العلاقات العربية الروسية المتنامية.. قلق إسرائيلي بالغ وتخوف أمريكي كبير
العلاقات العربية الروسية المتنامية.. قلق إسرائيلي بالغ وتخوف أمريكي كبير
تحاول روسيا منذ الولاية الرئاسية الثانية للرئيس فلاديمير بوتين، بجدية إلى تحسين العلاقات مع جميع الدول العربية وخاصة دول الخليج الفارسي، الأمر الذي رحبت به هذه الدول مراراً.
ونتيجة للتغيير في نهج الولايات المتحدة الأمريكية تجاه منطقة غرب آسيا، والتطورات المتسارعة التي تشهدها هذه المنطقة، وتصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا منذ أكثر من عام ومختلف التداعيات الدولية الناجمة عنه، تحولت الدول العربية وخاصة في الخليج الفارسي تدريجياً نحو المعسكر الشرقي وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية وتعزيز دورها على المستوى الدولي.
حيث أدى تقارب بعض الدول العربية مع روسيا والانفصال التدريجي عن الولايات المتحدة إلى شعور الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية بالقلق البالغ.
وفي هذا السياق، أعرب الباحثان الإسرائيليان يوئيل جوزانسكي وأركادي ميل مان عن قلقهما من تداعيات التعزيز الراهن للعلاقات بين الدول العربية وروسيا، في وقت يتراجع فيه نفوذ الولايات المتحدة (حليفة إسرائيل) في منطقة الشرق الأوسط.
وتابع جوزانسكي ووميل مان، في مقال نشره "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي (INSS) ، أن وثائق الاستخبارات الأمريكية السرية المسربة "توضح بشكل أكبر الاتجاه المتزايد من الدول العربية لتنويع تفضيلات تحالفها، على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة".
وأضاف أن "إحدى النتائج المركزية للحرب (الروسية) في أوكرانيا (منذ 24 فبراير/ شباط 2022) هي التغييرات التي أجرتها دول الشرق الأوسط الأساسية في علاقاتها مع حليفها التقليدي، الولايات المتحدة، وتلك الدول ليست مهتمة بالتخلي عن العلاقة مع واشنطن، ولكنها معنية بتقليل اعتمادها على تلك العلاقة".
وزاد بأن "قيمة دول الخليج الفارسي في أعقاب ارتفاع أسعار النفط من وجهة نظرها، باتت تسمح لها بمحاولة تشكيل نموذج جديد للعلاقات مع الولايات المتحدة، حيث زادت حرية المناورة، بحيث يسهل عليها تنفيذ سياسة مستقلة تتيح تعظيم السعي وراء مصالحهما الوطنية".
وأفاد بأنه "بالنسبة لدول الخليج الفارسي، تعتبر روسيا شريكا أساسيا لتنظيم أسعار الطاقة".(1)
من جهتها أكّدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن روسيا لديها علاقات مستقرة مع العالم العربي، وتبني هذه العلاقات بشكل ثنائي.
ونقلت وكالة سبوتنيك عن زاخاروفا قولها مؤخرا على هامش منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي: إن “الدول العربية تُبدي اهتماماً كبيراً بهذه العلاقات، كما أصبح واضحاً الاهتمام العربي بالتجمعات التي تنتمي روسيا إليها والتي أنشأتها بنفسها”.
وأوضحت أن “سياسات التدمير الذاتي التي يتبعها الغرب ومحاولات السيطرة على العالم توضح حقيقة بلداننا، حيث يهتمّ الجميع بالعثور على شركاء يعتنقون مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة والامتثال للقانون الدولي”.
ولفتت زاخاروفا إلى أنه “في الوقت الذي يستعر فيه التوحّش الأمريكي تميل دول العالم المستقلة للبحث عن شركاء موثوقين وطويلي الأمد”.(2)
بدوره كشف الصحفي كينيث رابوزا، في مقال لمجلة "فوربس"، عن الدولة العربية التي قد تكون التالية في الخروج عن المدار الجيوسياسي للولايات المتحدة.
