الإنقلاب في النيجير والصراع الروسي الفرنسي
الإنقلاب في النيجير والصراع الروسي الفرنسي
قبل يوم واحد فقط من انعقاد القمة الروسية الإفريقية في سانت بطرسبرغ يوم الخميس الماضي ، ومع الساعات الأولى للمحاولات الانقلابية التي شهدتها النيجر، يوم الأربعاء الموافق 26 يوليو عام 2023، كثرت التكهنات بدورٍ لروسيا فيها؛ كون نيامي هي آخر حلفاء باريس الموثوقين في دول الساحل والصحراء بوسط وغرب إفريقيا. في خضم ذلك، اختلف عدد من الباحثين المتخصصين في شؤون منطقة الساحل والصحراء حول هذه التكهنات، وأوردوا في تحليلاتهم أهمية النيجر والموقع الجغرافي الحيوي جداً لها بالنسبة لموسكو وباريس، وسيتناول هذا المقال تطورات الأحداث الأخيرة هناك وردود الفعل الدولية حيال هذا الحدث المهم.
في تفاصيل هذا الخبر وردت تقارير مفادها أن الجنود من الحرس الرئاسي في النيجر قد احتجزوا الرئيس محمد بازوم داخل القصر. وفي آخر اليوم، أعلنت مجموعة من العسكريين النيجريين عبر التلفزيون الوطني عزل الرئيس محمد بازوم وإغلاق الحدود وفرض حظر التجوال ابتداءاً من تلك الليلة. وقد تولى عملية الإنقلاب ضد الرئيس الرائد أمادو عبد الرحمن، والذي قال خلال نشرة عاجلة وهو محاط بـ 9 عسكريين آخرين يرتدون الزي العسكري "نحن، قوّات الدفاع والأمن، المجتمعين في المجلس الوطني لحماية الوطن، قرّرنا وضع حدّ للنظام". وقد برر خلال النشرة أن الإطاحة جاءت على إثر استمرار تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصاديّة والاجتماعيّة من قبل حكومة محمد بازوم.[1]
تعتبرُ النيجر، الدولة الشريكة الأولى لفرنسا في منطقة الساحل والصحراء، بعد خروج القوات الفرنسية مضطرة من مالي وتراجعها في بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى، والجدير بالذكر أنها بلدانٌ أصبحت صديقة لروسيا وذات علاقات وثيقة معها. وبعد هذا الإنقلاب ربما ستتغير مجريات الأمور في العلاقة بين النيجر وفرنسا أيضاً وتتبع جارتاها لإن الإنقلابيين القادمين على رأس هذا الإنقلاب يعادون فرنسا وسياستها الإستعمارية، ورغم الإدانات الأفريقية والدولية، أعلن قائد الجيش الوطني في النيجر، أنه يؤيد انقلاب القوات التي أعلنت استيلاءها على السلطة في البلاد بعد اعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم. يُذكر أنه عندما تولى بازوم منصب الرئاسة في عام 2021، كان أول انتقال ديمقراطي للسلطة في البلاد، بعد سنوات من الانقلابات العسكرية بعد أن نالت النيجر استقلالها لأول مرة عن فرنسا عام 1960.[2]
الدبلوماسية الروسية وبعيداً عن البيانات الرسمية لوزارة الخارجية، لها حديثٌ حول هذه الأحداث، حيث أوضح نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف في معرض حديثه خلال لقاء له في برنامج "قصار القول" على محطة روسيا اليوم "أن روسيا لا علاقة لها بما يجري حول الصراع على السلطة في النيجر، وإن روسيا تدعم تحكيم العقل وسيطرة القانون وليست مع التمرد والإقتتال ودعا إلى أن روسيا مستعدةٌ، في حال طُلب منها، أن تمدَّ يدَ العونِ والمساعدة لهذا البلد بما يدعم الهدوء والإستقرار والحل الذي يرضي جميع الأطراف.[3]
فرنسا بدورها دانت وبشدة مايحدث من تمرد على السلطة والقانون في النيجر "كما أسمته" وخاصة بعد الإستقرار السياسي التي وصلت إليه بعد سنوات طويلة عانت فيها نيامي من سلسلة انقلابات عسكرية انتهت بتولي مازوم رئيساً ديمقراطياً منتخباً للنيجر، و توعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرد "فورا وبشدة" على أي هجوم يستهدف مواطني فرنسا ومصالحها في النيجر. [4]
