكة الحديدية يفقد بهجته وأهميته. ومع ذلك تسعى الحكومة التركية هذه الأيام مجددًا لإحيائه و يعود السبب في ذلك إلى أن الحكومة السورية الجديدة تتوافق مع أهداف تركيا وبرامجها، وتستقبل بكل رحابة صدر مثل هذه الخطوات التي تؤدي إلى تعزيز البنية التحتية وتطويرها في سورية. 

ومن الأسباب الأخرى التي تدفع تركيا إلى ذلك هي النظرة العثمانية الجديدة التي تتبناها الدولة التركية. في الواقع يسعى أردوغان إلى بناء أمة وتعريف تركيا في إطار دولة عثمانية كبيرة، ليتمكن من تحقيق طموحاته الكبرى من خلالها. ويعد خط السكة الحديد رمزًا مهمًا وقيمًا يمكن أن يوفر مزايا عديدة للحكومة التركية برئاسة أردوغان، بدءًا من زيادة النفوذ في سورية وصولاً إلى تعزيز مستوى التعاون مع الحكومة السعودية في مجالات عديدة، مما يعزز المنافع الاقتصادية ويزيد من العمق الاستراتيجي لتركيا في المنطقة. 

بجانب ذلك يمكن لتركيا أن تسمو مجددًا كقائد روحي للعالم الإسلامي ومع الاعتماد على هذا النهج والتركيز على الأماكن المقدسة للمسلمين، يمكن زيادة مستوى النفوذ السياسي والثقافي لها في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن يعمل هذا الخط كجزء من المسارات والمعابر التي تسعى الدول الغربية إلى تأسيسها، مما يقلل من تكلفة وسرعة نقل السلع واابضائع. بالفعل يمكن أن يكون هذا الطريق عبر السكة الحديدية جزءًا مهمًا من سلسلة الإمدادات الاستراتيجية لتركيا، مما يزيد من الخيارات المتاحة للدول العربية المطلة على الخليج الفارسي والدول الأوروبية. هذه المسألة قد تؤدي بدورها إلى تعزيز مكانة تركيا وزيادة قوتها على المستوى الإقليمي بل وحتى على المستوى العالمي أيضاً كلاعب أساسي.

ومع ذلك يواجه إحياء خط السكة الحديد للحجاز، رغم ما يحمله من فوائد محتملة لتركيا وحلفائها، تحديات وعقبات جدية قد تجعل تحول هذا المشروع إلى واقع يدخل في دائرة الشك. أحد أبرز هذه التحديات هو تأمين التمويل اللازم لهذا المشروع الضخم. على الرغم من أن تركيا قد تتمكن من تشييد الجزء المتعلق بالأراضي السورية باستثماراتها الخاصة، ومن المحتمل أن تطالب بعد ذلك الحكومة السورية بالتكاليف إلا أن تأمين تمويل كامل الخط خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي لتركيا وعدم اليقين بشأن مشاركة الدول المعنية الأخرى مثل الأردن والسعودية يشكل تحديًا كبيرًا. إذا لم تكن لدى هذه الدول رغبة قوية في الاستثمار في هذا المشروع، ستواجه تركيا عبئًا ماليًا ضخمًا.
 
بالإضافة إلى القضايا المالية تثير الأوضاع السياسية ومسار المستقبل في سورية تساؤلات جادة. ففي الوقت الراهن لا يزال من غير الواضح كيف ستكون الحكومة السورية المقبلة وما هي الاستراتيجيات والأهداف التي ستتبناها وما إذا كان هناك استقرار وأمان كافٍ لتنفيذ مشروع مماثل في البلاد. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان ستنشأ حكومة مركزية قوية في سورية تستطيع ضمان الأمن في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في أمن خطوط السكك الحديدية. أما إذا استمرت الفوضى والنزاعات المتناثرة في البلاد، فإن غياب الأمن المستدام سيجعل الاستثمار في مثل هذا المشروع مصحوبًا بمخاطر عالية للغاية.

بالإضافة إلى ذلك لا ينبغي تجاهل القضايا الفنية واللوجستية المتعلقة بإعادة بناء وتجديد خط السكة الحديدية. فقد تعرضت أجزاء من هذا الخط على مر السنين للتدمير وتحتاج إلى إعادة بناء كاملة. كما أن استخدام التكنولوجيا الحديثة والمتطورة في إنشاء هذا الخط وتشغيله يتطلب دراسات دقيقة واستثمارات تقنية. 

إلى جانب كل ذلك إذا لم يرَ المنافسون الإقليميون لتركيا والقوى الكبرى هذا المشروع متماشيًا مع أهدافهم على المدى الطويل، فقد يقومون بعرقلة العمل أو الضغط على الدول المشاركة في هذا المشروع مثل الأردن والسعودية لثنيها عن التعاون والمشاركة في إنشائه.

في النهاية، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن طموحات تركيا بالنظر إلى قدراتها الاقتصادية والثقافية والسياسية، قد تكون أكبر من طاقة هذا البلد مما قد يخلق في المستقبل تحديات لها. هذه التحديات يمكن أن تعرض كل من أمن تركيا وأمن المنطقة للخطر وهو ما ينبغي أن تأخذه القوى الأخرى في المنطقة بعين الاعتبار ومنع حدوث ما يعرقل إحلال الأمان من جديد. وقد يكون منع طموحات أردوغان هو أفضل وأقل الخيارات كلفة في هذا السياق.


امين مهدوي