أمريكا بلد النفاق السياسي ونقض العهود
لطالما انتهكت الولايات المتحدة المعاهدات والاتفاقيات ونقضت بوعودها. وهو أمر أعرب عنه العديد من الخبراء والدبلوماسيين والسياسيين على مر الزمن باعتباره سببًا لفقدان الثقة في التعامل مع أمريكا مما جعلها تتسم بصورة الشريك غير الموثوق به على الساحة الدولية.
![أمريكا بلد النفاق السياسي ونقض العهود](https://ar.iuvmpress.co/uploads/images/202502/image_870x_67b2ab94da961.jpg)
تذكرنا عودة ترامب إلى البيت الأبيض ووعوده بالانسحاب من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بفترة رئاسته السابقة، تلك الفترة التي كان فيها انسحاب ترامب من الاتفاقيات الدولية سببًا لوصف أفعاله بـ «عقيدة ترامب للانسحاب» ومع ذلك يجب الانتباه إلى أن هذا التوصيف لا يشد كل الانتباه ويجعله يقع حول اسم ترامب فقط وكيف نقض عهوده، في حين أن انتهاك الاتفاقيات ونقض العهود من قبل الولايات المتحدة كان سلوكًا متبعًا في الحكومات والهيئات الحاكمة المختلفة في هذا البلد.
لطالما انتهكت الولايات المتحدة المعاهدات والاتفاقيات ونقضت بوعودها. وهو أمر أعرب عنه العديد من الخبراء والدبلوماسيين والسياسيين على مر الزمن باعتباره سببًا لفقدان الثقة في التعامل مع أمريكا مما جعلها تتسم بصورة الشريك غير الموثوق به على الساحة الدولية.
تاريخ هذا البلد مليء بالمعاهدات التي وقعتها الولايات المتحدة ولكن لم تصادق عليها أو وقعت عليها ثم تراجعت عن توقيعها أو امتنعت عن توقيعها بعد إجبار الجميع على التوقيع على الاتفاقية.
عدم الالتزام بالمعاهدات الدولية تقليد قديم في أمريكا انطلق مع تأسيس هذا البلد. في هذا السياق يمكن الإشارة إلى مئات المعاهدات مع القبائل الأمريكية الأصلية التي تم انتهاكها أو لم تُصادق عليها بعد التوقيع. واليوم تعتبر الولايات المتحدة من الدول القليلة التي اعتمدت أقل عدد من المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان؛ حيث صادقت أمريكا على خمسة معاهدات فقط من أصل ثمانية عشر معاهدة حقوقية معتمدة من الأمم المتحدة.
عند مراجعة أرشيف الوثائق الرسمية للحكومة الأمريكية يمكن ذكر المعاهدات المنتهكة في الحكومات التي سبقت ترامب وأهمها على النحو التالي:
- بين عامي 1772 و 1869، تم إبرام 374 معاهدة بين أمريكا والقبائل المحلية في هذا البلد ومن بين هذه المعاهدات لم تلتزم الولايات المتحدة بالعديد إلا بالقليل منها.
- معاهدة فرساي 1919: بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقع الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون هذه المعاهدة لكن الكونغرس الأمريكي الذي كان تحت سيطرة الحزب الجمهوري عارض التصديق عليها.
- الاتفاقية الدولية للعمل 1949: هي أقدم معاهدة لا تزال بانتظار تصديق الشيوخ.
- اتفاقية جنيف 1954: تم عقد مؤتمر جنيف بهدف إنهاء حرب كوريا وأول حرب في الهند الصينية. على الرغم من مشاركة أمريكا في هذا المؤتمر والمفاوضات المتعلقة به إلا أنها امتنعت عن توقيع هذه الاتفاقية.
- المعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966
- معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979
- اتفاقية قانون البحار 1982
- اتفاقية حقوق الطفل 1989
- معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية 1996
- معاهدة أوتاوا (معاهدة حظر استعمال الألغام وحفظها وصنعها ونقلها) 1997
- بروتوكول كيوتو لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة 1997
- معاهدة روما لإنشاء محكمة جنائية دولية 1998
- اتفاقية معاهدة لشبونة 2009
وكما أشرنا بدأ نقض العهود الأمريكية منذ تأسيس هذا البلد وبلغ ذروته في فترة ترامب. واحدة من أشهر خياناته كانت الانسحاب الأحادي من اتفاقية "بارجام" (الاتفاق النووي الإيراني) في عام 2018. ادعى أن هذه الاتفاقية "ناقصه" ومعبرًا عن رغبته في التوصل إلى اتفاق "أشمل" فخرج من الاتفاق وتبنى سياسة الضغط الأقصى ضد إيران.
واجهت خطوة الرئيس الأمريكي عدم رضا حتى عند شركاء واشنطن الأوروبيين وأيضًا بقية أطراف الاتفاق. كما اعترفت "أنجيلا ميركل" المستشارة الألمانية السابقة و"تيريزا ماي" رئيسة الوزراء البريطانية السابقة بأن ترامب بانسحابه الأحادي من الاتفاق النووي انتهك حتى قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
النقطة المهمة والملحوظة في العلاقات الدولية الأمريكية هي الدور الأساسي للكونغرس الأمريكي بما في ذلك مجلس النواب ومجلس الشيوخ في الموافقة أو إلغاء المعاهدات والعقود والعقوبات وما إلى ذلك. تم إبرام العديد من الاتفاقيات بما في ذلك ما ذُكر أعلاه، من قبل رؤساء الولايات المتحدة مع دول أخرى ولكن لم تُنفذ بسبب عدم التصديق عليها في الكونغرس مما جعل الحكومة الأمريكية تتهرب من التزاماتها.
لا ينبغي أن ننسى أنه حتى بعد تنفيذ "بارجام" لم تُصادق هذه الاتفاقية في الكونغرس الأمريكي ولم تُرفع العقوبات من قبل الكونغرس ضد إيران. الآن أحد أكثر رؤساء الولايات المتحدة نقضًا للعهود من خلال استخدام سياسة العصا والجزر يتحدث عن التفاوض بجانب زيادة العقوبات ضد إيران! وبالنظر إلى التجربة التاريخية والظروف الحالية فإنه من المفترض أنه إذا أراد ترامب تقليل عقوبات إيران (وليس حتى إلغائها) فلن يسمح له الكونغرس مثل المرات السابقة.
محمد صالح قرباني