حول أهمية النيجر لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، التي أيضاً تتابع تطورات الأحداث هناك بكل إهتمام، تمتلك النيجر قواعد عسكرية أمريكية بقوام 1200 عسكري وقوات من الجيش الفرنسي بقوام أكثر من 1500 عسكري عدا القوات الجديدة التي التحقت من بوركينا فاسو مؤخراً، والتي تشكل بمجموعها مراكز حماية للمصالح الغربية وخاصة فرنسا من أجل محاربة الإرهاب والمجموعات الإرهابية المتشددة وكذلك لمنع الهجرة غير الشرعية والتسلل إلى الحدود الأوروبية والأهم من كل ذلك حماية المصالح الفرنسية ولإستثمارات التي تضع فرنسا يدها عليها ومن أهمها الذهب واليورانيوم، وخاصة أن النيجر أعلنت مؤخراً بعد الإنقلاب عن توقف صادرات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا.[5]
وكانت المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا "ايكواس" قد دانت الإنقلاب بشدة و دعت قاداته إلى إعادة النظام الدستوري خلال أسبوع واحد، حيث هددت باستخدام القوة ضدهم، وهذا ما سيحدث في حال لم يتم التوصل إلى تسوية في النيجر، وبالطبع لن تترك فرنسا وحلفائها النيجر وهي آخر معقلٍ لهم في غرب إفريقيا لقمة سائغة أمام روسيا، التي دون شك من شأنها أن يكون لها موطىء قدم في النيجر بعد أن أصبحت الدول المجاورة لها موالية لروسيا، ولاننسى الصين وتواجدها منذ سنوات هناك أيضاً والتي وصل حجم التبادل التجاري بينها وبين النيجر إلى 993.6 مليون دولار أميركي عام 2022في قطاع النفط واستثمار اليورانيوم والمعادن هناك.[6]
الجارتان بوركينا فاسو ومالي الداعمتان للإنقلاب أعلنتا في بيان مشترك، أن أي تدخل عسكري ضد النيجر سيكون بمثابة إعلان حرب ضدهما أيضا. وقالت السلطات في بيانها المشترك:"علمنا بالعقوبات التي فرضتها الإيكواس عبر وسائل الإعلام ونؤكد دعمنا الأخوي للشعب الشقيق في النيجر الذي قرر بكل مسؤولية تحديد مصيره بيده". [7]
في ذات السياق، يرى " أليكس فاينز" رئيس برنامج أفريقيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن أن " الأزمة في النيجر قد تأخذ بعداً دولياً وخاصة بالنسبة لروسيا بعد أن شاهدنا أعلاماً وصوراً لها علاقة بروسيا وسط المتظاهرين والداعمين للإنقلاب، وأن تصريحات دول مجموعة الإيكواس الإقتصادية لابدّ أن تؤخذ على محمل الجد وإنه لايستبعد بالفعل تدخلاً عسكرياً يحمي ماتبقى من مصالح للدول الغربية في غرب إفريقيا، في حال لم تؤتي المفاوضات نتائجها المطلوبة وحصول تسوية تحافظ فيها الدول الغربية وخاصة فرنسا على مصالحها في المنطقة." [8]
[1] www.aljazeera.net/news/2023/7/26/بعد-احتجاز-رئيس-النيجر-بالقصر
[2] https://www.bbc.com/arabic/tv-and-radio-66331870
[3] arabic.rt.com/prg/هل-موسكو-وراء-انقلاب-النيجر-1482892/قصارى_القول
[4] arabic.rt.com/prg/هل-تتدخل-فرنسا-عسكريا-في-النيجر-خشية-خسارة-مناجم-اليورانيوم-1482897/اسأل-أكثر
[5] arabic.rt.com/prg/هل-تتدخل-فرنسا-عسكريا-في-النيجر-خشية-خسارة-مناجم-اليورانيوم-1482897/اسأل-أكثر
[6] www.almayadeen.net/articles/كيف-يمكن-أن-يؤثر-الانقلاب-في-النيجر-في-الصين
[7] arabic.rt.com/world/1482919-بوركينا-فاسو-ومالي-أي-تدخل-عسكري-في-النيجر-سيكون-بمثابة-إعلان-حرب-علينا
[8] www.youtube.com/watch?v=sbd2SfGUhH4&ab_channel=AlJazeeraArabicقناةالجزيرة