العلاقات متوترة، والدبلوماسي الأمريكي المخضرم في بكين!

لَقيَ هنري كيسنجر، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم و "الصديق القديم" للصين، ترحيباً حاراً مؤخراً من قبل مسؤولي البلاد، حيث عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعاً معه في بكين. وأصبحت زيارة كيسنجر إلى الصين أحد الموضوعات الساخنة في شبكات التواصل الاجتماعي، وكان لمستخدمي الشبكات الافتراضية ردود فعل مختلفة تجاه زيارته هذه.

وكتبت غلوبال تايمز في مقال يشير إلى زيارة هنري كيسنجر الأخيرة للصين: "عقد شي جين بينغ اجتماعاً مع كيسنجر في فيلا رقم 5 في دار ضيافة ولاية دياويوتا في بكين، حيث التقى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم برئيس الوزراء الصيني تشو إنلاي قبل 52 عاما". وخلال زيارته الأخيرة، التقى أيضا وانغ يي كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الصين، و "لي شانغفو" وزير الدفاع في البلاد وهو وزير على قائمة العقوبات الأمريكية. حيث فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على لي شانغفو في عام 2018 لتورطه في مشتريات الأسلحة من روسيا. من بين هذه الأسلحة كانت طائرة سوخوي 35 المقاتلة ونظام الصواريخ المضادة للطائرات إس-400.[1] جاء هذا الاجتماع في حين رفض وزير الدفاع الصيني لقاء وزير الدفاع الأمريكي في الاجتماع الأمني ​​لسنغافورة الذي عقد في يونيو الماضي بسبب العقوبات الأمريكية.

بالنظر إلى مقابلات وخطب كيسنجر الأخيرة، يمكن ملاحظة أن لديه مخاوف جدية بشأن التطورات الحالية في العلاقات الصينية الأمريكية. ربما لهذا السبب أصر على رحلته إلى الصين في سن 100. يعرف الشعب الصيني أن سفرةً طويلة إلى الصين بما تتماشى مع العلاقات بين واشنطن وبكين ليست سهلة بالنسبة لرجلٍ يبلغ من العمر 100 عام ، وبالتالي فهم على دراية تامة بجهوده المبذولة. ومع ذلك ، أعرب البيت الأبيض عن أسفه لرحلة كيسنجر المريحة إلى الصين لأن العديد من المسؤولين الأمريكيين الحاليين لا يمكنهم السفر إلى بكين. في هذا الصدد، يعتقد بعض المحللين ووسائل الإعلام أن بكين تلعب ببطاقة" الصديق القديم "، ويدعي آخرون أن هذه الخطوة تشبه إلى حد بعيد استراتيجيات الصين.[2]

تركز الولايات المتحدة على الفناء الخلفي للصين، وخاصة مناطق مثل تايوان وهونغ كونغ والتبت وبحر الصين الجنوبي ، والتوترات التي يخلقها البيت الأبيض في شبه الجزيرة الكورية في الآونة الأخيرة في مناطق مثل أستراليا والفلبين، كلها قابلة للتفسير بما يتماشى مع الحصار الاستراتيجي للصين. بالتأكيد لن تكون بكين ساذجة في هذا الأمر ، وهذا هو نفس مشهد المواجهة الذي لا يستطيع كيسنجر ، بصفته استراتيجيأً عملاقاً، إخفاء قلقه عنه نظرا للإطلاع الكامل على نقاط القوة والضعف في البنية الأمريكية في النظام الدولي . بعبارة أكثر دقة؛ توصل مابقي من رجال عصر القوة العظمى في أمريكا اليوم، إلى استنتاج مفاده أن الديمقراطيين والجمهوريين الأمريكيين يقودون لعبة خطيرة في شرق آسيا سيكون لها بالتأكيد عواقب وخيمة على الولايات المتحدة. لم يكن الصينيون في عهد ترامب ولا تحت حكم بايدن على استعداد لمنح واشنطن أي ميزة في مواجهة الاستراتيجيات التوسعية والتهديدية الأمريكية، ولكن في الوقت نفسه هناك احتمال أن يفيض الصبر الاستراتيجي الصيني في نهاية المطاف وأن تأخذ الحرب المشتركة بين واشنطن وبكين بعدا أكثر تعقيداً. خاصة وأن الأمريكيين يشاركون الآن أيضا في الحرب المرهقة بين أوكرانيا وروسيا.

ومن ثم ، ينبغي النظر إلى زيارة كيسنجر الأخيرة إلى بكين على أنها انعكاس للقلق العميق بين قادة السياسة الخارجية الأمريكية بشأن لعبة البيت الأبيض غير المتوازنة والمكلفة والخطيرة في شرق آسيا.[3]

في هذه الأيام ، أدركت كل من الصين والولايات المتحدة جيدًا أنه لا يمكن لأي منهما القضاء على الآخر ، وأي استفزاز قد يؤدي إلى كارثة كبيرة في المجالين العسكري والاقتصادي. لا يتحدث شي جين بينغ عن العزلة الاقتصادية بقدر ما كان يتحدث قبل بضع سنوات، ويبدو أن أمريكا خلال حكم الديمقراطيين عندما لم تستطع تصحيح أيًا من سياسات ترامب المعادية للصين، بل أنها اتخذت العديد من الإجراءات الاستفزازية ضد الصين في العام الماضي. توصلت إلى فهم منطقي بأن الطريقة الصحيحة هي نفسها التي بدأتها قبل 52 عامًا بالرحلة السرية لهذا الدبلوماسي البالغ من العمر 100 عام إلى بكين.[4]

إن أهمية الترابط بين العلاقات الصينية الأمريكية مهمة وحيوية جداً . يتطلب التواصل الحقيقي احترام مصالح بعضنا البعض، وعدم الرغبة في إجبار بعضنا البعض على قبول الهيمنة دون قيد أو شرط. كيسنجر مدافع قوي عن المصالح الأمريكية ، لكنه يعلم أن الولايات المتحدة لا يمكنها ببساطة مساواة المصالح الأمريكية بالمصالح العالمية. وقد أظهرت شراكته التي استمرت عقودا مع الصين أن الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المتبادل ليست ممكنة فحسب، بل إنها الطريقة الوحيدة والممكنة. في السنوات الأخيرة، حذر كيسنجر من التوترات بمستوى العلاقات بين البلدين، وهو الذي لديه بصيرة كافية وأكثر من قرن من الخبرة السياسية.

 محمدصالح قربانی

[1] globaltimes.cn

[2]globaltimes.cn

[3]nournews.ir

[4] khabaronline.ir