وقال رابوزا: "بدأ كل شيء مع السعودية. خلال زيارة الرئيس بايدن إلى الرياض في يوليو الماضي، حيث تم استقباله ببرودة، وإن لم يكن باردا. ثم اختار السعوديون الصين كوسيط في تقاربهم مع إيران، والإمارات العربية المتحدة هي التالية".
وأشار إلى أن الإمارات، مثل السعودية، اتبعت في عدة نواحي مثال من الولايات المتحدة، لكن أبو ظبي اليوم ستعمل من أجل المصالح الجماعية للإمارات.
وأضاف: "إذا كان ذلك يعني أنه يجب عليها الاختلاف مع الولايات المتحدة أو حتى الانفصال عنها فيما يتعلق بالقضايا الجيوسياسية، فليكن ذلك".
ودعا الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان إلى واشنطن منذ الصيف الماضي، وحقيقة أن الزيارة لم تتم بعد تدل على الصعوبات في العلاقات بين الإمارات والإدارة الأمريكية.
وأشار إلى أن نائب وزير الخزانة الأمريكية اشتكى من الإمارات بسبب "ضعف تطبيق العقوبات". وأكد أنه حتى لو فرضت واشنطن عقوبات، فإن أبو ظبي "ستتجاهل ببساطة أي قيود".
وذكر الصحفي في مقاله أنه بالنسبة للولايات المتحدة، تعتبر الإمارات شريكا مهما على الصعيدين التجاري والاقتصادي ومن حيث النفوذ السياسي: فهي رابع أكبر متلق للإمدادات العسكرية الأمريكية.(3)
كما يبدو أن الإسرائيليين قلقون من تغيير خريطة التوازن الإقليمي بعد تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة وتعزيز علاقات الدول العربية مع روسيا، وهذا يضغط على تل أبيب لحل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الصهاينة يدركون أنهم لم يتمكنوا من إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عدة عقود وأن هذا لن يحدث أبدا.
ومن بين الدول العربية الـ 22، تقيم 6 دول ، وهي مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، علاقات مع إسرائيل التي احتلت أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 حزيران / يونيو 1967.
ومؤخرا أكد خبراء صهاينة نقلا عن دوائر صنع القرار في هذا الكيان أن المناخ الجديد في المنطقة خطير ومقلق لإسرائيل.
حيث أعلن أسافات أوريون، الخبير في مركز أبحاث الأمن الداخلي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، في صحيفة إسرائيل هيوم أننا الآن في مرحلة جديدة في المنطقة منذ الربيع العربي ونشهد نوعًا جديدًا من اعادة بناء النظام الإقليمي وسبب هذه التطورات هي توجيه الولايات المتحدة اهتمامها إلى مناطق أخرى من العالم.
هذا فيما يواصل الكيان الصهيوني الإعراب عن قلقه من التطورات الأخيرة في المنطقة، لا سيما الخطوات التي اتخذتها السعودية للتقارب مع سوريا بعد الاتفاق مع إيران وإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية.(4)
ولكن لماذا تتنامى العلاقات بين الدول العربية وروسيا التي ينصب تركيزها على تعزيز العلاقات مع دول تعد تقليديا حليفة رئيسية لأمريكا في المنطقة العربية والتي بدورها قبلت هذا التحسن في العلاقات؟
يمكن القول إن روسيا تعتبر الخليج الفارسي أحد أفضل المناطق لخلق توازن دولي بوجه الولايات المتحدة وتحاول تعزيز نفوذها من خلال التشبيك مع حلفاء أمريكا في المنطقة وجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لممارسات أمريكا الأحادية في العالم. بالمقابل، بعد الحرب الروسية الأوكرانية والتطورات الخطيرة في العالم والأنانية الأمريكية وعدم الوثوق بها والشك الذي يراود الدول الحليفة لها، حاولت الدول العربية الاستقلال إلى حد ما عن سياسات واشنطن وخلق توازن على المستوى الإقليمي بوجه الولايات المتحدة الأمريكية.
المصادر:
1-https://cutt.us/KztpE
2-https://cutt.us/B2YJm
3-https://ar.rt.com/v3n6
4-https://tn.ai/2885464