السودان وحرب القوة العسكرية!
السودان - بلد الانقلابات - نتيجة الاتفاق المبدئي في ديسمبر الماضي بين القوات المدنية والجيش على خارطة طريق في حالة انتقال إلى مرحلة جديدة تتمحور حول الأحزاب والقوى السياسية (ائتلاف الحرية والتغيير) وعودة الجنود إلى الثكنات. ورغم أن هذه العملية كانت تواجه تحديات وتتقدم ببطء في الأشهر القليلة الماضية، إلا أنها كانت واعدة وجارية وكان الجميع ينتظر الاتفاق النهائي حتى يوم أمس، حيث بدأ صراع عنيف بين الجيش وقوات الرد السريع. وتتركز هذه الصراعات على الحرب والصراع على السلطة بين العماد عبد الفتاح برهان قائد الجيش واللواء محمد حمدان دغلو الملقب حميدتي قائد قوات الدعم السريع.
برهان وحميدتي هما مسؤولان عسكريان سودانيان، كانا معًا في السنوات الماضية وكانت بينهما علاقات ودية، وقد أنهيا معًا سلطة عمر البشير في أبريل 2019 لكن منذ عام 2021 بدأت الخلافات بين الجنرالات وظهر القلق والخوف من بعضهما البعض من أجل الإستيلاء الكامل على السلطة. وعندما انكشف هذا التوتر الخفي، ظهر بشكل صراع وحرب شوارع حتى مايو 2021 ، ومع وساطة رئيس الوزراء المدني آنذاك عبد الله حمدوك هدأ الوضع وتمت المصالحة.
بعد ذلك أدخل البرهان حميدتي في لعبة سياسية مع وعود بتقاسم السلطة، نفذوا معًا خطة انقلاب أكتوبر 2021 ، تاركين جانبًا الشريك المدني للسلطة "تحالف الحرية والتغيير". لكن حميدتي بعد تخليه عن القوات المدنية، أدرك أن برهان في طريقه إلى فصل سلطته والقضاء عليه تدريجياً. إلى جانب ذلك فإن ما جعل حميدتي ينأى بنفسه شيئًا فشيئًا عن برهان هو الإدراك المبكر لفشل الانقلاب على القوى المدنية والسياسية. وبعد انقلاب أكتوبر 2021 اجتاحت احتجاجات واسعة النطاق السودان وتفاقمت الأزمات السياسية والاقتصادية في هذا البلد الأفريقي وبدأ حراك المتظاهرون في الشوارع في كل أسبوع بالإضافى لقتل ما لا يقل عن 212 شخصًا.
وتدريجيًا انحاز حميدتي إلى جانب القوى السياسية وضد البرهان والجيش وأيد مشروع الدستور الانتقالي لنقابة المحامين السودانيين. كما أن دعم حميدتي لهذه القوات شكل عامل ضغط بطريقة ما على البرهان وأجبره على قبول الاتفاقية مع ائتلاف الحرية والتغيير في ديسمبر الماضي.
في هذا السياق لعب الطرفان، وخاصة البرهان بطريقة ما بورقة العلاقات مع إسرائيل ضد بعضهما البعض في هذه المواجهة ومن وجهة النظر هذه، يمكن لبعض الجهود أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
في فبراير الماضي أعرب حميدتي عن أسفه لمشاركته في انقلاب 2021 ، قائلا إنه كان "مخدوع". طبعا هذا التصريح بالندم والتأييد للأحزاب وانتقاد القوى الأمنية والجيش لم يكن نتاج تحوّل فكري لحميدتي، بل تغيير في تكتيكاته لكسب دعم هذه القوات في مواجهة الجيش وبرهان لهذا المنافس والقضاء عليه في الاستيلاء على السلطة.
وغني عن البيان أن حميدتي وصل إلى هذا المنصب دون أن تكون له خلفية عسكرية في الجيش والتعليم الأكاديمي، وفقط بدعم من ميليشياته في دارفور. لديه حوالي 100000 جندي على شكل قوات دعم سريع. منذ عام 2003 قاتل إلى جانب الحكومة في جنوب دارفور وأصبح قريبًا جدًا من عمر البشير ونال ثقته. إلى أن قام البشير بدمج الميليشيات الخاضعة لقيادته في قوات الرد السريع وتعيين حميدتي قائداً لها. في الواقع استخدم البشير حميدتي كوسيلة ضغط ضد قادة الجيش خشية أن يفكروا في انقلاب في السودان المعرض للانقلاب. الثقة التي وضعها عمر البشير في حميدتي تشبه الثقة التي وضعها الرئيس المصري السابق محمد مرسي في عبد الفتاح السيسي.
حاليًا على الرغم من حقيقة أن الجيش أقوى، إلا أن هناك "نوعًا" من توازن القوى بين طرفي الصراع في السودان، من ناحية فإنه يجعل من الصعب إيجاد حل سريع للمعركة من خلال العسكر لتكون في صالح أحد الأطرف ومن ناحية أخرى، فإن هذا الموضوع يسبب استمرار المعارك وسفك المزيد من دماء الأبرياء. ما لم تكن الدول الأربع المؤثرة في التطورات في السودان (أمريكا والسعودية والإمارات ومصر) وبطريقة ما روسيا ستستخدم كل قوتها وتمنع استمرار الصراعات. لم يتضح بعد الدور الذي تلعبه القوى الأجنبية المذكورة أعلاه في هذه النزاعات حيث تم دعم طرفي هذه المعركة بطريقة ما من قبل مصر والإمارات والسعودية خلال هذه السنوات الماضية.
لكن أحداث اليوم في السودان قد لا تكون بعيدة عن التوتر الخفي بين السعودية والإمارات. ولكن نظرًا لعدم وجود بيانات مهمة يتجنب الكاتب إدخالها ويطرحها فقط كاحتمال.
ليس من السيئ أن نذكر أن حميدتي لديه علاقات عسكرية واقتصادية واسعة مع روسيا من خلال ميليشيات فاغنر ولديه تعاون وثيق معهم في نهب مناجم الذهب في السودان وحتى في إفريقيا.
صابر گل عنبري